سهل الغاب ينتظر.. المنطقة الصناعية حقيقة أم حلم في واقع زراعي مرير؟
بعد موافقة رئاسة مجلس الوزراء على توصية لجنة الخدمات والبنى التحتية المتضمنة إقامة منطقة صناعية تخصصيّة بالصناعات الزراعية في منطقة الغاب ومحيطها، أصبحنا على مشارف مشروع حيوي وضخم قد يؤدي لتحسين الوضع الاقتصادي وانخفاض سعر الكثير من المواد الأساسية للمواطن كالزيوت واللحوم ومشتقات الألبان وغيرها، إضافة لانعكاساته على المنطقة ومساهمته بتأمين تشغيل آلاف الأيدي العاملة.
ربح للفلاح والصناعي
مدير عام هيئة تطوير الغاب أوفى محمد وسوف رأى أن أهمية هذا المشروع تكمن في تجميع المنشآت الصناعية بمنطقة واحدة بغية تأمين البنية التحتية لإقلاعها بشكل منتظم، وتحافظ على الأراضي الزراعية من التعدي عليها وتحويل أغراضها، كما ترفع من قيمة المحاصيل ذات القيمة الصناعية، وتؤدي لتنظيم استجرارها، وتأمين العديد من فرص العمل، فيما رأى مدير الإحصاء في هيئة تطوير الغاب عماد نعسان أن أهمية إحداث المنطقة تأتي من ارتباط الزراعة بالمشاريع الصناعية بهدف تأمين تصريف المنتجات الزراعية، وفي الوقت نفسه كسر حلقات سيطرة الوسطاء والسماسرة التي تقلّل من ربح الفلاح وتزيد أسعار المنتجات الزراعية ناهيك عن تكاليف النقل، وإعادة الألق لبعض المحاصيل الصناعية التي تمّ التوقف عن زراعتها مؤخراً رغم ما كانت تحققه من أرباح عالية بسبب صعوبة تسويقها وارتفاع تكاليفها، وتطبيق دورة زراعية لإدخال وعودة الفلاحين لزراعة تلك المحاصيل، وتحقيق تصدير منتجاتها حتى إلى دول أوروبا، وتخطي مشكلات التخزين والكهرباء، بالإضافة إلى تعزيز ثقة الفلاح بالمحصول وارتباطه بأرضه عبر التعاقد مع المعامل والزراعات التعاقدية، وعدم الاعتماد على محصول واحد كما يحصل الآن بغية المحافظة على خصوبة التربة، ومنع تكاثر الآفات التي تتكاثر على نوع واحد، كما سيساهم المشروع في تنويع المحاصيل سنوياً بحيث تخفف من الآفات التي تطور دورة حياتها عند بقاء المحصول ذاته في الأرض، والاعتماد على مخلفات المصانع في التسميد العضوي والمحافظة على منتج خالٍ من المواد الضارة، وفي الشق الحيواني تصنيع الألبان، وتوفيرها بسعر مناسب، وتوفير الفاقد في النقل وتسهيل عمليات التسويق، وإيجاد منتج مصنع وفق المواصفات العالية وقابل للتصدير.
إعادة هيكلة الزراعة
وبرأي الدكتور المهندس بسام السيد عضو هيئة تطوير الغاب أن المنطقة تحتاج قبل البدء بأية نشاطات بأن تستثنى بمجموعة من القوانين، وإلى إعادة هيكلة الزراعة عبر تجميع الأراضي الزراعية واعتماد المكننة الزراعية، والعمل على استبعاد الجمعيات الفلاحية التي أصبحت عالة حقيقية على الفلاح، واستبدالها بوحدات إنتاجية تؤمن المواد الأولية للزراعة والتصنيع الزراعي. وبيّن السيد وجود مساحات عقارية كبيرة صالحة لإقامة المشاريع ضمن الغاب، ومنها منطقة “رجوم” في عين الكروم بمساحة 75 هكتاراً التي تمّ اختيارها لإقامة منطقة تصنيع زراعي في الغاب، كما أن هناك مناطق أخرى يمكن استغلالها مستقبلاً ذات مساحات متفاوتة تتراوح من 48-950 هكتاراً يمكن إقامة مشاريع صناعية متنوعة عليها مثل معامل الأعلاف والألبان ومشتقاتها والمعكرونة والبرغل، وصالات تفريخ الأسماك ومعامل صغيرة لتوضيب وتمليح وتجميد الأسماك النهرية، مع إمكانية إنشاء برادات ضخمة لتخزين المنتجات الزراعية، ومعمل للكونسروة والمخللات ودبس البندورة ومعاصر الزيوت النباتية والعطرية ومعمل لتجفيف البصل ومعمل للشيبس ومعمل للحلاوة والطحينية، ومركز لتجميع الأقطان ومحلج ومعمل لغزل ونسج الأقطان، وإقامة مدجنتين من القياس الضخم.
كما يمكن -والكلام للسيد- إقامة مشاريع لمعالجة النفايات والاستفادة منها في مجالات الأسمدة والطاقة، والأهم من ذلك الحدّ من تلوث البيئة والمخلفات، مشيراً إلى أهمية استغلال بعض المناطق في إقامة مشاريع أخرى سياحية نظراً لجمالية المنطقة عالمياً، وإمكانية تركيب خطوط تلفريك في بعض القمم العالية بحيث تكون قبلة حقيقية للسياحة العالمية.
تناقض كارثي
الدكتور ياسين محمد العلي رئيس مجلس إدارة شركة “رعايتي” للتنمية الزراعية اعتبر أن منطقة الغاب تعاني من مجموعة قرارات سلبية تحدّ من قدراتها الزراعية، رغم أنها كانت من المناطق المهمة والحيوية، سواء في الإنتاج الزراعي النباتي أو الحيواني أو تربية الأسماك، لكن الواقع الحالي وللأسف مرير بكل معنى الكلمة، آملاً اتخاذ قرارات حقيقية تعيد إحياء هذه المنطقة.
وتساءل الدكتور العلي كيف لنا أن نناقش إجراءات التصنيع الغذائي في هذه المنطقة قبل إتمام دعم الزراعة، وتأمين متطلبات الفلاح على أكمل وجه للحصول على القدر الكافي من المادة الأولية التي سيتمّ تصنيعها كونها أساس هذه الصناعة.
وتحدث العلي عن تجربته الشخصية في هذا القطاع، حيث تقدم للوزارة بمشروع إنتاج متكامل زراعي حيواني لتصنيع اللحوم والألبان في منطقة شطحة في الغاب ولم تتم الموافقة عليه لسببين، الأول يعود لوجود حق انتفاع بالرعي على هذه الأراضي، والسبب الآخر يعود لتصنيف تلك المنطقة بأنها منطقة استقرار أولى ولا يمكن إقامة المصانع ضمنها، حيث إن الأراضي تصنّف حسب طبيعتها ومنسوب الأمطار فيها إلى سبع مناطق استقرار، والمصانع ممنوع إقامتها دون المستوى الخامس من تلك المناطق (أراضٍ صخرية) وهذا التناقض يعتبر كارثياً، ولا يمكن معه إقامة مشاريع الصناعة الزراعية لأنها تتطلب أن تكون جميعها كتلة واحدة، وهذا يعني أن يكون الإنتاج الزراعي (الأرض، المسمكة، المبقرة، النباتات العطرية..) والمعمل أو المعامل في كتلة واحدة، ولكن وكما نعلم يوجد لدينا نظام تصنيف صارم للأراضي يمنع تحقيق مثل هذا المطلب، وهذا التصنيف غير منطقي وغير متطور حسب تعبيره، فالعديد من التجارب العربية والأجنبية الرائدة في مجال التصنيع الغذائي اعتمدت مشاريع التصنيع في كتلة واحدة، ويفترض أن يكون التصنيف حسب جودة الإنتاج وحدها، وأن يكون هدفه الأول تخفيض التكاليف والوقت على المنشأة والحصول على منتج تنافسي، وبرأيه مهما كانت الصورة الأولية مبشّرة علينا عدم نسيان الواقع المرير لسهل الغاب، فخطة الشوندر رغم صغر رقعتها لم تنفذ إلا بنسبة أقل من 50% ولأسباب غير واضحة حتى تاريخه، متسائلاً: هل سيتمّ تجهيز سدود أفاميا وتنفيذ خزانات المياه لتأمين زراعة المحاصيل على مدار العام إضافة لتربية الأسماك، وما هو مصير الثروة السمكية بالغاب التي تعاني أيضاً كالقطاع النباتي؟، ويبقى الأمل بالتطبيق السليم لخطة وآفاق هذا المشروع، لأن الغاب سلة غذائية مهمة لما يتمتع به من الإنتاج النباتي والحيواني.
بشار محي الدين المحمد