أبرزها مشكلات في قطاعات الزراعة والصناعة والكهرباء .. ملفات خدمية ومعيشية ما زالت عالقة.. هل تتغير آلية التعاطي الحكومي معها خلال هذا العام؟
البعث الأسبوعية- غسان فطوم
في جردة حساب للعام الماضي فيما يتعلق بتعامل الحكومة مع قضايا المواطن الخدمية وحاجاته الاستهلاكية نجد أن المحصلة غير مرضية ولا تتناسب أبداً مع حجم سلة الوعود التي أُطلقت على مسامعه طوال العام الفائت، بل وقبله أيضاً، ولو أردنا توصيف العلاقة بين الطرفين بلغة الاقتصاد الدارجة بين المواطنين لا نجد أبلغ من مقولة “أعطونا باليمين وأخذوا بالشمال”، فكل طرق الدعم مجتمعة التي أقرتها الحكومة لم تستطع أن تستر حال المواطن المكشوف على ضربات غلاء الأسعار التي فاقت الراتب وابتلعته من الخمسة أيام الأولى بالشهر، وما يقلق أكثر أن الأمور مرجحة لتزداد صعوبة إذا لم تتغير سياسة أو آلية التعاطي الحكومي مع الأزمات بخروجها عن الأسلوب النمطي المعتاد المجتر منذ عقود!.
الدعم الموعود
ولعل أكثر الأمور المتداولة حالياً في الشارع السوري هو ما يتعلق بالدعم الحكومي والسيناريوهات المقترحة لتطبيقه هذا العام والذي لاقى الكثير من الانتقادات وأثار جدلاً لم يحسم بعد وخاصة خلال الشهر الأخير من العام المنصرم، تلك الانتقادات أكدت بمجملها أن المعايير المقترحة للدعم غير مقبولة وهي بنظر البيت السوري، والمختصين بالشأن الاقتصادي ظالمة لشريحة كبيرة من المواطنين، وإن تم إقرارها بالطريقة المعلن عنها فستولد الفساد بدلاً من قطع دابره!، وهنا يؤكد أساتذة وخبراء الاقتصاد العارفون بأمور الأسواق والاستهلاك أن الوضع الاقتصادي المأزوم الذي تعيشه البلد يفترض دراسة متأنية لكل قرار، وبرأيهم ليس مقبولاً أن تعتمد الحكومة في اتخاذ قراراتها المتعلقة بالدعم وغيره من القرارات في زمن الأزمات على التجريب، مؤكدين أنه في الخطط الإستراتيجية الاقتصادية هناك خطوات معروفة يجب مراعاتها، أقلها أن يسهم القرار بإيجاد الحلول الممكنة بعد تقييم الأثر الرجعي له وإجراء التعديلات والتغييرات الضرورية في حال كان عكس متطلبات الشريحة المستهدفة لنصل بالنتيجة إلى قرار سليم، موضحين أن ما يحدث عندنا أن متخذي القرار يركّزون في قراراتهم على النتائج القريبة، ولا يفكرون فيما سيحصل على المدى البعيد، لذلك أمر طبيعي أن تستمر الأزمات ذات التماس المباشر مع جيب المواطن الذي يتحمل الضرائب، في الوقت الذي يوجد فيه الكثير من التهرب الضريبي في مكان ما!.
وتساءل أستاذ جامعي: لماذا لا تجد الحكومة من يدافع عن قراراتها بخصوص الدعم إن كانت عادلة بحسب ما تدعيه؟، ولعل هذا التساؤل يشير إلى أن مشكلتنا تكمن بالقرارات الارتجالية التي يتخذها في أغلب الأحيان ناس غير عارفين بأمور الاقتصاد، وهنا نتساءل: لماذا يغيب المسح الاجتماعي قبل اتخاذ مثل هكذا قرارات حتى نعرف من يستحق الدعم وما لا يستحق؟، وبحسب كلام السيد رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس في مقابلة الأخيرة مع قناتي السورية والإخبارية “أنه بهدف إيصال الدعم إلى أصحابه الحقيقيين سيتم استبعاد الشرائح الميسورة والبالغ عدد بطاقاتها نحو 333 ألف بطاقة من أصل أربعة ملايين بطاقة ولن يتم المساس بشريحة الموظفين والعمال والفلاحين والمتقاعدين والعسكريين”.
حمل ثقيل!
وسط هذه الحال يطالب المواطنون “أصحاب المعالي” بالخروج من ترديد أسطوانة أن البلد يعاني من حصار جائر، مؤكدين أن الشعب الذي صبر “ع الحلوة والمرّة” يستأهل قرارات داعمة تشيل معه الحمل المعيشي الثقيل، بمعنى المواطن يحتاج لإكسير حياة يدخل لقلبه السعادة ولجيبه السيولة لعله يتخلص ولو قليلاً من الحزن والاكتئاب والتقشف الذي وصل عند البعض لاختصار وجبات الطعام ضغطاً للنفقات!..
دعم إعلامي!
ولم يسلم قرار الحكومة رقم (2007) الخاص بتشكيل لجنة “دعم إعلامي” مهمتها تهيئة الرأي العام قبل صدور قرارات تتعلق بالحياة المعيشية للمواطنين” من انتقادات الشارع، ووصفه البعض بأنه لا يقدّم ولا يؤخر طالما الحكومة عازمة على رفع الأسعار بداعي تأمين أو توجيه الدعم لمستحقيه، وبرأي البعض من الزملاء الإعلاميين أن القرار هام وضروري ولكن بشرط أن يكون الإعلام شريكاً في صنع القرار، انطلاقا من أن الإعلام بكل وسائله هو مرآة حقيقية للواقع يشير إلى سلبياته ويضيء على إيجابياته، وأن يكون الإعلامي أو الصحفي قادراً على الوصول إلى المعلومة الموثقة والرقم الصحيح بخصوص أي قضية يعالجها، واقترح البعض أن تكون اللجنة من خارج الجسم الحكومي لتكون أكثر قدرة على العمل، والحرية في تقديم الرأي، مشيرين إلى وجود فجوة بين الإعلام الوطني والمواطن فيما يخص معالجة أزماته وتأمين ما يريده وما يحتاجه، وبحسب البعض منهم ” لن يعوّل المواطن كثيراً على اللجنة المشكلة” إلا عندما تقترن الأقوال بالأفعال!.
الفلاح وليس التاجر!
دعونا نأخذ القطاعين الزراعي والصناعي مثالين لنقيس عليهما في المرحلة السابقة واللاحقة، فبالنسبة للقطاع الزراعي لم يعد رابحاً كما كان من قبل، سواء ما يتعلق بزراعة الحبوب من قمح وشعير وبقوليات أو زراعة الزيتون والحمضيات وباقي الأشجار المثمرة، وحتى زراعة الخضروات وغيرها من الزراعات، فعدم توفر مستلزمات الإنتاج والغلاء الكبير لأسعارها وخاصة الأسمدة وأجور الحراثة وحتى أجور اليد العاملة ونقل المحصول عبر المحافظات، إضافة لعدم التسويق بالسعر العادل، كلها عوامل جعلت مئات المزارعين “يكسرون الجرة” معلنين عدم العمل بالزراعة طالما يخسرون ولا يربحون، وهنا لم تستطع الجولات الميدانية التحفيزية لوزير الزراعة أن تغيّر بالأمر شيئاً، فالوعود بمساعدة الفلاحين بقيت عاجزة عن تحقيق الأماني، وكلنا شهدنا كيف انتهى موسم الحمضيات بخسائر كبيرة للمزارعين، فليس مقبولاً أن يباع كيلو البرتقال بأرض الفلاح بـ 500 ليرة، بينما كيلو الفجل بـ 1200 ليرة وربطة البقدونس بـ 300 ليرة!، فأي حافز هذا الذي سيجعل الفلاح متمسكاً بأرضه، وكم هو مؤلم أن تتراجع سورية إلى المرتبة السابعة عالمياً بإنتاج الزيتون بعدما كانت في المرتبة الرابعة، كل ذلك بسبب “غياب واضح للمتابعة من قبل الجهات المسؤولة عن هذا القطاع، واستمرار العمل بأنماط وطرق تقليدية تفتقر إلى الأسس التكنولوجية الصحيحة والصحية مما أدى إلى إنتاج زيت زيتون منخفض الجودة”، وذلك بحسب مكتب الزيتون في وزارة الزراعة.
شوندر مرّ!
وعن تعثر زراعة محصول الشوندر السكري لهذا الموسم –كمثال آخر- حدّث ولا حرج، فرغم ما تدعيه وزارة الزراعة من دعم للمزارعين لكن للأسف ظل سعر المنتج لا يغطي تكاليف الإنتاج حتى وإن تم رفع السعر، وهذا الأمر سبب إحجام الفلاح عن زراعته وتوجهه نحو زراعة محاصيل أخرى أكثر ربحاً، علماً أن سورية كانت تتمتع باكتفاء ذاتي من إنتاج هذا المحصول الاستراتيجي قبل 2011!، من هنا يحتاج قطاع الزراعة للتوظيف الأمثل للدعم، ومن المفروض أن يكون التعاطي الحكومي مع هذا الملف أكثر جدية بالعمل، لجهة مساعدة الفلاحين بتأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار مشجعة، ورفع سقف القروض من دون فوائد مكلفة، ولعله من المناسب هنا أن نستعيد ما قاله المشاركون في أعمال ملتقى تطوير القطاع الزراعي الذي أطلقته وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي العام الماضي، حيث كان هناك اعتراف بأن السياسات والخطط والبرامج الموجودة في الوزارة “لم تكن كافية لتقييم الفجوات والاختناقات التي يعاني منها القطاع” الأمر الذي يحتّم العمل بالتوسع في منهج المراجعة والتحليل لفهم المشكلات القادمة، وليس الحال بأفضل بما يتعلق بالثروة الحيوانية (أغنام وأبقار ودواجن)، فمثلاً، من يراقب أسعار الفروج والبيض كيف تتصاعد وتحلق يتأكد أن سياسة الدعم لم تكن فاعلة خلال العام الفائت، بل تحتاج إلى إعادة نظر وتدخل عاجل حتى لا يصبح الفروج والبيض حلماً على موائد السوريين!، فهل يتحرك أصحاب الشأن في وزارتي الزراعة والتجارة الداخلية بدعم مربي الدواجن بتأمين مستلزمات إنتاجها بأسعار مقبولة تبقي المنشآت على قيد الحياة؟.
ما زال يعاني!
وفيما يتعلق بالقطاع الصناعي لا يخفى على أحد ما عاناه وما زال يعانيه، فهو اليوم يواجه تحدّياتٍ داخليةً وخارجيةً متعدّدةً خلفتها الحرب، ولعل أخطرها كان هجرة اليد العاملة الخبيرة، ورؤوس الأموال بعد أن دمر الإرهاب المصانع والمعامل، وما زاد الطين بلة تذبذب سعر الصرف وانخفاض قيمة العملة، مما أفقد المواطن قدرته الشرائية، ولو نظرنا لسياسات وخطط الحكومة في التعاطي مع هذا القطاع خلال العام الفائت وما قبله نجد أنها لم تكن بالمستوى الذي يعزز استقراره ويحافظ على نموه، علماً أنه خلال العامين الماضيين عادت العديد من المنشآت للعمل، لكن للأسف بقيت معدلات الإنتاج ضعيفة بسبب أن الضمانات للصناعيين لم تكن بالقدر المحفّز على التصنيع، رغم الوعود التي أطلقت بهذا الشأن، بالمقابل نمت تجارة العقارات والسيارات والإلكترونيات وقطاع الخدمات، وأصبح حال التاجر أفضل بكثير من حال الصناعي الذي يعاني من جحود قوانين المستوردات الخاصة بمستلزمات الإنتاج، بحسب قول الصناعيين، مستغربين كيف لا يتم دعم هذا القطاع بالرغم من أنه العنصر الأهم في استقرار الاقتصاد، فهو إن انتعش يقلل بالدرجة الأولى فاتورة المستوردات التي تكلّف خزينة الدولة الكثير من العملة الصعبة التي يمكن توفيرها واستثمارها بمطارح أخرى.
أولى الأولويات
استناداً إلى ما سبق لا بد أن يكون لدى العقل الاقتصادي الحكومي خلال المرحلة الراهنة توجه حقيقي للتعامل مع الصعوبات التي تواجه عمل القطاع الصناعي بهدف تعزيز التنافسية من خلال الحضور داخلياً وكذلك خارجياً من أجل عودة التألق للصناعة السورية ذات السمعة الطيبة وخاصة الصناعات النسيجية التي تحتاج لجرعة إنعاش للوصول إلى مرحلة التعافي، وبحسب الكلام الأخير لوزارة الصناعة هناك خطط لترتيب “البيت الصناعي” في المرحلة القادمة، وذلك من خلال “الاعتماد على القطاع الإنتاجي الذي يشكل الأساس في إعادة بناء سورية، والتنسيق مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لجهة إعداد خطة متكاملة لتطوير التصنيع الزراعي، وكذلك التعاون مع اتحاد غرف الصناعة لتذليل العقبات التي تواجه عمل منشآت القطاع الخاص الصناعي، كما يتم العمل مع وزارتي الشؤون الاجتماعية والزراعة لتطوير ودعم الصناعات الريفية واستجرار منتجات هذه الصناعات إلى السوق” هي بلا شك توجهات صائبة إذا ما تم تنفيذها، لكن المشكلة المزمنة أن كلام المكاتب غالباً يصطدم بعقبات الروتين والبيروقراطية التي تفرمل كل خطوة إيجابية، نحتاجها اليوم، وللتذكير وبحسب وزارة الصناعة بلغ حجم أضرار القطاع الصناعي أكثر من 1069 مليار ليرة سورية للقطاعين العام والخاص، وهو بلا شك رقم كبير يحتاج للكثير من العمل والخطط الجادة حتى يتم تعويضه.
مختصر الكلام
بالمختصر، الهموم كبيرة والشجون كثيرة، ولكن يبقى الأمل موجوداً في تغير صورة المشهد، فبقاء الحال من المحال، وهذه حقيقة تؤكد أن التغيير هو الشيء الثابت في الحياة، وكلنا أمل أن يكون تغييراً إيجابيا حاملاً للخير مع انطلاقة هذا العام وخاصة لجهة السعي الجاد باعتماد خطط وبرامج تحقق الأمن الغذائي وتعزز شبكات الحماية الاجتماعية بجدار متين يقي المواطن المستهلك من لهيب الأسعار ويوفر دخلاً مناسباً يفي بمتطلبات المعيشة بحدود مقبولة، ووضع سياسات فاعلة للمعالجة وخاصة حالة الهبوط في الاقتصاد، ولعل ما أفصح عنه السيد رئيس مجلس الوزراء في مقابلته يدعو أكثر للتفاؤل في حسم الكثير من الملفات العالقة، خاصة لجهة وضع آليات تضمن إيصال الدعم إلى أصحابه الحقيقيين، والعمل على ضبط الأسعار في السوق وتشديد الرقابة، وتطبيق القانون رقم /8/ الذي صدر لمراقبة الأسواق ومكافحة جشع التجار، وما يتعلق بانفراجات في تأمين الطاقة الكهربائية خلال النصف الأول من هذا العام حسب قوله، ودعم الإنتاج الزراعي الذي يوفر الأمن الغذائي، مع دعم المشاريع الصناعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي.، ويبقى الأهم على ما أكده المهندس عرنوس بخصوص الاستمرار بمكافحة الفساد مستمرة وكل من امتدت يده إلى الاقتصاد السوري وسلب أموالاً ليست من حقه، ولكن دائماً وأبداً تبقى العبرة في التنفيذ على الأرض لنلمس الفرج الحقيقي الذي طال انتظاره على وقع وعود الحكومات المتعاقبة التي لم تفلح فيما سبق بتحقيق الأماني!.