ثقافةصحيفة البعث

“أضاميم من أدب الرافعي” مقتطفات بخيارات د. منيرة فاعور

“الشوق؟ ما الشوق إلا صاعقة تنشئها كهرباء الحب في سحاب الدم، يمور ويضطرب”، كثيرون أعجبوا بأسلوب مصطفى صادق الرّافعي المتماوج بين سحر البلاغة بقوة معانيها وتأثيرها وجمال الصور الأدبية المستمدة من الطبيعة، فنمت كتاباته عن قصائد نثرية فيها الوصف والغزل والتحليل والتفسير لذاك الخط الخفي الذي يخفق له القلب.

وقد لامست د. منيرة فاعور، نائب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية للشؤون الإدارية وشؤون الطلبة في جامعة دمشق، أوراق الرافعي في إضاءة على كتبه الثلاثة “حديث القمر، ورسائل الأحزان، وأوراق الورد” مختارة مقتطفات من أجمل رسائله، كونه اعتمد على فنّ الرسائل في تدوين أفكاره. كما اعتمدت على التوثيق في سرد السيرة الذاتية له باختزال، فأوردت بعض الأمور التي يجهلها كثيرون عنه، في كتاب “أضاميم من أدب الرّافعي” الصادر عن وزارة الثقافة –الهيئة العامة السورية للكتاب- ضمن سلسلة ثمرات العقول.

إصابته بالتيفوئيد

فعرّفته بالمقدمة بعالم بالأدب، شاعر، ومن كبار الكتّاب، ولد عام 1880 م في قرية بهتيم من محافظة القيلوبية في منزل جده الشيخ الطوخي، وهو سوري الأصل مصري المولد من طرابلس الشام، نشأ على العلم والدين، فحفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره، وبدأ نبوغه باللغة العربية. قرأ للأفغاني والشيخ محمد عبده والجاحظ وكتب التفسير والتاريخ والفلسفة، كانت بداياته بالشعر ثم تحوّل إلى النثر، فاشتُهرت مؤلفاته النقدية والنثرية، فنقد طه حسين والعقاد وعبد الله عفيفي.

وتطرقت د. فاعور إلى الحادث المأساوي الذي أثر على حياته بعد إصابته “بالتيفوئيد”، المرض الذي أثر على أعصابه وصوته ووقر في إحدى أذنيه، فانقطع عن الدراسة في المدارس، وهذا ما أبعده عن اللهجة المصرية إلى الفصحى، عمل كاتباً في بعض المحاكم الشرعية بطلخا وطنطا وبالتجارة أيضاً، توفي في العاشر من أيار عام 1937 م في طنطا.

القمر والوصف

ومن حياته إلى مقتطفات من أشهر كتبه، فبدأت د. فاعور من حديث القمر وهو أول كتب الرافعي النثرية صدر عام 1912، يضمّ مجموعة خواطر مرسلة في أشياء متباينة موجهة إلى القمر حول البلاغة وعلومها، والطبيعة والحبّ والفقر والغنى والإيمان وغيرها، فيقول: “يخيّل إليّ أيها القمر الجميل حين أكتب عمن أهواها أنك لفظ في ألفاظي تطلُع من المداد”. وتبدو قوة الوصف عند الرافعي الممتزجة بسحر التراكيب في أوراقه، فكتب في وصف الحاجبين: “فيه حاجبان كأنهما تمثيل للانحناء الخطي في الهندسة السماوية التي وُضع الجمال على قواعدها.. وتحتهما عينان تنظران –والله- بروح تكاد تنطلق ولايفهم عنها إلا وكأنها ناطقة”، ليصل إلى وصف الفم “فم أصغر من فم الحقيقة، كأن في شفتيه الرقيقتين الحمراوين روح الدم”.

الصديق الوهمي 

أما الكتاب الثاني “رسائل الأحزان” فقدمت د. فاعور ملخصاً عنه مبتدئة بتاريخ إصداره عام 1924، وهو مجموعة من الرسائل بلغت خمس عشرة رسالة موجهة من صديق قد يكون وهمياً إلى الرافعيّ، بدأها الرافعي بمقدمة دمج فيها بين الحب الذي أطلق عليه العالم المسحور وبين الحياة “وقد يكون اتصال رجل واحد بامرأة واحدة كافياً أحياناً لتكوين عالم كامل يسبح في فلك وحده”، وبعد المقدمة جاءت مقالته المؤلفة من أفكار فلسفية عاطفية بعنوان (الذكرى) ومنها “السعادة قد تكون لحظات من هذا العمر الذي لا يعدّ بالسنين ولكن بالعواطف”، ثم بقصيدة عنوانها (بعدما كنت وكنّا) وبعدها تتتالى رسائله المحمّلة بالحب والشوق والجمال والأحزان.

الابتسامة 

وثمّة تقاطعات بين كتب الرافعي ورسائله تسري ضمن المنحى العام لأدبه في تفسير الحبّ وقوة الارتباط بين الرجل والمرأة إذا أحكم الحب قبضته عليهما، فحديثه عن الجمال والدلال والجاذبية التي أطلق عليها القوة السماوية إلى الابتسامة، التي أفرد لها رسالة خاصة في كتابه أوراق الورد “ربّ ابتسامة على شفتي حبيبة هي خطاب لكل حواس محبّها”.

الحبيبة والوردة 

وكما كتبت د. منيرة فاعور فهو أحبّ كتب الرافعي إلى نفسه، صدر عام 1931، يخاطب فيه الحبيبة ويتخذ شكل الرسالة قالباً فنياً يعالج فيه قضايا العلاقة بين الرجل والمرأة، وهو مجموعة من الخواطر المنثورة في فلسفة الجمال والحب، وصف فيها حال المحبين، فاستحضرت د. فاعور ما كتبه الرافعي عن هذا الكتاب، وسبب تسميته الذي يعود إلى ملهمته التي كانت تحمل وردة تلاعبها تارة، وتشمها تارة أخرى. وتعود إلى تحليل الكتاب، إذ بلغت فصوله واحداً وخمسين فصلاً بين النثر والشعر، بدأ بمقدمة بليغة في الأدب تحدث فيها عن تاريخ رسائل الحب العربية بأسلوبه وسعة اطلاعه، فكتب بالمقدمة “عمر الورد فصل من السنة، أما الشوك فعمره ما بقيت الشجرة وما بقي حطبها، ولذلك ينسى الحبيب ويذهب الحب، ويبقى بعدهما القلب العاشق”.

ومن عناوين الفصول الملفتة زجاجة العطر “يا زجاجة العطر، اذهبي إليها، وتعطري بمسّ يديها، وكوني رسالة قلبي لديها”.

موسيقا سردية 

وتتتالى الرسائل بعضها موجعة كما في رسالة للتمزيق التي وصف فيها أوجاع القلب الملتاع بعد الهجر وأنين الحنين بموسيقا سردية تسبح على أمواج الوصف “أيتها الريح التي لايستطيع أن يرد هبوبها أحد، ولا أن يلويها عن وجهها، إن هذا كله ريش طائر من طيور الحب ذبحه الهجر”. ولم تأتِ كل الفصول على شكل رسائل فبعضها اتخذ الطابع المعرفي والتفسيري مثل “في معاني التنهيدات” و”أنت كسبيكة الذهب ليس فيها موضع أحسن من موضع” وفي شجرات الشتاء، ونظرة حب إلى الكون والنجوى وفلسفة المرض.

السفينة 

خلاصة كتب الرافعي تتجه إلى حركة السفينة التي تتوافق مع حركة المجدافين فإن اختلفت هذه الحركة اضطربت وانقلبت، وهل الرجل والمرأة إلا مجدافان في زورق البيت (العائلة) الذي يعبُر بهما نهر الحياة.

ملده شويكاني