ماذا تخبرنا عيناك؟
غالية خوجة
العين نافذة الروح المطلّة على عالمين، أولهما دواخلنا وذواتنا، وثانيهما العالم، وهي جهاز عضوي معقد مديرهُ الدماغ، لأن الدماغ هو الذي يرى.
وقيل الكثير من الشعر في العين، وبحث العلم كثيراً لاكتشاف هذه العين وأبجدياتها ورموزها، وبمحاكاتها استطعنا الحصول على آلة التصوير. ودرسها علم النفس ليكتشف ماذا تخبرنا من ملامحها التعبيرية والخلْقية، ومنها حجم العين الكلي، ولون قزحيتها، وحجم بؤبؤها، وحركتها، وشكلها.
قيل: كلما اتسع البؤبؤ كنت من الأكثر ذكاء وعبقرية، وكلما ضاقت فتحة العين فأنت من هؤلاء الذين يتمتّعون بشدة الانتباه ومن الممكن أن تكون فناناً بارعاً، وحارساً دقيقاً، وكلما جحظت عيناك خفّتْ شدة انتباهك وتعمقت نظرتك إلى التفاصيل، وكلما اقتربت عينك من الدائرية والاتساع تملكت صفات شخصية أخرى.
أمّا حركة العين، فدرسها الباحثون ليستنتجوا كيف نرفع عيوننا للأعلى لنتذكر، وكيف نحركها بسرعة ونحن نكذب، بينما تثبت في حالة الصدق مع حركة عادية، وتدمع مع الحزن فتبدو أكثر انطوائية وتصبح حركتها إلى العمق والأسفل.
ويبرز لون العين على المنصة أيضاً لأنه يلعب دوراً مناسباً في تكوين الشخصية، فالقزحية الخضراء تعكس الصدق والطيبة والكبرياء والتسامح والعطاء، وكذلك القزحية الزرقاء مع شيء من الغرور والأنانية، أمّا العسلية المتلونة، فتدلّ على شخصية مرنة تتأقلم مع كافة الظروف، وتعكس القزحية البنية وتدرجاتها شخصية تتمتّع بالحنان والحزم والتفهم، بينما تجذب القزحية السوداء النادرة العالم بحضورها الفاعل المتوازن.
ولربما تطابقت مع عينك كل ما تمّ تحليله من أشكال وملامح وأحجام خاصة بالعين، وأنا أرى هذه المعادلة أقرب إلينا، لماذا؟.
لأنه ولا تحليل يتصف بالمطلقية والجمود، ولا مقياس مادياً دقيقاً لقراءتنا من خلالنا، ولاسيما أبعادنا المعنوية، وهذه التحاليل عبارة عن مفاتيح قرائية استكشافية عامة، وليست مسطرة أو ميزاناً، ولأن العين نافذة العقل والنفس أيضاً، ولأن الدماغ هو الذي يرى، فلا بد من فروقات شخصية بيننا، ولا بد من فروقات في الشخصية ذاتها تحدّدها عدة عوامل في لحظة معينة، منها كيفية التفكير والتعبير، والحدث بزمانه ومكانه، والشخص أو الأشخاص المتواجدون في تلك اللحظة، ومزاجك الخاص، ومزاج المتواجدين، والطقس، والبيئة، ونسبة الثقافة المتبادلة والمزاج المتبادل وطبيعة النظرة الجوانية للذات والبرانية للآخر.
فماذا تخبرك عيناك قبل أن تخبرنا؟..
تتعدّد الإجابات، فمنكم من سيقول: “كن جميلاً ترى الوجود جميلاً”، وكن طيباً ترى الحياة طيبة، وكن متفائلاً ترى الناس إيجابية.
لكن، كيف؟ ولماذا؟..
ببساطة، بإمكاننا اختصار هذه العملية الروحية الحيوية ومعادلاتها بتبادل الطاقات والخبرات من خلال التقاء النظرات وانسجامها، باعتبار النظرة مرآة للتفكير، تعكس بمصداقية وعفوية ما يجول في دواخلنا، وتشكّل هالات ملونة غير منظورة حول كل إنسان منا، وهي أشبه ما تكون بأطياف الطاقة الذاتية اللا مرئية التي تكون أقوى في حالات الشفافية المتصلة بالنور الكوني سواء من خلال الصلاة، أو الصفاء، أو التأمل، أو قراءة العالم بأبعاده الكونية، وغيرها من الحالات التي تجعل عين الوهج والتوهج تسيل لتغمرنا بنقاء فطري لا تلوثه الطاقات المظلمة الشائبة، فنتجدّد مع هذه العين الينبوعية وألوانها المتأرجحة بين تدرجات الأخضر والأبيض والأزرق والبنفسجي والأحمر، وعندما تفيض حدّ الطوْفان نكون قد عبرنا إلى عين البصيرة والحاسة السادسة أو السابعة أو التاسعة عشرة، لنصبح وعين الحدس في مقام أعلى يتخلى عن الماديات ليدخل في عوالم عين أخرى تموج في أعماقنا تشبه عين التجلي.
وتلك العين الكونية الصافية مطلقاً وصلها الثلة ومنهم الأنبياء والأولياء والشهداء، ولذلك قال تعالى لنبي الناس كافة: “ما كذب الفؤاد ما رأى”.