مجلة البعث الأسبوعية

التغيرات المناخية..انعكاسات سلبية على الأنظمة البيئية.. وتقليص الإنتاجية الزراعية بما يهدد الأمن الغذائي

دمشق – بشير فرزان

تعد التغيرات المناخية وانعكاساتها على الواقع البيئي من القضايا البيئية المهمة إن لم نقل من أهمها والتي شغلت وما زالت تشغل تفكير المهتمين بالشؤون البيئية في جميع أنحاء العالم , و ذلك لما لهذه القضية من انعكاسات سلبية على الأنظمة البيئية العالمية , و ما يتهدد هذه الأنظمة من أخطار نتيجة الأنشطة البشرية التي تسببت في انبعاث  غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي ,الأمر الذي أدى إلى ارتفاع في معدل درجات الحرارة في العالم .

تساؤلات عديدة حول هذه التغيرات كانت محور حديثنا مع  مدير السلامة البيئية في وزارة الإدارة المحلية والبيئة المهندسة رويدة النهار و مدير سلامة الغلاف الجوي م. ابراهيم العلان حيث أكدا على أن المؤتمرات الخاصة بتغير المناخ توالت إلى أن عقد مؤتمر قمة الأرض عام 1992 في ريوديجانيرو في البرازيل , و فيه تم التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ  ودخلت حيز التنفيذ في 1994 بعد أن صادق عليها 55 دولة. وتهدف هذه الاتفاقية إلى الوصول إلى تثبيت تراكيز الغازات المتسببة لظاهرة الاحتباس الحراري عند مستوى يحول دون تدخل خطير من جانب الإنسان في النظام المناخي. وينبغي بلوغ هذا المستوى في إطار فترة زمنية كافية تتيح للنظم البيئية أن تتكيف بصورة طبيعية مع تغير المناخ، وتضمن عدم تعرض إنتاج الأغذية للخطر ، وتسمح بالمضي قدما في التنمية الاقتصادية المستدامة .

وأشارا إلى أنه تم في مؤتمر الأطراف الذي عقد في 1997 التوقيع على بروتوكول كيوتو والذي يعتبر إطارا قانونيا ملزما لتقليل انبعاثات غازات الدفيئة ضمن أهداف ونسب رقمية محددة بحلول العام 2012 الذي يقضي بأن تعمل الدول المشاركة و خاصة الصناعية منها على تخفيض كمية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ما بين عامي (2008-2012) بنسبة 5% أقل مما كانت عليه عام 1990. . وطور بروتوكول كيوتو أيضا بعض الآليات الجديدة لتعبئة الموارد المالية وتشجيع الدول النامية على تخفيض انبعاثاتها من خلال إحدى آلياته وهي آلية التنمية النظيفة و التحول إلى أنظمة طاقة متجددة ومستدامة. ويضع البروتوكول التزامات متباينة على الدول الصناعية لتخفيض انبعاثاتها بحلول العام 2012 بنسب محددة (مقارنة بالانبعاثات عام 1990والتي استخدمت كنقطة مرجعية)، كما تم التوصل إلى اتفاق باريس في عام 2015والذي وضع هدفا له عدم السماح لدرجة حرارة الأرض أن تزيد عن درجتين مئويتين عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية وهذا يسمح للنظم البيولوجية بالتكيف مع التغير المناخي  وهو يعتبر آلية جديدة لمواجهة التغيرات المناخية بعد انتهاء فترة الالتزام الأولى لبروتوكول كيوتو  مع التأكيد على تأثير التغيرات المناخية على الصحة من خلال   انتشار الملاريا والأمراض الناجمة عن نقص المياه وارتفاع معدلات الوفيات لدى الأطفال والشيوخ بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

آثار التغيرات المناخية

ولفتا إلى أن التغيرات المناخية أدت إلى انخفاض كمية الأمطار حيث   تشير التوقعات إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل ثلاث درجات مئوية سيترافق بانخفاض في كميات الأمطار بمعدل نحو 10% وخاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة ، كما سينخفض مخزون المياه السطحية والجوفية ليس بسبب انخفاض كميات الأمطار فقط وإنما بسبب زيادة التبخر ، وستؤدي هذه الزيادة إلى انخفاض في كمية مياه الجريان السطحي وفي مخزون المياه اللازمة للزراعة والصناعة ومياه الشرب ، وستسوء نوعية المياه بسبب زيادة ملوحتها مما يتطلب إدراج التغيرات المناخية في السياسات المائية.

وبيّنا تأثير التغيرات المناخية على المناطق الساحلية فالدراسات تشير إلى أن مستوى سطح البحار والمحيطات سيرتفع بمعدلات قد تصل إلى 60 سم في نهاية القرن الحادي والعشرين ،و يعتقد أن مستوى سطح البحار والمحيطات قد ارتفع خلال القرن العشرين بمعدل يفوق الـ 10 سم ، وسيحدث ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات تأثيرا” بالغا” ، وسيسبب هجرات جماعية ومشاكل حادة للمدن الساحلية والمناطق الجزرية و فقدان أراضي زراعية خصبة مأهولة بالسكان. وتملح الخزانات الجوفية الساحلية نتيجة لزيادة تداخل مياه البحر معها .

 

تقليص الإنتاجية الزراعية

وحول  التأثير على الزراعة والثروة الحيوانية أوضحا أن الحد من توفر المياه بسبب التغيرات المناخية سوف يؤدي إلى تقليص الإنتاجية الزراعية الحالية، وبالتالي يهدد الأمن الغذائي في سورية وعليه لا بد من تبديل أنواع المحاصيل وإدخال التقانات التي تسمح باستعمال المياه للري بفاعلية أكبر.

وهناك أيضا تأثيرات سلبية على الزراعة نتيجة تغير معدلات وأوقات موجات الحرارة فزيادة الحرارة تزيد من معدلات تآكل التربة وتقلل من إمكانية زراعة المناطق الهامشية.

لفتا إلى زيادة الجفاف في المناطق الجافة وشبه الجافة ويتوقع أن الآثار الأكثر خطورة الناجمة عن زيادة درجة حرارة الأرض ستكون في المناطق الجافة وشبه الجافة في كلا نصفي الكرة الأرضية ، حيث سيزداد التذبذب في الهطولات وستزداد فترة انقطاع الأمطار ، مما يحدث تدهورا” متسارعا” في الغطاء النباتي وزيادة معدل التصحر .

تغيير الأنظمة البيئية

ومن التاثيرات أيضاً برأي النهار والعلان التأثير في التنوع الحيوي حيث سيؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلى تغيرات عميقة في الأنظمة البيئية مما سينعكس على الكائنات الحية التي تعيش فيها ، إذ يعتقد أن أنماطا” مختلفة من الغابات ستنقرض ، كما سنفقد أنواعا” مختلفة من النباتات و الحيوانات ، إذ تشير الدراسات إلى أن الكائنات الحية يمكن أن تتكيف إلى تغير قدره 0.1 درجة مئوية خلال العقد الواحد ، ولكن الارتفاع المتوقع في درجة الحرارة سيفوق ذلك بثلاث إلى أربع مرات ، وهذا ما لا يمكن للكائنات الحية التكيف معه .

برتوكول كيوتو
وحول التغيرات المناخية على المستوى الوطني اشارا إلى انضمام سورية إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغيرات المناخية بتاريخ 3/4/1996 بموجب المرسوم التشريعي رقم (363) تاريخ 10/12/1995  .ومن ثم صادقت على بروتوكول كيوتو المنبثق عنها بموجب المرسوم التشريعي رقم /73 / تاريخ 4/ 9 / 2005 ، وذلك إيماناً منها بأهمية العمل مع المجتمع الدولي للحد من ظاهرة التغيرات المناخية بمنعكساتها و آثارها على جميع مناحي الحياة على الأرض وكذلك للإفادة من آليات التمويل التي يتيحها البروتوكول للمساعدة في التخفيف ومعالجة هذه الآثار و المنعكسات .

أما بالنسبة للسياسات والإجراءات لمواجهة تحديات تغير المناخ على المستوى الوطني فقد أشارا إلى المشاركة في مؤتمرات الأطراف الخاصة بالتغيرات المناخية والمفاوضات التي تمت في مجموعات العمل من أجل التوصل إلى اتفاق بين الدول الأطراف في مواضيع التكيف والتخفيف ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات و تنسيق المواقف مع الدول النامية بما يحقق التوافق في مصالحها الوطنية والتزاماتها اتجاه الاتفاقية وإعداد البلاغ الوطني الأول للتغيرات المناخية متضمناً حصر انبعاثات غازات الدفيئة وسبل الحد منها و التكيف مع الظواهر السلبية للتغير المناخي و الإجراءات اللازمة لمواجهة تلك الظاهرة وإعداد الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية وقد تم اعتمادها من قبل هيئة التخطيط والتعاون الدولي لإدخالها في الخطط المستفبلية  والبدء بتنفيذ البلاغ الوطني الثاني للتغيرات المناخية حيث تم إعداد وثيقة المشروع لهذا البلاغ  وتأهيل وتدريب الكوادر البشرية والقدرات الوطنية في مجال التغيرات المناخية بهدف دعم الكفاءات لتصبح قادرة على الوفاء بالالتزامات الناتجة عن توقيع سوريا على الاتفاقيات المتعلقة بهذا الموضوع من خلال عقد مجموعة من ورشات العمل ورفع الوعي للتعريف بقضية التغيرات المناخية للقطاعات المختلفة ( الأهلية والحكومية ) وتدريب المختصين في قطاعات الدولة المختلفة ( توليد الطاقة ، الصناعة ، النقل ، الزراعة ، الصحة ، معالجة النفايات ) مع التركيز على ما يخص كل قطاع وعلاقته بقضية التغيرات المناخية وتحسين كفاءة استخدام الطاقة وخاصة في قطاعات إنتاج الطاقة الكهربائية والصناعة  والسكن والتشجيع على استخدام الطاقات المتجددة  .

الاتفاقية الإطارية

وفيما يخص  المشاركة في مؤتمر الأطراف للاتفاقية الإطارية الدولية  بشان تغير المناخ السادس والعشرين الذي عقد في مدينة  غلاسكو – سكوتلندا –المملكة المتحدة من 31-تشرين الأول-13 تشرين الثاني لعام  2021  أكدا على   مشاركة سورية التي أنضمت في هذا المؤتمر إلى إعلان الزعماء في غلاسكو بشان الغابات واستغلال الأراضي حيت بلغ عدد الدول المنظمة إلى الإعلان أكثر من 120 دولة وأشارا إلى انه خلال المؤتمر تم الحديث عن الإجراءات المتخذة في سورية للتقليل من آثار التغير المناخي وتطوير إجراءات الوصول إلى أهداف التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة .حيث تم التركيز  على انه على الرغم من الظروف القاسية التي عانى منها البلد نتيجة الحرب التي فرضت عليها في السنوات العشر الماضية وآثارها السلبية على البيئة بجميع مكوناتها، مما أدى إلى إعاقة العملية التنموية وتراجع القدرة على معالجة المشاكل البيئية، لاسيما في ظل الإجراءات أحادية الجانب من قبل بعض الدول، وتوقف تنفيذ الكثير من المشاريع الدولية الهادفة إلى حماية البيئة والتنمية المستدامة في الجمهورية العربية السورية.

ولفتا إلى انه على الرغم من أن انبعاثات سورية قليلة جداً مقارنة بانبعاثات دول العالم الأخرى، وإضافة الى الظروف الصعبة التي تمر بها سورية، فقد وضعت عدد من المشاريع والاستراتيجيات التي تصب في مجال التخفيف والتكيف مع آثار التغير المناخي، حيث تنتهج سياسة الحكومة التحول نحو الطاقات البديلة والنظيفة، وزيادة المناطق الحراجية وخاصة أن الغابات تعرضت لتدهور كبير في فترة الأزمة، كما تبذل الحكومة جهود كبيرة في مجال وضع آليات لإعادة تأهيل المناطق السكنية المتضررة في مرحلة إعادة الإعمار تراعي فيها العوامل البيئية

وأشارا إلى أن سورية قدمت بلاغها الوطني الأول حول التغيرات المناخية في عام 2010 م، ولم تتمكن من إعداد البلاغ الوطني الثاني بسبب توقف الدعم والتمويل اللازم حتى الآن لهذا البلاغ. من قبل الجهات المانحة والمنظمات الدولية ذات العلاقة بسبب الإجراءات الاقتصادية الأحادية الجانب الجائرة المفروضة علينا من قبل الدول الداعمة للإرهاب.

وثيقة المساهمات المحددة

وبينت النهار أنه ولاحقاً لانضمام سورية إلى اتفاق باريس بالقانون رقم /31/ تاريخ26/10/2017، قامت وزارة الإدارة المحلية والبيئة بجهود وطنية وبمشاركة جميع مؤسسات الدولة والإدارات المحلية المعنية بإعداد “وثيقةا لمساهمات المحددة وطنياً”، والتي تم من خلالها تحديد الأنشطة والخطط الوطنية للتكيف مع آثار تغير المناخ وتقليل الانبعاثات على المدى القريبو تم انجاز مشروع الاستعداد والجاهزية للوصول إلى موارد الصندوق الأخضر ونقوم الآن بإعداد حزمة من المشاريع ليتم تقديمها لإدارة الصندوق. وأشارت إلى أنه بخصوص التكيف تم العمل على مشروع للتكيف في الغوطة الشرقية لدعم ومساعدة المجتمع المحلي على التكيف مع التغير المناخي وستتم المباشرة فيه في القريب العاجل.