ديانا جبور: الدراما السورية في غرفة العناية الفائقة، وهناك تشدد رقابي مفاجئ!
البعث الأسبوعية- تمّام بركات
الحوار معها يفضي دائماً وغالباً لأفكار جديدة، مختلفة، ذاك أنها في حركة دائمة من العمل الفني، إن كان في اشتغالها ككاتبة على عمل درامي جديد تلفزيوني-سينمائي، أو كمسؤولة في شركة إنتاج درامي، وأيضاً كناقدة فنية لها رؤيتها الخاصة للحالة الفنية السائدة، هذا عدا عن اشتغالها أيضاً في واحدة من جمعيات المجتمع المدني، الكاتبة والناقدة ديانا جبور وسط كل هذه المشاغل، التقتها البعث الأسبوعية وكان هذا الحوار.
الأفكار النبيلة، يجب أن تمر في القلب أولاً
*أنت مقلة عموماً في الحضور على الساحة الفنية ككاتبة، فهل هذا خيار أم أن ثمة سبب آخر؟
أنا بطيئة بالكتابة بشكل عام، لا أستطيع أن انتقل من كتابة مشهد حزين مثلاً، لآخر فرح بشكل أتوماتيكي، أحتاج لمسافة بيني وبين ما اكتبه، حتى أتمكن من الدخول في الحالة الخاصة المرافقة لما اكتب، وهذا الأمر ليس احترافياً بالتأكيد، ويؤدي إلى انخفاض منسوب العمل، ولكن هذه طريقتي في الكتابة.
*شاهد الجمهور منذ مدة قريبة مسلسل “خريف العشاق“ من تأليفك، ونال سمعة طيبة سواء بين النقاد أو الجمهور، ما سبب هذا النجاح لعمل يحكي قصة تجري أحداثها منذ قرابة نصف قرن، خصوصاً وأنه –أي الجمهور_ يحيا على إيقاعات نارية إذا صح التوصيف وعلى مختلف الصعد، أي أنه من الطبيعي أن يشاهد ما يهمه.
أولاً لا أعتقد أن ما نمر به اليوم وخلال سنوات الحرب الماضية، هو معزول عما عشناه قبل 30 أو 40 سنة، الحياة هي تيار، وعندما أقوم بتسليط الضوء على مقاطع من هذا التيار، فأنا بشكل أو بأخر، أقوم بتقديم ما يمكن من خلاله القياس على التيار المتدفق؛ بالتأكيد هناك من ذهب لتقديم رؤيته لما يجري، وتم تقديم العديد من الأعمال الدرامية التي تناولت الراهن، لكن ليس الجميع مطلوب منه هذا.
*كيف تقيمين الأعمال التي ذهبت لتنهل من الواقع فرجتها التلفزيونية؟
أقيمها بإيجابية، وأقدر جداً كل كاتب قام بحرق حواسه وأصابعه، بأن يأخذ جمرة متقدة من النار التي نحيا بها؛ جرأة كبيرة من كل كاتب ذهب ليقارب موضوع الحرب وانعكاساتها الاجتماعية، الإنسانية، الثقافية، البعض قدم شيئاً مشوقاً يعمل على إنارة الوعي، البعض أخذ الجانب التجاري، تقديم “أكشن” إطاره الحرب؛ عصابات، تجارة أعضاء، مخدرات، جنس، وغيرها، وهذه المفردات يمكن نقلها ووضعها تحت عنوان عريض آخر وهكذا، وحتى هذا أنا لست ضده، بالنهاية التنوع جزء أساسي من غنى المشهد الدرامي، وبالتالي من غنى الحياة الثقافية، فأنت لا تستطيع أن تقدم السمين إن لم يلفظ المشاهد الغث!
*الخط الرومانسي الحامل للعمل، جاء وكأنه تلطيف للمناخات القاسية التي قدمها المسلسل، خصوصاً وأنه يتناول حقبة زمنية دامية من التاريخ السوري الحديث، ألم يؤثر هذا الخيار برأيك على مصداقية العمل؟
العمل ليس عن أحداث تاريخية أساساً، بل عن شخصيات درامية، لكن مصائر هذه الشخصيات انعطفت بسبب الأحداث التي عصفت بالمنطقة، بالمناسبة، هناك أحداث كثيرة عصفت بمنطقتنا، لكن العمل لم يتعرض لها، فتلك الأحداث لم يكن لها تأثيرها على مصائر الشخصيات، وبما أن المسلسل عن “شخصيات” فمن الطبيعي أن يتضمن على خط رومانسي، فكري، نضالي، وغيرها، وأن يكون الحامل لكل تلك المواضيع هو رومانسي، فهذا اعتبره امتيازاً وليس مثلبة بحق العمل، فالأفكار النبيلة إن لم تعبر لعقلي عبر قلبي، فإنها ستكون مثل “الضرب عَ الراس” كما يقال، إن لم يكن هناك بوابة عاطفية للمقولة الفكرية، فأنا اعتقد أننا صرنا في درس “قومية”!
*عمليات تصوير فيلم “الحكيم“ في خواتيمها ربما، وهو من تأليفك وإخراج المخرج باسل الخطيب، كما أعلنت المؤسسة العامة للسينما عن فيلم “نفق الجلاء” وهو من تأليفك وإخراج “مجيد الخطيب” ما سبب التوجه نحو السينما، وأيهما الفن الأنسب اليوم لقول ما يريد الكاتب قوله؟
كل من الفنين هام في نقل مقولة الكاتب للجمهور، والحديث عن كون التلفزيون أقل أهمية من السينما، يعود ل قرابة الـ 40 عاماً للوراء! عندما كان التصوير التلفزيوني داخل الاستديو، اليوم حتى التقنيات والفضاءات “اللوكشينات” واحدة، حتى قنوات العرض صارت واحدة، فاليوم أهم قنوات العرض السينمائي والتلفزيوني هي “المنصات” وهي تعرض الفيلم، وتعرض أيضاً المسلسل، بالتأكيد الاختلاف يكمن هنا في بنية الحكاية، فبنية حكاية الفيلم، مختلفة عن بنية حكاية المسلسل، بنية الفيلم مثلاً أكثر تركيزاً، لكنها أقل تشعباً.
*ولكن النقاد يعتبرون أن الفيلم أصلح كفن لجهة زمن العرض أقله، من التلفزيون كوثيقة فنية، ما رأيك؟
لست مع هذا الرأي، بالنهاية هناك ما يسمى بالرواية التلفزيونية، والرواية السينمائية، والروايتان تحتملان التكثيف والبلاغة، كما تحتملان الثرثرة والإطالة واللغو، المهم الإخلاص لبنية النوع.
*ما هو جديدك ككاتبة؟
اشتغل على مسلسل قصير، وما زلت في مرحلة الكتابة.
الدراما السورية في غرفة الإنعاش
*كناقدة، كيف تقيمين وضع الدراما التلفزيونية المحلية اليوم؟
الدراما المحلية لم تزل تتنفس، لكن إن لم نحسن إنقاذها، وإن لم نحسن توصيل الأوكسيجين لهذا “المريض” الموجود في غرفة الإنعاش، فهي في خطر، ومصيرها غالباً عكس ما نتمناه ونشتغل عليه؛ عموماً لهذا التدهور الخطير أسباب عديدة، منها أننا خسرنا “لوكشينات” كثيرة في سورية، بسبب الحرب، أيضاً ظهر تشدد رقابي مفاجئ حقيقة، لا يتناسب مع بلد خرج من حرب منتصراً! أنا افهم أن يكون هناك تشدد أثناء الحرب، في قلب المعركة، أما بعد النصر! هذا غريب، أيضاً الحصار الاقتصادي المضروب علينا، وبالتالي عدم توفر الكثير من التقنيات اللازمة، والمعاناة الكبيرة في تأمينها، هذه الأسباب وغيرها طبعاً تهدد الدراما السورية.
*بما يخص الشأن الرقابي الذي ذكرته، ما أسبابه؟
اعتقد بأن المشتغلين في الرقابة، غير أمينين على المهمة التي يقومون بها، يعني هل من المعقول أن أكون أميناً على تشكيل وعي أجيال قادمة، وتكون عقليتي “ماضوية!”، أيضاً العمل بعقيلة الموظف، بمعنى كل ما يهم هو الحفاظ على الراتب أخر الشهر، دون أن أوجع رأسي بالدفاع عن عمل إشكالي مثلاً! بالنهاية المجتمعات لا تحيا بالأعمال الفنية الرتيبة، الخالية من الاستفزاز أو الجرأة على التابوهات عموماً، أنا اعتقد أن ثمة مشكلة حقيقية عند القائمين على مستقبل الدراما المحلية، وللأسف هم لا يقومون بمهمتهم في إنقاذ المريض من حالة الموت السريري!
*تديرين حالياً واحدة من أهم شركات الإنتاج التلفزيوني في البلد، ما هي رؤيتك للنهوض بالدراما؟
هناك خطوط عامة ورئيسة لدينا، منها ألا نُحدث قطيعة مع الجمهور، لكن أيضا ألا نرتهن لموجات “الترند”، ففي الوقت الذي تًصنع فيه العديد من أعمال الجرائم والعصابات والخطف، نحن نصنع عملاً عن الحب، يمكنني القول إننا هنا نراهن في أعمالنا على الجوهر النبيل للسوريين، هذا ليس تغريداً خارج السرب، بل نعمل على أن يكون سربنا متميزاً، حتى لا تكون كل الأعمال الدرامية تشبه بعضها، وتصبح المفاضلة عند الجمهور على العمل الأكثر مبالغة بما يقدم!
*ما هي أعمال إيمار الشام حالياً؟
حاليا نشتغل على مسلسل اجتماعي معاصر، بعنوان غير ثابت “عشرة عمر” من تأليف “فادي قوشقجي” وإخراج “باسم السلكا”، وهنا لا بد من القول إننا نسعى لإقامة شراكة طويلة الأمد مع الذين حققنا معهم نجاحاً، وهذا ينسحب أيضاً على الفنيين والممثلين الذين نعمل معهم، مع سعينا أيضاً لضم الأوجه الشابة صاحبة الحضور الجيد.
*ولكن ألا تخشين من اتهامكم ب: “الشللية“؟
بالنهاية شركاء النجاح يجب أن نُكمل معهم، أيضاً نحن هنا لا نكتفي بنفس الأسماء، العديد من الأسماء في عملنا القادم، تعمل لأول مرة، لكن من الطبيعي أن يكون العمل متجدداً مع شركاء النجاح، أيضاً هذا الشأن طبيعي في الوسط الفني، فثمة كيمياء يجب تنشأ بين الأشخاص في العمل وتكون محفزة، دعنا لا ننسى أن هؤلاء الفنانين والفنيين، يرون بعضهم البعض أثناء العمل لأكثر من 14 ساعة يومياً، ويجب أن يكون بينهم الحد الأدنى على الأقل من الانسجام؛ بالنهاية نحن نعمل مع الأسماء التي حققت نجاحاً لدينا، وأيضاً ننفتح على التجارب والأسماء الجديدة.
*اليوم هناك جدل في الساحة الفنية حول العديد من أسماء الممثلين الذين غادروا البلاد وكانت لهم مواقفهم السياسية الحادة، كيف تأثرت الدراما بهذا؟ وهل أنت مع عودة هؤلاء الفنانين للعمل في البلاد؟
دعني أقول إن التنوع هو غنى، لذا فعندما نفقد بعضاً من مكونات هذا التنوع، فثمة حالة عرج ما ستقع، بالنهاية كلنا أبناء بلد واحدة، ومن الطبيعي أن نساهم جميعاً في النهضة الفنية المأمولة، وإلا فإن العرج سيبقى.
لم أبقَ لأنني لا أستطيع المغادرة!
*لن يفوتني أن اسألك كإعلامية وصحفية قديرة، عن رأيك بواقع الصحافة المحلية اليوم؟
هل قلت صحافة؟! اعتقد أن استنكاف الأقلام الجدية عن الكتابة، وعدم توفر المنابر الجدية لأقلام ترغب بالكتابة، كان سبباً رئيسياً لأن تطفو العملة الرديئة على المشهد الثقافي والفني.
بماذا تفسرين اليوم رغبة الكثير من الفنانين السوريين واحتفاءهم بالحصول على الإقامة الذهبية في دولة الإمارات العربية المتحدة، لاسيما أن معظم من حصل عليها هم من نجوم التأثير الاجتماعي؟
هذه تحية للفنانين، هناك من يقول لهم أنا أقدركم، هكذا أراها، هذا عدا عن التسهيلات التي تقدمها هذه الإقامة في السفر خصوصاً في وقت “الكورونا” وفي الوقت الذي نعاني فيه أيضاً كسوريين بما يخص التنقل والسفر إلى الخارج.
ولكن ألا ترين أن هذا الأمر ممكن أن يكون مقدمة لهجرة هؤلاء الفنانين للدراما المحلية؟
أنا مع حرية الخيار، فأنا لا أبقى لأنني لا أستطيع المغادرة! هذا التفكير يجب ألا يكون موجوداً لدينا، أنا هنا لأن هذا خياري، وحرية الخيار جزء من إنسانيتي نفسها، لذا فهذا خيارهم.
نعرف ديانا جبور التي حازت مناصباً مرموقة في الدولة، في صحيفة الثورة، التلفزيون الرسمي، مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، بالمقابل أنت موجودة اليوم كمديرة لشركة إنتاج خاصة وتترأسين جمعية تاء مبسوطة، كيف توفقين بين توجهك المهني الرسمي والأهلي المدني؟
دفاعي أصلاً عن العمل المدني والمجتمع المدني ومنظمات المجتمع المدني، قائم على أساس أنه داعم للعمل الحكومي ولا يتعارض معه، وهو ينظم تدفق العمل الحكومي، ويقومه عندما يكون خاطئا، وحقيقة هكذا انظر للمجتمع المدني، بكونه صلة وصل بين المجتمع والمؤسسات الحكومية.