التركيز على أمن الإنسان بدلاً من أمن الدول معاهدة حظر الأسلحة النووية… حلم أم يقظة؟
البعث الأسبوعية- عناية ناصر
دخلت معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي تم تبنيها في عام 2017 ، حيز التنفيذ في كانون الثاني من العام الماضي، ويستمر عدد الدول التي صادقت عليها في الازدياد ، إذ كانت منغوليا آخر دولة أعلنت انضمامها.
من المؤكد أن هذا الاتجاه الإيجابي يلقى الترحيب من قبل النشطاء المؤيدين لهذه المعاهدة التي تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام للحركة العالمية ضد انتشار السلاح النووي للفت الانتباه إلى العواقب الكارثية لأي استخدام للأسلحة النووية. وعليه سيكون من غير المعقول بالتأكيد تجاهل حقيقة أن هذا الصك القانوني الدولي الجديد لا يزال مثيراً للجدل، على أقل تقدير، بالنسبة لمعظم أعضاء ما يسمى بالنادي النووي. ومع استمرار الاستعدادات للاجتماع الأول للدول الأطراف، المقرر عقده في فيينا في 22-24 آذار 2022 ، من المفيد معالجة بعض الشكوك والاعتراضات الرئيسية ضد المعاهدة.
قد يكون من المفيد هنا التذكير بحالة حظر الألغام ومعاهدات الذخائر العنقودية ، اللتان ما من شك في أن هاتين المعاهدتين قد أصبحتا قصة نجاح رائعة ، ليس فقط من خلال تحقيق هدف الاقتراب من العالمية ، ولكن أيضاً من خلال ترسيخ الإدانة الأخلاقية العامة لتلك الفئات من الأسلحة. لذلك ، يمكن بسهولة دحض الحجة القائلة بأن المعاهدة يجب بالضرورة أن ينضم إليها حائزو الأسلحة، لأن كل تصديق جديد على المعاهدة يمنح المعاهدة مزيداً من القوة ويساهم في الضغط المتزايد على الدول الحائزة للأسلحة النووية لتبني المزيد من الخطوات نحو نزع السلاح النووي.
نقاط قوة
الإسهام الرئيسي الآخر لمعاهدة حظر الأسلحة النووية هو أنها تسهل عملية نزع الشرعية عن الأسلحة النووية، وهي ضرورية لتعديل الأسس الراسخة لمذاهب الردع النووي، لأن المبادئ الإنسانية التي تقوم عليها المعاهدة تتعارض كلياً مع هذه المذاهب، وبالتالي يكون لها تأثير عليها من خلال تسليط الضوء على اللاأخلاقية وعدم شرعية الأسلحة النووية.
حجة أخرى تدعم المعاهدة هي أنها توفر للدول فرصة لدعم عملية إضفاء الطابع الديمقراطي على النقاش العالمي بشأن الأسلحة النووية ، فالمعاهدة الجديدة جاءت نتيجة مناقشة مفتوحة للغاية بمشاركة وفود من جميع المناطق الجغرافية، وهذا ليس جانباً ثانوياً من هذه العملية، ولكنه عنصر أساسي. في الواقع ، على نقيض المفاوضات بشأن الصكوك القانونية الدولية السابقة ، وفي هذا الزمن الذي يتزايد فيه الترابط بين المجتمعات ، فإن التحديات الرئيسية التي تواجه البشرية تعالجها مجموعة متنوعة من المواطنين. ومن المؤكد أن الدبلوماسية التقليدية ليست كافية، وفي حالة معاهدة حظر الأسلحة النووية، من الواضح أن النتائج الإيجابية لم تكن لتتحقق لولا التعزيز الحاسم الذي قدمته الحملة الدولية لإزالة الأسلحة النووية.
ومع أنه من السذاجة توقع اقتناع دول النادي النووي بالسرد الإنساني لتعديل قاعدة سياساتها الدفاعية والأمنية القائمة على الردع النووي ، لكن معاهدة حظر الأسلحة النووية وتركيزها على أمن الإنسان بدلاً من المفهوم التقليدي لأمن الدولة، أصبح لها تأثير بالفعل على المناقشات الأكاديمية والعامة في تلك الدول.
وفيما يتعلق بالحجة الثانية التي يستخدمها منتقدو المعاهدة هي أنها تُضعف معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، يبدو أن هذا ليس غير صحيح فحسب ، بل النقيض من ذلك، فإن معاهدة حظر الأسلحة النووية يمكن أن تكون بمثابة مبادرة للمساعدة في تنفيذ المادة السادسة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ، التي تلتزم الأطراف بموجبها “بمواصلة المفاوضات بحسن نية بشأن التدابير الفعالة المتعلقة بوقف سباق التسلح النووي في وقت مبكر و نزع السلاح النووي”. ولهذا أهمية حيوية، لأن المعاهدة تولي بوضوح دوراً رئيسياً لجميع الأطراف، وليس فقط لتلك الدول التي تمتلك أسلحة نووية. وقد انعكس هذا في الوثيقة الختامية لمؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووية لعام 2010 ، ويمكن فهم معاهدة حظر الأسلحة النووية على أنها انعكاس لذلك الالتزام بالمساهمة في التزام الدول غير النووية بعدم امتلاك الأسلحة النووية. مع أن هناك نقطة أخرى يمكن أن تثار هي أن صناعة الأسلحة النووية قوية للغاية ومتينة، وأنه سيكون من السذاجة التظاهر بأن هذه المعاهدة يمكن أن يكون لها تأثير فعلي على هذه الصناعة، لكن هذا التشاؤم ثبت عدم صحته. ففي عام 2021 ، ورد أن أكثر من مائة مؤسسة مالية قررت التوقف عن الاستثمار في الشركات ذات الصلة بإنتاج الأسلحة النووية. ونتيجة لذلك ، تشهد صناعة الأسلحة النووية انخفاضاً كبيراً في التمويل، ويتزايد باطراد الاتجاه نحو استبعاد هذا القطاع من أهداف الاستثمار. هذا ليس فقط نتيجة للالتزامات القانونية التي تنبثق من معاهدة حظر الأسلحة النووية، بل هو انعكاس لانخفاض قيمة الصورة العامة المرتبطة بهذه الصناعات. و من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه، و مؤكد أن الإدانة الأخلاقية لأسلحة الدمار الشامل سيتم استيعابها في التيار الرئيسي للمجتمع، وهناك تفسير خاطئ شائع آخر وهو أن معاهدة حظر الأسلحة النووية يجب أن تُفهم على أنها أداة مصممة فقط للانضمام إليها حصرياً من قبل الدول غير الحائزة للأسلحة النووية.
في الواقع ، على الرغم من أن المعاهدة تم تطويرها من قبل الدول غير الحائزة للأسلحة النووية ، فقد تمت صياغتها على أن تكون التزاماً عالمياً، بما في ذلك تلك الدول التي لا تزال تُدرج الردع النووي في مذاهبها المتعلقة بالأمن القومي. على وجه الخصوص ، تضع معاهدة حظر الأسلحة النووية مجموعة واضحة من الخطوات للدول الحائزة للأسلحة النووية من أجل إزالة ترساناتها من الأسلحة النووية. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن هذه المعاهدة تلزم الدول الأطراف بتقديم المساعدة الكافية للضحايا المتضررين من استخدام أو تجارب الأسلحة النووية ، واتخاذ التدابير اللازمة لإعادة تأهيل البيئة في المناطق الملوثة نووياً. ويشكل هذا البعد من المعاهدة مساهمة مهمة في كل من حماية حقوق الإنسان للضحايا والالتزام الذي لا مفر منه الآن لحماية البيئة ، وهي جوانب لا تغطيها معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. وهذا بالتأكيد لا يؤثر على قيمة هذه الأداة الرئيسية لنظام نزع السلاح النووي وعدم انتشاره ودورها الحيوي ، ولكنه يكملها بمعالجة القضية الأساسية لإزالة الضرر البيئي.
تحديات تواجه المعاهدة
التحدي الرئيسي الآن ليس فقط تحقيق عالمية أوسع لمعاهدة حظر الأسلحة النووية ، ولكن إشراك المزيد من أصحاب المصلحة وخلق الوعي بشأن الضرورة الملحة للضغط على الدول النووية لاتخاذ خطوات نحو نزع السلاح النووي. و في هذا الصدد ، عززت مبادرات المجتمع الأهلي مشاركة أعضاء القواعد الشعبية والبرلمان ووسائل الإعلام والحكومات المحلية ، ولا سيما في الدول النووية ، والتي حققت نتائج مبهرة ، حيث أعربت مئات الحكومات المحلية عن دعمها للمعاهدة وأثارت نقاشاً بين السكان. حيث تهدف هذه المبادرات إلى ممارسة الضغط على السياسيين ، لتسهيل النقاش داخل المجتمعات حول الاستدامة والمخاطر التي تنطوي عليها حيازة الأسلحة النووية وإيوائها.
في الواقع ، لا يزال أمام معاهدة حظر الأسلحة النووية طريق طويل لتذليل العديد من العقبات لتحقيق هدفها ، ولكن، وفي السنة الأولى من بدء نفاذها ، كان لها بالفعل تأثير لا يمكن إنكاره على مناقشة نزع السلاح النووي وعدم انتشاره ، على الرغم من الشكوك المتوقعة والجهود المبذولة لتجاهل وجودها من قبل مؤسسة الردع النووي التي لا تزال قوية. فمعظم الخبراء الفنيين والأكاديميين والمسؤولين الحكوميين يعتقدون أن الأسلحة النووية ساعدت في ضمان السلام والاستقرار للعالم ، وبالتالي يجب أن تستمر كأساس لمبادئ الأمن الدولي. لقد استندت هذه الأفكار الراسخة إلى افتراض مشكوك فيه بأن نشر هذه الأسلحة قد أبعد الحرب ويمكن أن يضمن السلام الدائم لجميع الدول. كما ساد هذا النوع من الأفكار العقائدية لعقود عديدة ، لكن نتائج الأبحاث الحديثة أظهرت أن المخاطر التي ينطوي عليها ذلك أعلى بكثير وأن العواقب ستكون كارثية على كل البشر على هذا الكوكب. لقد أحدث نموذج الأثر الإنساني ، الذي يكمن وراء العملية التي ألهمت معاهدة حظر الأسلحة النووية ، تحولاً جذرياً في جهود نزع السلاح النووي وعدم الانتشار، والتي طالما اقتصرت على مؤتمرات استعراض معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بنتائجها المحبطة في كثير من الأحيان. لذلك من المؤكد أن ترسيخ نهج مختلف يحتاج إلى نقاش بناء أكثر بين مؤيدي هذه المعاهدة ودعاة الردع النووي.
أخيراً، فإن لهذه المعاهدة دوراً كبيراً في صياغة التعهد الإنساني لسد الفجوة القانونية لحظر الأسلحة النووية ، التي كانت خطوة حاسمة نحو المعاهدة التي أوفت بالفعل بهذا الجانب. وعلى الرغم من كل الصعوبات واستمرار المعارضة الكبيرة لها، فإن المشاركة النشطة والملتزمة للدبلوماسيين وممثلي المجتمع الأهلي، تسمح بتصور أن هذا الاجتماع الأول سيساعد على تعزيز المعاهدة والمضي قدماً في طريق الوصول إلى الهدف النهائي المتمثل في تحقيق عالم خال من الأسلحة النووية.