في “عضال” الحمضيات المزمن! لماذا نستميت لتوطين الزراعة ثم نستحلي “رفس” المحاصيل والأرزاق؟!
البعث الأسبوعية – علي بلال قاسم
عندما قررت الحكومة أن تحول الشريط الساحلي وهضابه الجرداء في ثمانينات القرن الماضي إلى مشروع توطين أهم شجرة ومحصول بعد الزيتون، كان خيار الحمضيات موفقاً في بيئة متوسطية تفلح فيها هذه الشجرة، ليصبح البرتقال والليمون أحد أنجح الزراعات، وخاصة في الساحل المتميز باستقرار ذلك النوع الزراعي لجهة الدخل والإنتاج نظراً لملائمة الظروف البيئية والجوية.
منذ ذاك الوقت إلى الآن مرت المواسم وظروف الإنتاج بتقلبات وحيثيات لعب المناخ والطبيعة دوراَ قاسياَ في تحديد مصير 36 ألف هكتار تضم ما يقارب الـ 14 مليون شجرة منها 10،5 مليون شجرة مثمرة تنتج أكثر من مليون طن بنسبة 1% من الإنتاج العالمي، ومع أن سورية تحتل المركز الثالث بإنتاج الحمضيات عربياً والسابع متوسطياً والثامن عشر عالمياً، وهناك أكثر من 50 ألف أسرة تعمل بها، إلا أن مواجعاً لا يمكن إغفالها عند شريحة من يعملون بهذا المحصول الذي يأسف الفلاحون والمزارعون أن الحكومة لم تصنفه محصولاً استراتيجياً حتى الآن رغم أنه عماد الساحل ومصدر رزق الأهالي الوحيد.
إضراب وامتناع
ومع أن مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة يؤكد أنّ إنتاج المواسم كافٍ للاستهلاك المحلي، إلا أن ثمة تراجع بفائض المحصول ككل، فخلال السنوات العشر الأخيرة تكبدت زراعة الحمضيات التي تعتبر من أكثر الأشجار انتشاراً في الساحل السوري خسائراً كبيرة بفعل عدة أسباب أبرزها ضعف التصدير ورخص الأسعار نظراً لكثافة المعروض وغلاء وسائل النقل، حتى بات المحصول لا يغطي تكاليف الإنتاج، ما دفع بعض المزارعين للإضراب والامتناع عن جني المحصول وآثر بعضهم قلع الأشجار، ومع أن فصول الحرائق قضت على مساحات زراعية واسعة في الساحل، إلا أن العديد من المزارعين فضل الاستعاضة عن أشجار الحمضيات بزراعات بديلة أهمها التبغ والخضراوات.
بحث عن حلول
في شق التعامل الحكومي مع مشاكل الحمضيات لم تخل أروقة مجلس الوزراء من الاجتماعات المتتالية بغية الوصول إلى حلول ناجعة وإمكانية دعم المحصول لما له من تأثير إيجابي يطال الاقتصاد الوطني، فلجأت إلى تكليف وزارة الاقتصاد عبر مديرية التسويق الزراعي بالتواصل مع الجهات كافة ذات الصلة بغية وضع مصفوفة حمضيات شاملة تبدأ من الحقل وتنتهي بالتصدير والهدف تأمين منتج زراعي ذو مواصفات وجودة عالية (كماً ونوعاً) وتلخيص أهم مطالب المزارعين المتمثلة بتنشيط تسويق المحصول داخلياً وخارجياً، والطلب من معامل التصنيع استجرار مادة الحمضيات بأسعار مقبولة ورفع الضرائب عن المواد الداخلة في تصنيع العصائر، وذلك من أجل اعتماد أصحاب المعامل على الحمضيات الطبيعية والترويج للمنتج داخلياً وخارجياً بوسائل الإعلام، على أن يتم تأمين البرادات الكافية بغية تخزين المنتج فترة معينة قبل تصديره وكذلك تأمين مستلزمات الإنتاج وبأسعار مقبولة ومراقبة الأسواق لمنع التجار من احتكارها، وأيضاً مراقبة أسواق الهال لعدم احتكار التجار للمحصول.
طيلة عقود
لا ينفك المزارعون يصرخون بأنه من المفترض بالمعنيين تشجيع زراعة المحصول والاهتمام به أكثر والحرص على أن ينال المزارعون حقهم، وألا يبقوا عرضة لاستغلال أصحاب التجار والسماسرة والوسطاء كما كان وضعهم طيلة الأعوام السابقة، حيث لا يمكن إغفال معاناة الفلاح الذي غالباَ ما يضيع تعبه ويخسر لتزيد الأزمة الحالية الوضع سوءاً لدرجة أن بعض المزارعين قطع أشجار البستان منتقلاً لزراعة محصول آخر، في ظل الصعوبات والمشاكل من ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج (أسمدة- مبيدات- أدوية-شبكات الري بالتنقيط….الخ) إضافة لندرتها وصعوبة تأمينها واحتكار البعض لها وارتفاع أجور اليد العاملة وأجور النقل بشكل كبير وزيادة ثمن العبوات سواء الفلين أو البلاستيك وضعف عمليات التسويق وعدم وجود وسائل لتخزين المحصول وضعف الدعاية الإعلامية الداعمة لفوائد الحمضيات وأهميتها وعدم الترويج للمحصول السوري كي يطرق أبواب الأسواق الإقليمية والعالمية والفجوة الكبيرة بين سعر المفرق والجملة.
مصادر اتحاد فلاحي اللاذقية أشارت إلى أن الحمضيات غير مشمولة بصندوق الدعم للحاصلات الزراعية (كونها مصنفة غير إستراتيجية)، فعلى أي أساس يصنف المحصول استراتيجي.؟ وإذا كانت الحمضيات مصدر رزق لمئات الآلاف من العائلات في الساحل السوري، ألا يكفي ذلك لتصنيفه بالاستراتيجي.؟
توطين مفهوم التصنيع
بحسب مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة فإن أهم مستلزمات صناعة الحمضيات متوافرة، وهي الثمار ذات النكهة واللون المميزان وبكميات كبيرة، وأصناف متعددة ومواعيد نضج مختلفة أسوة بالكثير من دول العالم، لذلك فإن تطبيق مفهوم صناعة الحمضيات يساهم في تحقيق قيمة مضافة كبيرة جداً يمكن أن تصل إلى 100 %، وتطبيق هذا المفهوم واستفادة المزارع منها وعدم استغلالهم من قبل بعض التجار سيكون له المنعكس الإيجابي، ولاسيما لجهة اهتمام المزارع، بالشكل الذي سيساعد وزارة الزراعة في عملها وتواصلها مع الجهات ذات الصلة لتطوير زراعة الحمضيات في سورية، التي تحتل المركز الثالث عربياً من حيث الإنتاج والسابع متوسطياً والثامن عشر عالمياً.
وتركز وزارة الزراعة على تأمين منتج زراعي آمن بمواصفات وجودة عالية كماً ونوعاً والعمل على تطوير هذه المواصفات والجودة وتقديم العناية والخدمة للأشجار المثمرة من الغرسة وحتى المنتج، لذلك فإن فريق عمل الحمضيات وفي خطوة أولى باتجاه جعل مفهوم صناعة الحمضيات في البلاد أمراً واقعاً قام باقتراح تشكيل ستة فرق مختصة، الأول منها لإنتاج المادة النباتية النقية ومهمته إنتاج أمهات الأمهات الوسيطة بطريقة التطعيم القمي، أما الفريق الثاني فهو فريق فحص جميع الأمهات الموجودة حالياً في المشاتل الحكومية، في حين يقوم فريق التحري الدائم عن الأمراض والآفات التي تصيب بساتين الحمضيات بمسح ومراقبة مواقع انتشار الآفات والأمراض ورفع تقارير شهرية تصف الواقع الفعلي للحمضيات على مستوى محافظتي طرطوس واللاذقية، أما فريق إتلاف الغراس والأشجار المصابة أو المريضة في المشاتل أو الحقول، فسوف يقوم باتخاذ الإجراءات الفورية والمباشرة بعد التأكد مخبرياً من وجود الإصابة بأي من الأمراض الخطيرة وأينما وجدت، في مقابل قيام فريق نشر الغراس الدالة للأمراض بتوزيع ومتابعة الحالة الصحية لهذه الغراس والتركيز حالياً على توزيع وزراعة غراس “اللايم” المكسيكي وزراعتها أمام الوحدات الإرشادية في مناطق زراعة الحمضيات بعد تزويد كل غرسة ببطاقة تعريفية توضح طريقة التعرف على الأعراض التي قد تظهر والإبلاغ فوراً عن وجود أي من الأعراض.
دراسات عديدة
وزارة الصناعة بينت أن هناك دراسات عديدة حول كمية ونوعية الإنتاج الزراعي وما يتطلب التحقق، لأن تكون نوعية هذه المنتجات صالحة للتصنيع والكميات كافية لتحقيق الجدوى من إقامة مشاريع كهذه على أن تتم الاستفادة من تجارب بعض الدول في هذا المجال.
لذلك من الضرورة الخروج بمعطيات تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الفنية والمالية والتسويقية وإمكانية منافسة منتجات هذا المشروع في ضوء إنتاج المعامل الخاصة والاستهلاك المحلي والمستوردات وإمكانية التصدير على أن يرضي هذا المنتج أذواق المستهلكين ويكون منافساً في السعر، هنا لا يمكن إغفال إمكانية الاستعانة بدول شرق آسيا والدول الصديقة لاستيراد التجهيزات والآلات اللازمة لإقامة للتصنيع والتوضيب والفرز وتأمين برادات لتخزين المنتجات والاستفادة منها لتصنيعها على مدار العام والاستفادة من إمكانية توسيع قاعدة التصنيع لتشمل منتجات مماثلة.