“حكاية من بلدي”.. انتقالات مشهدية بين العثمانيين والحرب الإرهابية بحكاية شعبية
أصابع اليد الكبيرة التي تتوسط خشبة مسرح القباني المحاطة بهالة اللون الأحمر كانت القاسم المشترك بين مشاهد مسرحية “حكاية من بلدي” (تأليف جوان جان، إخراج سهيل عقلة)، وعبر حكاية شعبية يتبادل أبطالها الأحداث، تعود بنا إلى زمن العثمانيين، والتضحيات التي قدمها ثوار الغوطة لنيل الاستقلال، والدفاع عن رجال الوطن بالهجوم على قافلة رجال السلطان لإنقاذ حسن الذي ألقي القبض عليه، وسينفذ حكم الإعدام بحقه في الأستانة، لتنتقل الأحداث إلى الحرب الإرهابية على سورية من قبل عدو واحد متمثّل بالعثمانية الجديدة، وعملها على التغرير بضعاف النفوس بالمال للانجرار معهم إلى جرائمهم التي دمرت وقتلت وسرقت.
تمكن جوان جان من خلال تتابع حكايته الشعبية من الانتقال بالأزمنة، وتجسيد مقتطفات من خطط قادة داعش بالتحضير لعملية إرهابية بالحزام الناسف، كما شد المتلقي إلى حكاية حسن وسعدية بإسقاط غير مباشر على الأوضاع الصعبة التي تعيشها سورية نتيجة الحصار من خلال مشهد الثنائي حسن وسعدية، والحوار بينهما حول الخبز.
يظهر دور الأمن بإحباط عملية التفجير، وصمود حسن (زهير بقاعي) الذي يرمز إلى الوطنيين الشرفاء، والذي تساءل خلال العرض عن تغيّر الأحوال: “وين الطيبة؟ وين النخوة؟ وين بحرات البيوت؟ وين عرايش الياسمين؟”.
تنتهي المسرحية بالأغنية التي حملت رسالتها، وكتب كلماتها المؤلف نفسه جوان جان: “اوعك أرضك، اوعك شعبك، اوعك ناسك، اوعك تشرب من غير كاسك”.
ورغم السينوغرافيا البسيطة، إلا أن المخرج سهيل عقلة ركز على رمزية أصابع اليد، ولون الأزياء الترابية الباهتة التي ترمز إلى الأرض والتمسك بالجذور، واعتمد بالدرجة الأولى على الانتقالات المشهدية، وفصل الإضاءة، والتركيز على الموسيقا (أيمن زرقان)، وتأثير البعد الإيقاعي والمؤثرات الصوتية الموحية بالحدث، مثل إطلاق النار على قافلة رجال السلطان، وغيرها، كما أدخل ضمن السياق الدرامي الأغنيات الشعبية والتراثية مثل: “يا قضامة مغبرة”.
الأمر الملفت هو عودة الفنانة صباح السالم بدور سعدية وحكايتها مع حسن، وقد لاقت ترحيباً من الجمهور.
المسرح الشعبي
بعد العرض واختتام عروض مسرحية “حكاية من بلدي” التي كانت حكاية مسرحية داخل مسرحية، تحدث لـ “البعث” المؤلف جوان جان، فأوضح أن “الهدف تقديم حكاية شعبية بروح الكوميديا، نحاول من خلالها إعادة جمهور المسرح الشعبي”.
أما عن الرؤية الإخراجية، فعقّب بأن هذه التجربة هي الخامسة التي تربطه بالمخرج عقلة، ورأى تطوراً واضحاً بالرؤية الإخراجية عن الأعمال السابقة.
قطعة واحدة للديكور
توقفت معه حول اختيار اليد التي شكّلت العنصر الأساسي لديكور الخشبة، فأجاب بأن هذا النوع من الأعمال يتطلب ديكورات خاصة لكل مشهد، وهذا مستبعد في ظل توافر التقنيات العادية، أو أن يتم اختيار قطعة ديكور واحدة تكون مناسبة لكل المشاهد، فكانت حركة اليد متناسبة مع أحداث المشاهد مثل مشهد المحكمة الذي تحركت فيه الأصابع الخمسة دلالة على قسم المحكمة، وغيرها، كما تحدث عن الانتقالات بالإضاءة والمؤثرات الصوتية لتعريف المشاهد بزمن المشهد، والمكان الذي يدور به.
توصيف الحالة
المخرج سهيل عقلة تحدث عن التوليفة بين المسرح الشعبي بلهجته ومفرداته والحالة التي عاشها بلدنا، فتابع: أردت إعادة المسرح الشعبي القديم بروح جديدة، بفكرة بسيطة ضمن نطاق ضوابط عاداتنا وتقاليدنا مع تطور الحالة الفكرية والتقنيات والإضاءة والديكور، وتوخّيت مراعاة أسس المسرح الشعبي، سواء بالأغنية أو المفردات مثل: “اوعا الزيت”، لأن مهمة المسرح أن يكون قريباً من كل الناس، وأنا ضد تقديم عرض نخبوي تفهمه قلة، في النهاية المسرح مرآة المجتمع، والنص الذي يكتبه كاتب سوري هو الأقدر على توصيف الحالة.
عودة صباح السالم
أما عن عودة صباح السالم التي حوربت وقوبلت عودتها بالرفض بعد أن دفعت الثمن قاسياً، فتابع عقلة بأنها فنانة قديرة شاركت في أجمل أعمال الدراما السورية، وتربّينا على بحة صوتها ولمعة عينيها، وكانت مميزة بجمالها وأدائها، ومن واجبنا الآن أن نقف إلى جانبها، وأتوقع بعد مشاركتها بالمسرحية أن تتلقى عروضاً متعددة.
ملده شويكاني