الحالة السورية وفق المنهج المقارن – الجانب النقدي- (2)
د. مهدي دخل الله
الأربعاء الماضي قدمت عرضاً موجزاً عما يتعرض له سعر صرف العملة الوطنية أثناء الحروب ، معتمداً على تحليل الاقتصادي الأمريكي الشهير جون غالبرايت في كتابه « تاريخ الفكر الاقتصادي » . عرض غالبرايت تجربة الولايات المتحدة في ثلاثة حروب : حرب التحرير الأمريكية ( 1775 -1783 ) ، وحرب توحيد الولايات ( 1861 – 1865 ) ، وحرب فييتنام ( 1955 – 1973 ) ، وما أدت إليه هذه الحروب من انهيار كبير في سعر صرف الدولار . كما عرض التجربة الإنكليزية بعد الحرب العالمية الأولى ( 1914 – 1918 ) ، وحرب الفوكلاند ( مالفيناس ) عام 1982 ، وما أدى ذلك إلى هبوط مريع في سعر صرف الأسترليني ..
اليوم ، أعود إلى منطقتنا لأقارن بين ثلاث دول عاشت حروباً منذ السبعينات ، وهي لبنان ( 1974 – 1990 ) ، والعراق ( 2003 – حتى اليوم عملياً ) ، وسورية ( 2011 – وما زالت مستمرة ) ..
وعلى الرغم من أن الحرب على سورية هي الأكثر بشاعة واستخداماً للقوة العدوانية المفرطة ، مقارنةً مع لبنان والعراق ، إلا أنني هنا أفترض المساواة بين الحروب الثلاث خدمة لعملية المقارنة ..
بداية السبعيينات ، كان سعر صرف الليرة اللبنانية تجاه الدولار / 3 / ليرات مقابل الدولار ، والليرة السورية / 4 / ليرات ، أما الدينار العراقي فكان / 0.35 / مقابل الدولار ، أي كل دينار يساوي 3 دولارات ..
اليوم ، الوضع في لبنان مريع حيث يساوي الدولار / 30 / ألف ل. ل ، وفي العراق / 1450 / دينار ، وفي سورية / 3500 / ل. س. وهذا يعني أن صرف العملة اللبنانية انخفض / 10 آلاف / ضعف ، والدينار العراقي / 4350 / ضعفاً ، بينما انخفض سعر الليرة السورية / 870 / ضعفاً . علماً أن هناك عاملْين داعمين للاقتصاد اللبناني والعراقي محرومة منهما سورية ، فلبنان حصل على مُدخل دولي كبير مقداره قد يتجاوز / 80 / مليار دولار بشكل قروض ( علماً أن عدد سكان لبنان ربع عدد سكان سورية ) ، أما العراق فهو بلد من كبار منتجي النفط في العالم . هذان العاملان غير موجوديْن في الحالة السورية .
إضافة إلى ذلك ، هناك وجود عامل سلبي جداً في هذه الحالة ، وهو الحصار الخانق على مستوى قانون قيصر غير المسبوق في العلاقات الدولية ، ناهيك عن الحرب الدبلوماسية الضاغطة ( إغلاق السفارات ) ، وسلوك جامعة الدول العربية . وهذه الامور كلها لم تظهر في الحالتين اللبنانية والعراقية ..
ما ورد هنا مقارنة علمية وموضوعية ، وهدفها ليس تبرير الفرص الضائعة ، والقصور هنا وهناك ، والإشكالات الناتجة عن نظام إداري غير فعال ، أي العامل الذاتي في محنة بلادنا . المقارنة الواردة هي شرح للعامل الموضوعي في هذه المحنة الكبيرة التي لم يواجه مثلها أي شعب في العالم . ولعل الأثر الأكثر أهمية لشرح العامل الموضوعي المقارن هو أنه يعطينا نوعاً من الاعتداد بالنفس ، مفاده أننا استطعنا تخفيض الخسائر إلى أكبر حد ممكن بالمقارنة مع غيرنا . وهذا الاعتداد بالنفس دافع مهم للمتابعة في المواجهة ..