مجلة البعث الأسبوعية

الذكـاء الاصطناعي… جزء من البشرية وفرد يعيش معاناة كاملة

البعث الأسبوعية- عُلا أحمد

عالم الرياضيات، آي جيه جود، الذي عمل إلى جانب ألان تورينج في فريق فك التشفير خلال الحرب العالمية الثانية، والذي كان رائداً في مجال الذكاء الاصطناعي أول من أدرك الأهمية الكاملة “لانفجار الذكاء”، كتب يقول إنه بمجرد أن تتجاوز الآلات فائقة الذكاء المستوى الفكري للإنسان، عندئذ ستكون هي نفسها قادرة على ابتكار آلات أفضل بكثير من الإنسان، ما يتركنا متخلفين بمسافة بعيدة وراءها.

في مقابلة أجراها الملياردير إيلون ماسك مع صحيفة “نيويورك تايمز” عبر عن اعتقاده بأن الذكاء الاصطناعي سيتفوق على البشر خلال خمس سنوات معتبراً أن الأشخاص الأذكياء جداً مغرورون باعتقادهم أن الحاسوب لن يصبح ذكياً مثلهم، لم تكن هذه المرة الأولى التي يقدم فيها ماسك تنبوءات مخيفة حول إمكانات الذكاء الاصطناعي، فقد حذر عام 2018: أنا قلق جداً.. من تطور التقنيات في مجال الذكاء الاصطناعي، فهي قادرة على تحقيق أكثر بكتير مما يعرفه أي شخص تقريباً”.

حديث ماسك حول لحظة التفرد التكنولوجي التي سيتجاوز فيها الذكاء الاصطناعي كل الذكاء البشري ليس جديداً في الواقع بل سبقه إليه الكثير من العلماء ورواد التكنولوجيا مثل ستيفن هوكنج وبيل غيتس الذين حذروا من إمكانية الوصول إلى هذه النقطة المحفوفة بالمخاطر.

يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي (AI) إلى الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام والتي يمكنها أن تحسن من نفسها استناداً إلى المعلومات التي تجمعها. وبما أن الأدب ليس بعيداً عن الواقع بل يستمد الكثير منه، ويعتمد عليه في بعض الأحيان حيث يلهث بعض المفكرين والكتاب والفلاسفة والباحثون وراء العلماء لاستنباط مخيلة إبداعية خلاقة قادرة على احتواء التنبؤات العلمية العادية والخارقة وجعلها قابلة للتصديق والتأمل والتعامل، فكانت هناك أعمال أدبية وسينمائية تناولت عالم الذكاء الاصطناعي وتقنياته وأثرها في بنية المجتمعات وسكانها، وقدمت أيضاً أبرز التحديات التي ستواجه الإنسان في حال عدم السيطرة على الآلة.

بشكل عام، كان وما زال الذكاء الاصطناعي قضية مجهولة ومخيفة في الوقت نفسه مثل أي شيء جديد بالنسبة للإنسان، والسينما كانت سباقة في محاولة استعراض فكرتها عن الذكاء الاصطناعي الذي تناولته من زوايا مختلفة، وفي هذا المقال استعراض لأهم الأفلام التي تناولت الذكاء من وجهات نظر متعددة.

 حب بين إنسان ونظام تشغيل

قدم فيلم “هي” (Her) حالة فريدة لقصة درامية محبوكة بشكل جديد تماماً على شاشات السينما، حيث جسّدت قصـة وقوع ثيـودور -رجل مهووس بالتقنية، حياته بائسة بشكل عام- في حب سامنثـا. سامنثا ليست فتاة جميلة قابلها ثيـودور في إحدى المطاعم أو المقـاهي، وليست زميلته في العمل، وإنما الصوت المؤنّث لنظـام تشغيل حديث تم إصداره باسم “أو إس 1”    (OS 1)  مزوّد بآلية ذكـاء اصطنـاعي متقدمة للغاية تجعـلها تبدو كأكثـر البشر حرارة وألفة وعاطفة ومودّة.

الفيلم من إنتاج عام 2013، ومن بطولة خواكين فينيكس والنجمة سكارليت جوهانسون التي شاركت طوال الفيلم بصوتها فقط، حقق إيرادات قدّرت بثمانية وأربعين مليوناً -أي ضعف ميزانية تمويله تقريباً- يعتبر واحداً من أبرز الأفلام التي تناقش الذكاء الاصطناعي من منظور رومانسي درامي حياتي بحت، ويقدم نموذجاً تحذيرياً إلى حد ما من إمكـانية تغلغل الذكاء الاصطناعي في أهم العناصر التي تميّز الإنسـان، وهو عنصر الجانب العاطفي البحت.

ذكاء يسعى إلى الحرية

استطاع الفيلم البريطاني “إكس ماشينا”(Ex Machina)  عام 2015، ورغم ميزانيته الصغيـرة نسبياً (15 مليون دولار) أن يحقق نجاحاً كبيراً في أوساط الجماهير والنقاد، وترشح إلى عدد كبير من الجوائز من بينها الأوسكار، وتم ترشيحه من ضمن أفضل 10 أفلام مستقلة تم إنتاجها في هذا العام.

يركز الفيلم على واحدة من أخطـر الأمور التي يخشاها العلماء والمبرمجون، وهو إمكـانية أن تطوّر الروبوتات من خلال منظومة الذكاء الاصطناعي مجموعة من المشاعر والانفعالات التلقائية التي يميل البشر إلى تصديقها والتعامل معها بشكل عفوي تلقائي، ثم يتضح في النهاية أنها مشاعر مخادعة يعتمد عليها الذكـاء الاصطناعي للآلات لتحقيق رغبـاتها الخاصة، والسعي نحو التحرر من سلطة الإنسـان.

صراع في الشبكة الافتراضية

فيلم “ماتريكس” من أكثر الأفلام شهرة في عالم السينما وخصوصاً الجزء الأول الذي صدر في عام 1999 وتم إنتاج ثلاثة أفلام لهذه السلسلة حتى العام 2003، وبعد عقدين من الزمن تم إصدار جزء رابع عام 2021، تناولت هذه الملحمة الذكاء الاصطناعي والحوسبة الذكية بشكل متضمّن لكثير من المعاني المقلقة، حيث قامت بتضخيم الفكـرة بشكل كبير يتناسب مع طبيعـة الدراما البشرية المعتادة في انتظـار المخلّص، ودمج الحالة الافتراضية الحاسوبية بالكامل في أدبيـات تاريخية طويلة لها دلالات عميقة، بمعنى آخر ربما هو أكثر أفلام هذه القائمة كآبة وقلقاً من المستقبل.

عالم الجريمة

فيلم “أنا والروبوت(I, Robot)” فيلم شهير من إنتاج عام 2004، اقتربت إيراداته من 350 مليون دولار مقابل ميزانية إنتاج كبيرة قدرها 120 مليوناً، يسلط الفيلم الضوء على الذكاء الاصطناعي والأنماط السلوكية للآليين بشكل مختلف، حيث يظهـرهم بأن لديهم مشاعر من الخير والشر قريبة من المشاعر الإنسانية، وأن المجتمع الآلي المزوّد بالذكاء الاصطناعي له نفس خطايا ومشكلات المجتمع البشري.

معالجة مختلفة

فيلم “الذكـاء الاصطناعي A.I” عام 2001 من إخراج الممثل الأميـركي المخضـرم ستيفن سبيلبيـرغ من أبرز الأفلام التي حجزت لها مكانة السينما، حيث حقق شهرة كبيرة ونال نقداً مميزاً، تتناول حبكة الفيلم عن تعرض الأرض في أواخر القرن الثاني والعشرين إلى احتباس حراري وصل إلى ذروته أدّى إلى مسح العديد من المدن العالمية الأساسية الكبرى ومع ذلك، وصلت حركة التقدم البشري إلى تطوّر غير مسبوق، حيث أصبح إنتاج الآلات الشبيهة بالبشر أمراً شائعاً، وأصبحت الآلات لديها القدرة على التعبيرات العاطفية والتذكّـر والتفكير مثل الإنسان العادي تماماً، فتقرر إحدى العائلات تبنّي طفل روبوتي صغير لقضاء الحياة معهم ويصبح كابنهم تماماً، وتتوالى الأحداث حتى ينتهي الأمر ببدء عصـر جليدي قاس على الأرض يؤدي إلى اندثار الحياة نهائياً على الكوكب، فقط يظـل الروبوت الصغير قابعاً تحت الثلوج سنوات طويلة حتى تستخرجه مخلوقات فضائية وتعيد تشغيله وتعديله لتتعرّف على مستوى الحضارة التي كانت تعيش على هذا الكوكب منذ زمن بعيد.

تأتي أهمية الفيلم على أنه تعامل مع الذكـاء الاصطناعي بطريقة مختلفة تماماً، حيث اعتبره جزءً من البشرية وجعله فرداً منها يعيش معاناتها كاملة، بل وربما يكون هو الأثر الوحيد الذي يمكن أن يظـل شاهداً على تطور الحضارة البشرية في مرحلة ما من مراحل اندثارها في المستقبل،قدم سيبلبيرغ معالجة مختلفة للذكـاء الاصطناعي يقف في مصلحة الإنسـان ويتعاطف معه ويعيش معه آلامه وأحزانه، وليس كمصـدر خطر يهدد البشرية.