مجلة البعث الأسبوعية

سوق الإيجارات تغلي .. لا قانون قادر على ضبطها ولا الأخلاق!

البعث الأسبوعية – ميس بركات

 

كثير هي القصص التي سمعناها خلال سنوات الأزمة عن نزوح العائلات من مناطق الحرب ولجوءهم إلى مناطق آمنة، تاركين خلفهم رزقهم ومنازلهم ، ليستأجروا مسكن لا يضاهي منازلهم السابقة في الكثير من الأحيان، لكنّ حاجتهم فرضت عليهم الرضوخ لطلبات وقرارات وأخلاقيات مالكي العقارات ممن كانت الأزمة بالنسبة لهم صفقة رابحة وورقة هامة لجمع الثروة والتلاعب والتحكم بالمواطنين من جهة وبأسعار العقارات من جهة أخرى، وبالرغم من عودة الأمان إلى الكثير من المناطق إلّا أن تمركز السكان لا زال واضحاً وبشدّة في مدن ومناطق معيّنة استغلّ مالكو العقارات فيها رغبة المهجّرين بالاستقرار فيها لنشهد خلال العامين الماضيين توتراً ومشاحنات ودعاوى كثيرة بين أصحاب العقارات والمستأجرين أفضت في الكثير من الأحيان إلى ترك المستأجر المنزل قبل انتهاء عقده، أو هروبه في”ليلة ما  فيها ضو قمر” دون دفع المستحقات المالية المترتبة عليه لعدة أشهر، وإذا نجحت قوانين الإيجارات التي صدرت في السنوات الأخيرة بضبط وتنظيم الإيجارات من جهة ، لكنّها وبرأي أصحاب الخبرة لا تستطيع تنظيم ووضع ضوابط أخلاقية لكلا الطرفين.

ضرورة أخلاقية

ولعلّ الحالة التي كنا شاهدين عليها كانت مثالاً لتجاهل أخلاقيات عقود الإيجار التي باتت بعيدة كل البعد عن أصحاب النفوس الجشعة الذين لم يتركوا باباً إلّا وطرقوه لابتزاز المواطنين الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة الحاجة وسندان الابتزاز، إذ لم تستطع أم أحمد إلّا الرضوخ لطلب مالك المنزل بزيادة أجرة المنزل إلى الضعف بعد أن انتهى عقد الإيجار ورمى بأغراضها إلى الشارع ، ولم يشفع توسلها له بتجديد العقد بأقل من المبلغ الذي أراد إلزامها به وهي أم لشهيدين اضطرت لترك منزلها الذي تهدّم خلال الحرب والعيش تحت رحمة مالكي العقارات، لتطرق في نهاية المطاف أبواب الأقارب وأصحاب النخوّة لإكمال أجرة المنزل لستة أشهر قادمة حسب طلب المالك بعد أن أوتها الحدائق لثلاثة أيام دون رحمة أو شفقة منه، ما يخلق حاجة وضرورة ماسّة لإصدار قرارات استثنائية تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر الأمر الذي أكده عارف الشعال”محامي” بحديثه عن أهمية الأخلاق التي يجب أن تتفوق على القانون في الكثير من الحالات، فالقانون ينظم علاقة ولكنه لا يُوجد أخلاق، لذا يتوجب على أصحاب العقارات تحكيم ضميرهم وتقدير ظروف من دفعتهم الأزمة لأن يكونوا باحثين عن مأوى، والإسراع من قبل الدولة قدر الإمكان بإيجاد أبنية مسبقة الصنع تأوي العدد الأكبر من الأخوة المشردين، وأكد الشّعال على أن قانون الإيجارات لعام 2015  نظّم العلاقة الإيجارية خاصّة وأن المادة الرابعة من هذا القانون اعتبرت عقود الإيجار المبرمة سندا تنفيذياً من خلال استرداد المؤجر للعقار عند انتهاء الإيجار عن طريق التنفيذ من غير دعوى بشرط أن يكون العقد مسجلا أصولا لدى الجهة الإدارية المختصة، كما أجاز قانون الإيجار في المواد 8 – 10 إخلاء العقار ت لأسباب عديدة منها التقصير بالدفع أو  الإخلاء لعلة إساءة استعمال ، كذلك  الإخلاء لعلة السكن، إضافة إلى  الإخلاء لعلة الهدم و البناء، والإخلاء لعلة الترك أي أن يترك المستأجر المأجور دون سبب لمدة سنة كاملة دون انقطاع .

أساليب ملتوية

ولأن أغلب الإيجارات تتم عن طريق المكاتب العقارية كان لأصحاب تلك المكاتب نصيبهم من قطعة الحلوى التي تقاسموا نهشها مع أصحاب العقارات، ليضيع المواطن بين الطرفين ويلجأ لأساليب ملتوية بهدف التهرب من دفع ضريبة الإيجار العقارية الأخيرة وعدم إضاعة الوقت في انتظار لجان الكشف وتعقيداتها الروتينية، إذ أكد لنا أحد أصحاب المكاتب العقارية قيام المؤجّر بتأجير عقاره بطرق قانونية تلتف على الضريبة المالية عن طريق اللجوء إلى القضاء لتثبيت العلاقة الايجارية أو إبرام عقد خارج الأطر الإدارية وتنظيمه لدى أحد المحامين ، وفي حالات نادرة يتم اللجوء إلى استخراج قيد مالي عليه قيمة رائجة غير مثبتة في قيود المالية عن طريق سماسرة مديريات المالية لإبرام عقد إيجار لدى الوحدات الإدارية، أما بالنسبة للعقود المبرمة قبل صدور قانون البيوع الضريبية والرسوم العقارية فيلجأ المؤجر إلى عدم تجديد العقد على اعتبار وجود عقد ثابت صادر عن الوحدة الإدارية يثبت العلاقة الإيجارية بينه وبين المستأجر القديم بحيث يحمي مأجوره وعدم إمكانية عصيان المستأجر في عقاره على اعتبار أن هذا العقد يعتبر سند تنفيذي، وغيرها من الحيل لكسب الوقت والمال، مقدماً عدداً من الحلول تُرضي الطرفين  أهمها وضع شرائح حسب المناطق العقارية أو وضع قيمة رائجة وسطية لكل منطقة أو قيمة مقطوعة لكل الشرائح، بهدف إلغاء دور اللجان والكشف، وتسهيل العملية الإيجارية إضافة إلى تجنّب تهرب المواطنين من الالتزام بالعقود.

ازدياد الدعاوى

في المقابل يجد عمار يوسف”باحث اقتصادي” بأن تطوير قوانين الإيجارات في سورية مكنّت من حفظ حقوق المؤجر والمستأجر، لاسيّما وأنه خضع لقاعدة “العقد شريعة المتعاقدين” ليضمن حقوق الطرفين، لكنّ يبقى المستأجر هو الحلقة الأضعف في ظل فرض المؤجر لشروطه فضريبة الإيجار العقارية في القانون الجديد  يجب أن يدفعها المؤجر لكن في الحقيقة يتحملها المستأجر من خلال رفع قيمة الإيجار، لافتاً إلى أن الطلب على شراء العقارات وبيعها في حالة ركود حالياً الأمر الذي يؤدي إلى رفع أسعار الإيجارات ففترة ركود البيع والشراء تحمل معها منعكس سلبي من ناحية الإيجار لتوجّه مالكي العقارات إلى التأجير بدل البيع، وأكد يوسف أن نسبة الزيادة السنوية للعقارات ارتفعت حوالي 50% العام الماضي لكن بنفس الوقت انخفضت نسبة القدرة الشرائية للمواطن حوالي20% أي أن الإيجارات انخفضت تجاه القدرة الشرائية لليرة، ونوّه الباحث الاقتصادي إلى ازدياد دعاوى الإيجارات المرفوعة في محكمة الصلح في ظل الظروف الحالية وعدم توفر بديل آجار للمواطن، مؤكداً أن ارتفاع سعر الإيجارات سيبقى على ما هو عليه إلّا في حال تدخلت الدولة بإصدار قرارات استثنائية تحدد نسبة الزيادة السنوية في أسعار العقارات .

مشكلة أخلاقية

ولأن مرحلة إعادة الإعمار لم تبصر النور حتى اليوم، لازالت حركة السوق ميّتة ليؤكد لنا إياس الصفدي أحد متعهدي البناء في ريف دمشق أن كل الطرق المؤدية لامتلاك المسكن باتت مغلقة ولا أحد يستطيع أن يتنبأ متى تعود الحركة للسوق فالطلب المحدود اليوم يقتصر على الإيجارات في مناطق معيّنة رغم عودة الأمان إلى معظم المناطق لكن تمركز السكان في بعض المناطق أدى إلى خلخلة في السوق العقاري نتيجة زيادة الطلب على هذه المناطق وطمع مالكي العقارات فيها بزيادة الإيجار وتحوّلها إلى مناطق بازار إيجاري، في حين شهدت تكاليف قطاع البناء والتشييد قفزات خيالية أدت إلى شلل في حركة البناء لدرجة التوقف التام في بعض المشاريع خاصّة في ظل تضاعف أسعار الحديد والاسمنت وباقي أساسيات البناء في فترات متقاربة لنصل إلى قلّة وانعدام الطلب بشكل تدريجي على الشراء والبناء، ودخول المواطن في سلسلة الإيجارات والعلاقة غير المتوازنة مع أصحاب العقارات والمكاتب العقارية والتي لا تنتهي بقوانين عصرية لاسيّما وأن مشكلة سوء العلاقة بين المستأجر والمؤجر هي مشكلة أخلاقية بالدرجة الأولى  تكمن في تهرب  المستأجر من دفع ما عليه من مستحقات مالية للمؤجر، أو هروبه من المنزل وبذمته إيجارات متبقية، وطمع المؤجر ورغبته الدائمة في زيادة الأجرة أو خلق مشاكل دائمة مع المستأجر تمهيدا لطرده من المنزل لاصطياد فريسة جديدة.