هل بلغت الإيرادات العامة ألفي مليار فقط رغم نموها بنسب تقارب 100%؟!
دمشق – فاتن شنان
من المؤكد أن تصريح رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس تحت قبة البرلمان أمس الأول حول قيمة إيرادات الدولة التي تحققت في عام 2021: بأن “كافة الإيرادات لا تفي لتغطية الرواتب والأجور للعاملين في الدولة”، أثار تساؤلات عدة حول القيمة الحقيقية للإيرادات المحققة، لاسيما بعد أن أعلنت وزارة المالية في تقريرها السنوي نمو الإيرادات العامة بنسبة 96% في العام الماضي مقارنة بالعام الذي سبقه، أي 2020، فهل فضح تصريح رئيس الوزراء ضآلة ما حققته وزارة المالية من إيرادات ضريبية، رغم تنفيذها عدداً ليس بالقليل من القوانين الضريبية الصادرة مؤخراً؟!.
الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد أكد أن حديث رئيس الحكومة أمر يستحق الوقوف عنده، فالإيرادات المتوقعة لعام 2021 عند إعداد الموازنة كانت بحدود 5016 مليار ليرة، بالتوازي مع عدم وجود رقم دقيق لكتلة الرواتب التي يقصدها عرنوس، والخاصة بالقطاع العام الإداري، وافترض محمد أنها، (مع المِنح التي صرفت خلال عام 2021)، تبلغ نحو 2000 مليار ليرة، فهل يعني ذلك أن ما تم تحقيقه من إيرادات ضريبية وغيرها لا يتعدى ألفي مليار؟! كما تساءل عن قيمة العجز الفعلي في عام 2021، حيث كان المقدر في موازنة 2021 نحو 3484 مليار ليرة.
وبالعودة إلى تقرير وزارة المالية فإن الإيرادات العامة نمت بنحو 96٪ عن الفترة المماثلة للعام الماضي، وهذه الزيادة مردها بشكل أساسي ارتفاع إيرادات الجمارك وحملة مكافحة التهرب الضريبي، حيث قدر ارتفاع إيرادات الجمارك بنحو 180٪، فيما بلغت المبيعات والأرباح المخفاة نحو ألفي مليار ليرة، تم بناء عليها تحصيل ضريبي هام جداً، كما أن الفوائض من مؤسسات القطاع العام الاقتصادي هي الأخرى ارتفعت بنسبة 52٪ عن عام 2020، وفي هذا السياق بيّن محمد أن الارتفاع في إيرادات الجمارك يعود للتحصيل الجمركي، لاسيما مع ارتفاع مستوردات القطاع الإنتاجي، الصناعي والزراعي، حيث شكّلت نسبة 80٪ من إجمالي مستوردات عام 2021 البالغة نحو 4 مليارات يورو، بحسب تصريح معاون وزير الاقتصاد رانيا أحمد، ما يعني، حسب استنتاج العديد من الخبراء، أن تعديل سعر الصرف الرسمي لعب دوراً في حساب قيمة الرسم الجمركي الواجب استيفاؤه.
كذلك يمكن القول: إن تأثير الإنفاق الاستثماري لايزال متواضعاً جداً، إذ إنه متقارب في عامي 2020 و2021، حيث بلغ 1500 مليار في 2020 و2000 مليار في 2021، وهو دون المستوى المطلوب بحسب الأدبيات الاقتصادية، فهي نظرياً يجب ألا تقل عن 45٪ من حجم الموازنة، فيما بلغت نسبة 15٪ من اعتمادات موازنة 2022، وهي الأعلى بالليرة السورية، والأخفض عند تقييمها بسعر صرف الليرة الرسمي، فهي تبلغ 13325 مليار ليرة، أي مرتفعة بنسبة 57٪ عن موازنة عام 2021 البالغة حينها 8500 مليار، إلا أنها في الواقع منخفضة بنسبة 21٪ عند تقويمها بالعملات الأجنبية.
وحول قانون البيوع العقارية رقم 15 لعام 2021، والذي نظّم السوق العقارية إلى حد ما، فقد ساهم بشكل فعال في إيرادات الموازنة العامة، وحسب أحدث تقرير لوزارة المالية، بلغ عدد عقود عمليات البيع من تاريخ 03/05/2021 لغاية نهاية عام 2021 نحو 186 ألف عقد، بقيمة عقارات رائجة نحو 6451 مليار ليرة، وهذا الرقم بحد ذاته يشكّل نحو 50٪ من قيمة اعتمادات موازنة 2022، ونسبة 76٪ من اعتمادات 2021، ولا شك أن الضريبة المستوفاة على هذه الأرقام تشكّل عائداً ضريبياً هاماً للموازنة العامة، ولكن لدى المقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، وهو أحدث رقم إحصائي، وجدنا أن القيمة الرائجة لعقود البيع المنفذة خلال 8 أشهر تعادل 54٪ من الناتج الإجمالي لعام 2019 البالغ حينها 11904 مليار ليرة.
عطفاً على ما سبق، يؤكد محمد أن مكافحة التهرب الضريبي ضرورة حتمية، مترافقة مع ما تعمل عليه وزارة المالية من تحديث القوانين والتشريعات الضريبية السورية، لاسيما مع استصدار قانون الضريبة على المبيعات، وقانون الضريبة الموحدة على الدخل اللذين يفترض أن يبصرا النور بداية عام 2023.