“أطلالنا”.. رواية تبحث في العلاقات الاجتماعية السعودية
الشخصية المحورية في رواية “أطلالنا” امرأة أمريكية تُدعى (روزلي) تعرفت على شاب سعودي، كان يدرس معها في جامعة (تكساس) يُدعى عبد الله، وتزوجته، “حين وصل الاثنان إلى المملكة، في أيلول من ذلك العام، وبعد أن انتهت تأشيرة عبد الله كطالب، أصبحت مهمته أن يجبر العائلة وكلّ فرد فيها، أن ينظروا إليه بعيونهم ويقولوا له: مبارك”.
وعبد الله فقد يده اليسرى، في حادث سباق الخيل، بعد سقوط مؤلم في الصحراء، إذ تدحرج الحصان على يده قبل أن يستوي على قوائمه، ويصبح تاجراً كبيراً من خلال الشركة التي يقودها، وقد عاشت روزلي مع عبد الله أكثر من عقدين، وأنجبت خلالها ولدين، هما: فيصل وهو الولد البكر لها والثانية مريم، وعندما أصبحا في سن المراهقة، نجد أن الحب بينهما قد بدأ يخبو ويفقد بريقه.
لقد أخلصت روزلي لعبد الله، وألزمت نفسها بلبس الحجاب، ومنعت من قيادة السيارة وارتداء العباءة، ومنعت من مجالسة الرجال، كلّ هذا يهون أمام اكتشافها أن لعبد الله زوجة ثانية من أصول فلسطينية، وهذه الزوجة يعرفونها جميعاً بأنها علمانية وقد عاشت في باريس، ووجودها أغضب روزلي لدرجة أنها شدّت شعر رأسها غضباً حين علمت بذلك، وقد قالت لها حين اجتمعتا “جئت لتعرفي كم أنت محتقرة، وأنا أعرف أن هذا لن يضيرك، أن يكرهك شخص بعينه، لكن أريد أن تعرفي أنك سرقت مني الحياة”.
أخرجت غضبها روزلي وفكرت بالهرب من المملكة، فمسألة الطلاق ليست واردة، فقد توفي أبواها، ولم تعد تتذكر قيادة السيارة، ومن سيوظف امرأة في منتصف العمر لا تحمل شهادة من معهد؟ الأكثر من هذا أنها أحبّت هذا المكان القاسي، وأمضت فيه معظم حياتها، فثمة جمالية في إصرار الناس على الحياة، وحين فكرت بالهروب، كان مرشدها (دان) الأمريكي المولد والذي يعمل عند عبد الله، إنه يحبها بصمت، ولكن عملية الفرار ليست سهلة، خاصة وأن طفليها في سن المراهقة، ويتطلبان مزيداً من الانتباه، فابنتها مريم تستهويها الثقافة الغربية، وتخرج في كثير من الأحيان عن التقاليد السائدة، أما ابنها فيصل فقد استهوته التيارات السلفية، فينضمّ إلى مجموعة يقودها الشيخ إبراهيم الذي كان يقاتل في أفغانستان، وهو يجمع الآن بعض المريدين.
تقدّم لنا الروائية الكثير عن الحياة في المملكة من الداخل، بدءاً من علاقة عبد الله مع وسائل إنتاجه إلى حرارة الصحراء الحارقة، وانتهاء بالوسائل التي يتبعها الشبان في مضايقة الفتيات في مولات التسوق.
نثرها مبدع دون أن يكون مبهرجاً، والحبكة تتناول شخصية فيصل بأدوار عديدة، حيث ينخرط هذا الشاب الصغير السن بعلاقة مع الشيخ إبراهيم الناقم على تطور المجتمع، ويتعلّم منه الصغير الأفكار الهدامة المتطرفة، ويهاجم الغرب بلغة خطابية، ويتهمه بالكفر والإلحاد.
حين تقرأ الرواية تشعر بالإحباط، ويصعب التنبؤ هل هو ناتج عن قيود النص عند الروائية أم ناتج عن الحياة المعاشية في المملكة، فهناك بعض المظاهر الجوفاء البعيدة عن روح العصر: الزواج مثلاً يقدم إلينا على أنه تعبير عن حب كبير، هذه الفكرة تبدو بسيطة وساذجة، وخاصة حين يقف الرجال والنساء في مثل هذا الموقف غير المتساوي الذي يعكس ويسوغ الزواج الثاني لعبد الله.
“دان” المواطن الأمريكي الذي يكون على علاقة غرامية مع روزلي، قبل زواجها، يعمل اليوم موظفاً لدى عبد الله.
تقرّر روزلي أن تبقى مع زوجها، لأنها قبلت منذ البداية ثقافته، على الرغم من خيانته لها، إنها تقول: “هو حب حياتي وسعادتي ترتبط به، وفضّلت أن أعيش هذه الحياة المتصالحة على أن أبقى وحدي، إنه رجل طيب”.
عبد الله رجل غني وقوي، ويبدو راضياً جداً، ولكنه يهمّش دور المرأة التي تخلّت عن كلّ شيء لتكون معه: حرية القيادة، ارتداء الجينز، عدم مجالسة الرجال، لقد تخلّت عن حريتها، وعن الطلاق لتبقى وترى طفليها.
تنتهي العلاقة بين روزلي وعبد الله إلى الصدق والتصالح، وهي لم تعد غاضبة، ولكن عبد الله لم يعد مرتاحاً مع مبرراته الذاتية، وفيصل يختار أن يصالح الجميع، ولكن هذه المصالحة لا تنتج عائلة أنموذجية، ولا تنتج أي قرار يضع حداً للصراع بينهم.
تعمل الكاتبة بهذه الأمور المعقدة، وبهذه الرؤية العميقة، لأنها تكتب من وحي التجربة، فقد أمضت اثني عشر عاماً من حياتها على أرض المملكة، قبل أن تنتقل إلى تكساس، والصراع الذي تشعر به هو الإنجاز بعينه الذي حقّقته الرواية في وصفها للعائلة التي نصفها أمريكي ونصفها الآخر سعودي، فالكاتبة تجبر القارئ على فهم المجتمع السعودي وقبوله، والشخصيات تعيش في أكثر من موضع نوعاً من الجنون، ولهذا نجد اختلاط الواقع بالخيال، وتتزاحم الصور في أذهان الشخصيات لدرجة يصعب فك الارتباط بين الماضي والحاضر، وبين الحلم والحقيقة!.
في المطار، يد فيصل تصافح الجميع، تلك هي المرة الوحيدة التي يغادر فيها المملكة وحيداً، بدل ثوبه ليرتدي بنطالاً وقميصاً أبيض، ومغادراً إلى مطار جورج. دبليو بوش الدولي، يتذكر فيصل قول الإمام سعد في المسجد: “المسلمون في تعاملهم مع بعضهم ومع الآخرين، يجب أن يظهروا كالشمس التي تشرق وتزيل الظلام”.
*”أطلالنا” رواية كتبتها كايا بارسنين وترجمها محمد إبراهيم العبد الله، والناشر وزارة الثقافة السورية، الهيئة العامة للكتاب، دمشق 2019.
ولدت كايا بارسنين في مدينة (الخبر) في السعودية عام 1981، وهذه الرواية هي الأولى التي كتبتها كايا، وهي الآن أستاذة جامعية تدرس الأدب الأمريكي في جامعة تولسا في ولاية أوكلاهوما، وكتبت رواية أخرى، بعنوان: تفكك الرحمة.
المترجم: محمد إبراهيم العبد الله، مترجم سوري حاز على الإجازة في الأدب الإنكليزي من جامعة حلب، وهو رئيس اتحاد الكتّاب العرب في حلب، له من الأعمال: الحداثة والأخلاق- قصص من الأدب العلمي- الصدع رواية دوريس ليسينغ.
فيصل خرتش