ثقافةصحيفة البعث

حماية حقوق المؤلف لدعم الإبداع والابتكار والتطوير

أثار د. جورج جبور في محاضرته التي ألقاها في المركز الثقافي (أبو رمانة) مسألة قديمة جديدة، وهي مسألة سرقة الإبداع أو اقتباسه أو استلهامه أو ما أشبه، وحقوق الملكية الثقافية أو حق المؤلف. وأوضح في البداية أن اهتمامه بموضوع حقوق المؤلف إنما هو وليد سنوات ماضية طويلة ويعود الفضل في ذلك إلى اتحاد الكتّاب العرب الذي دعاه لإلقاء محاضرة عن الملكية الفكرية في ربيع عام 1974. وهي مسألة مازالت  تثار بين وقتٍ وآخر في أوساط متابعي الفكر والثقافة، وقد أصبحت واضحة وجليّة لدى كل من يعمل بشؤون وشجون الفكر.

ورأى جبور أن السارق أو المُقتبس أو المستلهم يشعر في أحيان كثيرة بمزيد من الرضى عن نفسه، ولاسيما حين لا يوجّه إليه إصبع اتّهام، في الوقت الذي يشعر به المبدع المسروق أو المقتبس أو المستلهم، حين يرى غيره يدّعي ما يراه ملكاً له بحسرة كبرى قد تقوده إلى المحكمة أو إلى التعريض بمن أخذ عنه بكل وسيلة يراها في إمكانه، كما أنها قد تقوده في أحوال قاسية إلى اليأس من الإبداع. وأشار جبور إلى أن للعرب في تاريخهم الفكري الطويل خبرة كبرى في هذا المجال، وهي إشارة بليغة إلى قدم المعاناة العربية في هذا الصدد، ووجد جبور أن أعظم شاعر عربي وهو المتنبي، ما يزال كثيرون يبحثون في سرقاته حتى يومنا هذا، مستفيضين في تلك المواجهة السّاخنة التي اشتهرت عن رائعته “واحرّ قلباه” ومضيفين إليها، وهو أول من طالب في تاريخ الإنسانية بإصدار قانون يصون حقوق المؤلف في بيت شعره الذي بدا وكأنه صياغة قانونية لحقوق المؤلف:

أجزني إذا أنشدت شعراً فإنما   بشعري أتاك المادحون مرددا

صيانة حقوق الملكية الفكرية

وبيّن جبور أن حقوق المؤلف جاءت نتيجة التطورات التقنية الكبرى التي يمرّ بها العالم ومنه الوطن العربي، وقد تشعّبت إلى ما يطول حصره من فروع منها حقل الكتاب تأليفاً وترجمةً، وقد تزايد الاهتمام العربي به برأيه نتيجة ما يشهده الوطن العربي من تقدّم فكري يوجب بذل المزيد من العناية بصيانة حقوق الملكية الفكرية، على الرغم من أن بعضهم يراها تضع الحواجز والعراقيل أمام انتشار المعرفة، وأنها تمثل رغبة العالم المُتقدّم في احتكار المعرفة حفاظاً على هيمنته المعرفية، وأنها نوع من الابتزاز الذي تمارسه دول متقدمة على دول لا تزال في طور النمو، إلا أن الأمر برأي جبور على درجة من الأهمية والوضوح بحيث لا يسمح لهذه المعاذير أن تمتد وتصمد.

تشجيعاً لروح الإبداع

أشار د. جورج جبور إلى أن حماية الملكية الفكرية تعني أن يكون صاحب الفكرة أول من يقطف ثمارها، سواء أكانت هذه الفكرة كتاباً أو فيلماً أو مقطوعة موسيقية أو ابتكاراً صناعياً أو كيميائياً، وأن هناك أشكالاً دارجة من حماية الملكية الفكرية مثل براءات الاختراع، حقوق النشر، العلامات التجارية، التصاميم الصناعية وهي أشكال مشمولة بحماية قانون الملكية الفكرية غير الكافية برأيه، في ظل التجاوزات الصريحة نتيجة غياب الوسائل الناجعة لمنعها. وأوضح جبور أن حماية الملكية الفكرية ليست مجرد خدمة للآخرين، بل هي قضية مهنية قبل أن تكون وطنية، ووطنية قبل أن تكون إقليمية، وإقليمية قبل أن تكون عالمية، إذ لا يمكن أن يستمر الإبداع والابتكار في أي مجال ما دام هناك من يقتلهما بسرقة جهود المبدعين، مؤكداً أن هذه الحماية لا تعني حجر المعرفة أو احتكارها، بل تعني أن يكافئ المجتمع مبدعيه باحترامهم وإكرامهم وإتاحة الفرصة لهم ليقطفوا ثمار ما نذروا تفكيرهم ووقتهم وربما أموالهم من أجله، وأي اعتداء عليها هو إخلال بأداء حقوقهم لهم. ومن هنا تأتي أهمية حماية الملكية الفكرية في أنها تدعم الإبداع والابتكار والتطوير، ذلك أن الحفاظ على حقوق المبدعين هو بمثابة حصانة وتشجيع لهم وتشجيع لروح الإبداع في المجتمع من جهة ثانية، متسائلاً: كيف تكون حماية الملكية الفكرية ضد احتكار المعرفة أو على الأقل في مصلحتها؟ مبيناً أنه في المجال الضيّق (المهني أو الوطني أو الإقليمي) تشكل حماية الملكية الفكرية حافزاً ضد احتكار المعرفة، ذلك أن انتشار هذه المعرفة ينعكس إيجاباً على منتجها بشكل معنوي ومادي في آن واحد، أما في المجال الواسع (الدولي أو العالمي) فإن حماية الملكية الفكرية برأيه هي إحدى دعامات الاحترام المتبادل بين الشعوب والدول، وهي تشكّل كسراً لطوق احتكار المعرفة في ناحيتين: الأولى: إن انتشار هذه المعرفة ينعكس على الدول والشعوب المنتجة لها، والثانية: إن هذا المردود الإيجابي يكون حافزاً للشعوب المستهلكة للمعرفة لكي تنمي وتطور قدراتها ومعارفها وتنتج بدورها معرفة تكفل لها مردودها إيجابياً، وهذا يعني انتشار المعرفة لا استهلاك ما تنتجه دون فهمها، لذلك يبدو لنا أن حماية الملكية الفكرية واجب حثيث على الفرد والمجتمع والدولة والأمة، ويمكننا تحقيقها من خلال ثقافة الاحترام وتفشيها بين الأفراد، إضافة إلى وضع قوانين ناظمة من جهة، وقوانين رادعة للتجاوزات من جهة أخرى، أما إهمال هذه الحماية فيعني برأيه ضمن ما يعنيه قتل الإبداع.

أدبيات

رأى د. جورج جبور أن أدبيات حقوق الملكية الفكرية مازالت غير موجودة بشكلها الصحيح في سورية وهذا شأن يجب تلافيه، مؤكداً على دور الهيئات المهنية- نقابة الفنانين واتحاد الكتّاب العرب واتحاد الصحفيين- في التصدي لكل التجازوات التي تحاول انتهاك هذه الملكية، منوهاً بوجود جمعية حماية الملكية الفكرية غير الحكومية والمعتمدة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والتي أشهرت عام 2005 وقد تعاقب على إدارتها أسماء مهمة مثل المحامي ربيع خشانة وأ. عدنان سالم والتي توقف نشاطها مع بدايات الحرب على سورية، داعياً إلى ضرورة تنشيطها مع إشارته إلى أن قانون حماية الملكية الفكرية صدر في سورية عام 2001 ولكنه لا يدري حجم الدعاوى التي أقيمت بظله في هذا المجال، منوهاً بأهمية هذا القانون وضرورة الاستفادة منه، وخاصة في الجامعات السورية التي تكثر فيها الأبحاث، مطالباً بوجود تعريف به ضمن مقررات الجامعة. كما سلّط جبور الضوء على كراسه –ثقافة حقوق المؤلف- الذي نشره عام 2013 بمناسبة يوم الملكية الفكرية الذي قرّرته المنظمة العالمية للملكية الفكرية يوم 26 نيسان وتحتفل به سورية، لخص فيه واقعة جرت معه تختصر واقع الحال على صعيد السرقات وحقوق المؤلف، متحدثاً في الوقت ذاته عن الكثير من الحكايات الدولية حول حقوق المؤلف.

أمينة عباس