الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

فضاء بلا قيم

سلوى عباس

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك – تويتر – انستغرام.. إلخ  من هذه المسميات) سلاحاً ذا حدين، فهي ذات قيمة إيجابية عندما نستخدمها على نحو جيد، وسلاحاً فتاكاً ومخرباً ومدمراً إذا ما استخدمناها على نحو سلبي، عبرها يمكننا التواصل مع أصدقاء من كل أنحاء العالم، وتحديداً الفضاء الأزرق “الفيسبوك” الذي اعتبرناه في لحظة من اللحظات هامشاً لحرية التعبير التي كانت عنواناً لإطلاقه، وهناك من استثمر صفحته الخاصة، كنوع من الطيران خارج حدود الجغرافيا الضيّقة التي كنّا محكومين بها جميعاً، لكن ما أدهشنا أكثر أن هذا الفضاء أصبح فضاء للهذيان والثرثرة والادّعاء والتعالم والتفاصح، بدلاً من أن يكون جسراً حقيقياً لثقافة حقيقية، وأصبح هذا الفضاء كتاب العصر ومصدر معلومة لدى كثيرين، فأفرز الكثير من الأقلام المجانية والأفكار المسطّحة، ليس الجميع يحسنون توظيفه والتعامل معه، فالأغلبية من خلاله أصبحوا شعراء بألقاب متعدّدة؟ وكثير من هذه الكتابات التي تتخم بعض الصفحات بأوهامها لا يثير أي إحساس أو أثر في روح القارئ، وقد كُتبت الكثير من المقالات التي ترمي إلى إنقاذ أرواح هذا العالم من ماديته ومتاهاته، تنقذ بعض سكان هذا الفضاء الأزرق من توهمهم بأن ما ينثرونه في ذاك الجزء من صفحاتهم ينتمي إلى الشعر أو النص الأدبي، وهو لا يمتّ للأدب بصلة، وليت الأمر اقتصر على هذه الأقلام بل نشأت عبر هذا الفضاء الافتراضي مؤسّسات وهيئات تمنح شهادات الدكتوراه المجانية وشهادات التقدير على خربشات قدموها تحت مسمّى الشعر أو الأدب، وهي ربما لم تتجاوز حلماً رأوه في نومهم، وأخذوا يعتمدونها ألقاباً لهم وكأنها مقدمة لهم من أكبر الجامعات!

والاستخدام الأسوأ لهذا الفضاء يتمّ عبر الإشاعات التي أخذت تتناثر هنا وهناك، وباتت تشكّل حالة من النفور لدى الناس، فلا يمرّ يوم إلا ونسمع خبراً عن موت إحدى الشخصيات الفنيّة أو الأدبيّة أو الإعلامية، ويصبح من تُطلق عليه الإشاعة متلقياً عاديّاً قد يقرأ خبر طلاقه أو زواجه أو موته أو أي خبر مفبرك عنه في الصحف أو يسمعه من أي وسيلة أخرى، ويبقى مصدر الإشاعة مجهولاً دون التأكد من صحة المصدر، ثم يتمّ تكذيب الخبر من قبل أهل الفقيد أو أصدقائه أو عبر بثّ تكذيب بتسجيل صوتي لتلك الشخصية، ولعلّ أكثر الأخبار الكاذبة التي تنشر هي أخبار الموت، حيث أشيع موت الفنان دريد لحام لمرات عديدة وانتشرت على موقع الفيسبوك الكثير من مقالات الرثاء له ومن شخصيات موثوقة نعته واستحضرت لحظات عاشتها معه، وبعدها بلحظات انتشرت أخبار معاكسة كذّبت الخبر، وآخر من تناولتهم الإشاعة الإعلامية ماريا ديب التي أعلن خبر وفاتها وتناقلت الخبر صفحات موثوقة ليتمّ تكذيب الخبر، وكأن من يطلقون هذه الإشاعات يتقصدون اختيار شخصيات لها حضورها الأدبي والفني والإنساني قبل كل شيء.

السؤال الذي يحضر هنا: كيف يخطر لمن يروّجون هذه الإشاعات أن يفبركوا مثل هذه الأخبار، ولماذا يتسلّون بالموت الذي يحاصرنا عبر حرب مريرة تجاوزت السنوات العشر، والذي أصبحت حروفه طوقاً من فجيعة نتوجّسها، فكل يوم يرسم لنا موعداً؟!، وكل يوم تقريباً يغادرنا مبدع، أو نفتقد عزيزاً، فلماذا تستعجلونه؟ هل أصبحت حياة الآخرين مشاعاً مستباحاً وبلا قيمة من قبل فضاء بلا ضفاف ولا معايير تحكمه؟.. وأنتم يا من تطلقون هذه الإشاعات اتقوا الله بهؤلاء المبدعين الذين تتناولونهم بأخباركم الكاذبة، دعوهم يعيشون حياتهم بسلام بعيداً عن ضيق الأمكنة التي تحاصرونهم فيها ليروا أنفسهم مرميين على ضفاف عبثية الحياة، حيث تضيق أرواحهم عن تصديق فكرة أن هناك من يستسهل فكرة موتهم.