قراءة في المجموعة الشعرية “حرف من نرجس”
يقول الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار: الكتابة المبدعة إمكانية كل امرأة لأنه فعل أنوثة.
من خلال قراءتي للمجموعة الشعرية (حرف من نرجس) للشاعرة إلهام ملحم الصادرة عن دار ليندا للطباعة والنشر، وضمّت بين جوانحها ٤٩ قصيدة من الشعر العمودي، فالمرأة تمتلك الموهبة والإمكانيات التي تجعل منها قادرة على بث شعرها ومشاعرها في جنس أدبي متميز، فالإبداع يعتمد على إحساس التعبير الجاد الخفي والمعلن نتيجة الصراع الداخلي، وهو ما يجعل المرأة الأقدر على التعبير لشدة إحساسها ورقة تعبيرها عن قضاياها وهمومها ومشاعرها الدفينة، والشاعرة إلهام كتبت النص العمودي الذي تبثّ فيه مكنون عواطفها ووجدانية الحدث بكل أشكاله وزمانه، فقد أخذت البعد الأنثوي للقصيدة بخصائصها اللغوية ومقوماتها البلاغية وفي قصيدة (مؤاطرة الإحساس) تقول الشاعرة:
مؤطرة الإحساس في وله كما/ يؤطر عطر زهر روض التعلل
تنادي لأطياف تهادت بقلبنا/ صدى حصد الأقماح فيها بمنجل
من الواضح أن الشاعرة متمرسة تدرك كنه الألفاظ والكلمات التي تبثها في نصها مع جزالة المعنى وجمال الصورة، وقد استخدمت إيقاعاً خاصاً باقتناص فني للصورة وللمشهد الشعري من خلال تعبيرها المباشر، ولما تعانيه الذات ومقاربة دلالاتها والتعرف على تقنية النص وأبعاده الفكرية والإيديولوجية، واستخدمت التكثيف لاستنطاق تراكيب مكونة من علامات لغوية دالة لتنسج القصائد على شكل حكاية مكتملة العناصر. وفي قصيدة بعنوان “عيون القلب” تقول الشاعرة:
فإذا النجوم تقاطرت في منزل/ تمضي بإرباك اللحـــاظ فتعثر
ما كان يوماً في الغرام مقامراً/ من ضم جيدك والشفاه تثرثر
نجد إيحاءات الحب، فقد انتهجت فيها الشاعرة الأسلوب الفريد لتحريك ألفاظ النص لتتراقص موسيقاه بعيداً عن الرتابة، مع إضفاء فيض من الحيوية والنبض والحياة لتبث روحاً جديدة. تحاول الشاعرة أن تعبّر عن إرهاصات شعرية وجدانية وما تحمله من خلفية ثقافية وإحاطتها بالفنون كالرسم والموسيقى، ويظهر ذلك من خلال التناص الظاهر في مفردات نصوصها الشعرية مضمخة بعبق التاريخ تاريخ الأمكنة. وفي قصيدة بعنوان “مناجاة” تقول الشاعرة:
قد سارت الأقدار سير لواعجي/ غصني انحنى في وجهة لهوائي
قلبي المتيم بالتقى رام الهدى/ لا عاش يكويــــه الجوى بجفائي
عندما يصبح العشق ظلاً عابراً ومحراباً يتعطر طيباً يخالط ماء الشعر فيولد من نسيم العشاق دواوين شعر وأهزوجة طفولية، فيصبح القلب من نرجس ويعبق بعبير الأقحوان ومن قصيدة “رثاء ابني” تقول الشاعرة:
قد دعوت الله يارب البرايا/ لاحتواء الروح في خلد الجنان
ذا صليل في نواة للخلايا/ في اغتراب من مدى دهري رماني
يازماناً عله يمشي هوينا/ في فراق جاء موهون الثواني
دارت الأيام فينا إذ شربنا/ كأس حرقات وفرت بالأماني
هنا يبدو الوجع والألم كبيراً، فكيف هي الأم التي فقدت ابنها وبكت على عتبات الذكريات الموجعة، فجاءت القصيدة من صميم الروح، وقد عبرت من خلال مفرداتها وإحساسها عن كل أم ثكلى وعن الشهيد الذي لم يغب من الذاكرة.
الشاعرة حاولت من خلال قصائدها أن تطبع بصمتها الخاصة من خلال القصائد المركبة التي تعكس الواقعية التي تعيشها من حب وغربة وحزن وقلق، والباحثة عن الحب في شعرها العمودي الذي جاء بسلاسة وإنسيابية متقنة، وقد عبّرت عن محيطها ومجتمعها الذي هو جزء من الإطار الزماني والمكاني الذي كتبت فيه هذه النصوص، فهي بمثابة رسائل مضمونة الوصول للحب كما جاء في قصيدة “مناسك الحب” حيث تقول الشاعرة:
كن لي بمحراب الهوى متعبدا/ يهوى من السلطان نبل ولائه
لمناسك الحب الشغوف فروضه/ عطر يضوع ببائه وبحائه
وفي قصائدها تبحث عن الخصوصية بصقل مرايا الواقع وإيصال رسالة إنسانية ووطنية من خلال الشعر والصرافة الفنية للقصيدة، وفي قصيدة “تشرين الشام” تقول الشاعرة:
سجل أيا زمناً باتت قياصرة/ فيه بمسخرة والكل يستتر
كل البلاد وصيفات بمملكة/ شامي مليكتهن أقراطها الدرر
قصيدة وطنية زرعت فيها الياسمين وذكريات البيوت بكل تفاصيلها والذكريات المعلقة على جدار المجد والعزة، وقد لاحظت التكرار في بعض المفردات مثل (البوح، الهوى، الجوى) هو تكرار متعمد في المجموعة مرده الإيقاع السريع للألفاظ والكلمات مع كثافة الصورة.
“حرف من نرجس” جملة تنساب بين شفاه القوافي، تبحر في صدر البيت وتعرج في عجزه، هناك كمّ هائل من المشاعر المدفونة بين دفتي الكتاب، فقد أخذت من هندسة الشاعر الروحية في بناء نصها وإعطائه روحاً إنسانية وأوصافاً أخرى حسية، وقد تباينت معايير نصوصها من خلال إضفاء فيض من الحيوية والنبض والدهشة، وفي قصيدة “حرف من نرجس” تقول الشاعرة:
يهدهدني قصيدك يا جميل/ بنظم حروفه عاد الخليل
بأشعار القدامى إذ تجلت/ حروف الدر في البحر الوكيل
ويطربني بموسيقاه لحن/ فيأخذني لدنياك السبيل
مجموعة شعرية تستحق القراءة والغوص في أعماقها.
هويدا محمد مصطفى