وسط انشغال “حماية المستهلك” بالبطاقة الذكية.. الغش يصل لحليب الأطفال..!.
بينما لا تزال وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تغرق في حساباتها لجمع الشرائح المستبعدة من الدعم الحكومي، تكاثرت وانتعشت ظاهرة الغش التي لم تسلم منها أية سلعة، ليتفوق تجار الأزمة خلال الفترة الماضية في التفنن والتحايل والنصب بتصنيع السلع وبيعها للمستهلك المُدعوم والمُستبعد على حد سواء، إذ “يُنصف” هؤلاء التجار جميع شرائح المجتمع في غشهم هذا الذي وصل إلى حليب الأطفال دون أدنى شعور بالمسؤولية من مُصنعي هذه المادة وبائعيها الذين لم يبالوا بتهديد أحد المواطنين لهم بشكوى وجهها إلى مديرية حماية المستهلك حول المتاجرة بالحليب المغشوش وبيعها علناً وهي تحوي الطحين والنشاء أكثر من الحليب، وبين رد صاحب المحل له “إيدك وما تعطي”، وعدم تمكّن المديرية من ملاحقة جميع المحال في الوقت المناسب والمطلوب، استفحل هذا المرض وبات وباءً من المستحيل التخلّص منه حالياً وسط الدوامة التي تتخبّط بها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وتجر معها المواطن إلى الدرك الأسفل!
المواد الغذائية أولاً
الحاجة والقلّة وضعف الأجور تدفع بأغلب شرائح المجتمع للبحث عن السلع الرخيصة التي تفيض بالغش أكثر من باقي السلع، إذ لم يكتفِ صنّاع السلع الاستهلاكية بالغش في الأجهزة والأدوات الكهربائية والأدوات والمفروشات والمحروقات، بل وصلوا إلى شتى أنواع الأغذية التي شملت الزيوت والألبان والأجبان والمعلبات والكونسروة وغيرها من الأغذية التي تحمل معها الأمراض إلى أجساد المواطنين ممن وصلوا إلى عيادات الأطباء والمشافي بعد تسممهم من تناول تلك الأطعمة دون أي ضابط أو رادع قانوني في ظل هذه الفترة الحرجة!
ولم يُخف أحد العاملين في مديرية حماية المستهلك تجاوز الضبوط التموينية خلال الأعوام السابقة مئات الآلاف، إلّا أن التعامل معها اختلف تبعاً للفترات التي نُظّمت فيها، خاصّة وأنّ الكثير منها كان يتم التغاضي عنها بسرعة وإعادة فتح المعمل أو المحال التجارية لأسباب باتت معروفة للجميع، مشيراً إلى أن الضبوط كان يغلب عليها الغش في تصنيع المواد الغذائية خاصّة في مناطق الأرياف البعيدة عن العين، إضافة إلى ضبوطات اللحوم المعدة للاستهلاك البشري، التي هي عبارة عن لحوم فاسدة منتهية الصلاحية، ناهيك عن حالات الغش في الألبان والأجبان المنتهية الصلاحية أو غير المراعية للشروط الصحية نتيجة سوء التصنيع والتخزين، كذلك وصل الغش إلى تعبئة المياه من الآبار العادية وطرحها في الأسواق على أنها مياه معدنية من الينابيع المعروفة، لتتصدّر بذلك المنتجات الغذائية المحلية والمستوردة قائمة التلاعب بالمواصفات والغش بتصنيعها!.
قوانين رادعة
وتشير تصريحات مديرية حماية المستهلك خلال العامين الماضيين إلى تجاوز نسبة الغش في الأسواق السورية ال80%، وتتفوق اللحوم والحليب والألبان والعسل على باقي السلع الغذائية، يليها الغش في الأدوات الكهربائية المُصنّعة محلياً والمستوردة، ولعلّ آخر صيحات الغش كانت ما صرّح به وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك منذ أسابيع بلجوء البعض للغش في صناعة الزيوت النباتية مما ينتج عنها مواد سامة، و لم تقتصر الضبوط التموينية على المنتجات المحليّة لتتعداها إلى المستوردة المخالفة للمعايير والمواصفات القياسية، أو المنتهية الصلاحية والتي لم تعد تنتشر في مناطق العشوائيات بل باتت تُباع علناً في جميع المناطق والمحال التجارية، وعلى الرغم من تأكيد المديرية مراراً وتكراراً بقيامها بتوجيه دوريات الحماية وتشديد الرقابة على جميع السلع الأساسية المتعلقة بمعيشة المواطن اليومية حيث تم اعتماد نظام المجموعات بتغطية الرقابة على الأسواق، ومطالبتها المواطنين التأكد عند شرائهم لهذه المنتجات رخيصة الثمن و عليهم الإبلاغ عن أي مخالفة تصادفهم إلّا أن الواقع لا يزال يشي بتكاثر حالات الغش فحجم العمل يتطلب عدد أكبر من العاملين في مجال الرقابة و التفتيش، خاصّة وأن عدد كبير من تجار الأزمة استفادوا خلال الفترة السابقة من إجراءات وسياسات اقتصادية معيّنة لإدخال بضائع مغشوشة وغير نظامية فائضة عن مصانع ومعامل خارجية، لكنّها تمثّل صفقات رابحة وبجدارة لهذه الشريحة.
الربح الشخصي
عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها عامر ديب أكد أن الغش والتلاعب اليوم لم يعد حكراً على السلع بل تعداه إلى كل ما يتعلق بمعيشة المواطن، حيث يجري التلاعب في معايير ومواصفات جميع المنتجات المحلية على حد سواء وصولاً إلى الدواء المحلّي غير الفعال كالمستورد، إضافة إلى استيراد السلع الغذائية ذات النخب الرابع وتُباع على أساس النخب الأول، مؤكداً أن أكثر من 70 % من السلع الغذائية المستوردة والمحلية مغشوشة وتُباع بأسعار مرتفعة، لافتاً إلى عدم التزام التجار بالشروط الصحيّة التي سببت تفشي أمراض خطيرة في مجتمعنا والتي تُصيب الأطفال أكثر من غيرهم كون الغش يطال غذائهم وحليبهم إضافة إلى “البسكويت والعصير والشيبس” أكثر من باقي السلع كونها تحقق ربح كبير ومستهلكة بشكل أكبر من باقي السلع، فالهدف الأساسي للتجار اليوم هو تحقيق الأرباح الشخصية على حساب احتياجات المواطنين، إذ تتجاوز نسبة ربح التجار من مبيع أي سلعة 90% وهذا ما يفسر التضخم المتزايد، وتحدث عضو مجلس الإدارة عن أهمية المرسوم رقم”8″ المتعلق بعقوبات التلاعب والغش بمواصفات السلع فتنفيذ المرسوم هو الضامن الحقيقي للمستهلك، وهذا يتطلب التعاون بين وزارة الاقتصاد وضبطها للمواد والسلع المستوردة ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في ضبط مخالفات المنتجات المحلية وتطبيقها للمرسوم “8” وإلزام الصناعيين والتجار بالالتزام بالمواصفات والمعايير والمقاييس الموضوعة، الأمر الذي يغفله هؤلاء التجار من خلال بحثهم عن السلع الرخيصة لتحقيق الربح بغض النظر عن الفعالية وهذا ما لمسناه مؤخراً في صفقات استيراد ألواح الطاقة الشمسية ذات الأنواع الرديئة، فالعقلية بالتعامل التجاري واحدة عند الجميع للأسف.
بلغة الأرقام
هاني ملحم رئيس الضابطة التموينية في ريف دمشق أكد تكثيف عمل الدوريات خلال الأسابيع الماضية، لا سيّما خلال موجة الصقيع التي ازدادت فيها المخالفات المرتكبة، وتحدث ملحم بلغة الأرقام عن الضبوط التموينية التي تجاوزت الـ 8500 ضبطاً العام الماضي متنوعة بين غش في الصناعة أو تغيير تاريخ الإنتاج أو مرتجعات يعاد تصنيعها، ووصل عدد ضبوط المواد المنتهية الصلاحية إلى 290 ضبطاً، كذلك تجاوز عدد ضبوط المواد المهرّبة والمجهولة المصدر 190 ضبطاً أغلبها ألبان وأجبان ومشروبات طاقة، إضافة إلى 180ضبط لعدم توفر بيانات أو مواصفات للمواد، بينما بلغ عدد ضبوط الأفران 500 ضبطاً متنوعاً بين نقص الوزن أو سوء الصناعة أو عدم التقيد بأوقات العمل وعدم تصنيع كامل المخصصات بقصد الاتجار، كما بلغ عدد ضبوط الاتجار بالدقيق التمويني 28 ضبطاً و81 ضبط اتجار بالخبز التمويني، أما ضبوط المحروقات فقد وصلت إلى 380 ضبطاً بمحطات ومراكز وخزانات المحروقات و112 ضبط اتجار بالمحروقات، إضافة إلى 603 ضبط إغلاق بحق محلات وفعاليات.
استنفار وتأهب
رئيس الضابطة التموينية أكد استمرار عمل المديرية كالسابق، نافياً ما يُشاع حول انشغال حماية المستهلك بالبطاقة الذكية وتوزيع الدعم على حساب باقي القضايا والواجبات، حيث وصل عدد الضبوط خلال الشهر الأول من هذا العام إلى 550 ضبطاً يشمل الغش والتدليس منها 15 ضبطاً لمواد منتهية الصلاحية، إضافة إلى 25 ضبطاً لعدم وجود مواصفات أو بيانات للمواد المطروحة، فيما تجاوزت ضبوط الأفران 30 ضبطاً خلال الشهر الماضي منها 22 ضبطاً خلال موجة الصقيع التي تفاقمت فيها التجاوزات بعدم تصنيع كامل المخصصات بقصد الاتجار، وأكد ملحم على عدم تساهل القضاة في التعامل مع هذه الضبوط ومرتكبيها لتصل العقوبات إلى الحبس والغرامات المالية والإغلاق لمدة 6 أشهر ثم الإغلاق بشكل نهائي في حال تكررت المخالفة، لافتاً إلى تكثيف الدوريات خلال الشهرين الماضيين واستنفار المديرية خاصّة فيما يتعلق بالمخابز والمحروقات التي يتم التلاعب فيها بشكل كبير حالياً، وأكد رئيس الضابطة على أن المخالفات والغش والتدليس في التصنيع يكثر في الريف لامتداده على مساحة واسعة وانتشار ورش غير مرخصّة فيه، وتحاول الدوريات ضبط الغش وتلك الورش والمعامل المخالفة قدر المستطاع.
بالمختصر، دائماً “يتحفنا” المعنيون بكم كبير من الأرقام للدلالة على عملهم لكن للأسف الواقع غالباً ما يكون عكس ذلك، فمتى تقترن الأقوال والأرقام بالفعل الحقيقي على الأرض؟!
ميس بركات