ثقافةصحيفة البعث

شروق سلوم: أعطي دروس المسؤولية بالحياة من خلال دروس الرسم

الاجتهاد واجب مقدّس حين يكون المستهدف هو الطفل، فكيف إن كان مضافاً إليه درب الفن، الفن الموجّه للأطفال وتنمية مواهبهم وصقلها بالتأكيد مليء بالوقفات الجميلة، كيف لا والطرف الآخر في هذه المعادلة هم أصحاب البراءة والخيال البكر.

الفنانة شروق سلوم جمعت بين موهبة الرسم والتعامل مع خامات اللوحة الفنية، وبين التعاطي مع الأطفال وتدريبهم والعناية بمواهبهم الفنية الغضة، فكان لـ”البعث” هذا الحوار معها.

“عشتار تبدع”

بداية تحدثت الشابة شروق سلوم عن موهبتها بالقول:

تلمّست أولى خطوات الرسم منذ طفولتي، أذكر بعمر الخمس والست سنوات كنت أراقب برامج الأطفال على التلفاز وأدقق بتفاصيل اللون والشكل، وبدأت بمحاولة نقلها على الورق والتدرّب الذاتي من أجل الحصول على شكل طبق الأصل مع شاشة التلفاز، من هنا كانت البداية، ثم برز وجودي في المدرسة بنشاطات الصف والريادة في الرسم خلال المرحلة الابتدائية، واستمر الاهتمام من قبل أهلي والمدرسة حتى صفوف المراحل الإعدادية والثانوية والمشاركة بعدة نشاطات مميزة لمنظمة طلائع البعث، وبعدها انشغلت بالحياة الجامعية والعمل وانقطعت عن الرسم مدة أحد عشر عاماً، وبعد أزمة نفسية وصلتني علبة ألوان هدية وطلبوا مني أن أبدأ من جديد. فكانت أولى محطاتي الفنية البارزة في معرض “عشتار تبدع2” في بانياس مع الفنانتين رولى أسعد وميس مصطفى، وتوالت بعدها عدة معارض في بانياس، وثم ملتقى “جرح وطن” في المتحف الوطني باللاذقية مع الفنان إسماعيل توتنجي، وملتقى “بسمة وطن” وعدة معارض مختلفة جماعية في طرطوس وبانياس واللاذقية، والعمل التطوعي في الرسم مع الجمعيات الخيرية، تعليم الرسم مجاناً ورسم جداريات ذات محتوى معيّن مجاناً أيضاً، وبعد الكورونا عدة معارض إلكترونية على الفيسبوك.

تجربة مميزة

وتابعت بالقول عن مهنتها كرسامة:

وإضافة لعملي بالرسم تطوعياً ومهنياً اتجهت لتعليم الرسم لكافة الأعمار، من عمر ثلاث سنوات إلى 46 سنة، كانت تجربة مميزة وبدأت بها مصادفة عندما طلب أحدهم مني أن أدرّس ابنته الرسم، فوضعت منهاجاً لكل يد بعد اختبارها، ومراحل معينة لتطوير اليد الموجودة أمامي، وأصبحت أتمرّن بوجودهم وأكتسب خبرات تنعكس في أدائهم المميّز في كافة أنواع الرسم حيث أدرّبهم على كل المواضيع، والطالب يختار محوراً خاصاً به، إن كان فن رسم الوجوه أو لوحات الطبيعة الصامتة أو الحبر أو نقاط الفرار أو اللوحات التعبيرية.. الخ، ومن أهم أسس التعليم لديّ الجدية وفرط الجدية في تعليم الرسم كأنه مادة أساسية كالرياضيات أو اللغة.

بنظري، الرسم ليس تسلية وأنا صارمة جداً وحادة مع طلابي في حال الخطأ، أحاول أن أعطي دروس المسؤولية بالحياة من خلال دروس الرسم، والتسلية مرفوضة عندي رفضاً قاطعاً وأرفض الطالب الذي يعتبر الرسم مضيعة لساعة وقت كترفيه.

وتفاجأت بمستويات الأطفال العميقة، جميعهم مبدعون ويتطوّرون بسرعة هائلة لشغفهم القوي بتعلم كل جديد، نحن أمام جيل ذكي جداً، ومن خلال تلاميذي رأيت اهتمام الأبوين في تعليم أبنائهم الرسم لما له –بنظرهم العميق- من فائدة في ترتيب الروح والذات كأناقة تناسق الألوان والخطوط، وكذلك تعليم الصبر للطفل السريع أو تعليم تخفيف التوتر عن طريق كورس رسم الماندالا والزينجل، الرسم يعطي ذوقاً رفيعاً بالحياة وتميّزاً عن باقي الأفراد، أحببت نظرة الأهالي لهذه الفكرة ودعمهم الواضح لممارسة الرسم بكافة مجالاته.

حصة الرسم

تبقى مشكلة الاهتمام بالفن من أهم ما يعترض أي فنان شاب، وعنه قالت شروق سلوم:

الفن في البلد –للأسف- لا يلقى عناية وفق الشارع العام، وحسب المناطق، في المحافظات والمدن الاهتمام بالفن أكبر من القرى بكثير، تختلف الثقافات وفق البيئات والأولويات، وبعد الأزمة التي نمرّ بها أخذ الفن جانباً للمرفهين فقط. عدا عن ذلك مناهج الرسم الجميلة جداً والمتخمة بألذ المعلومات وسبل الفن وتاريخه ومحتواها الهادف، لكن الكادر الذي يعطي تلك الكتب للأسف أغلبه، سأنعته بالفشل وعدم المبالاة والاهتمام بهذا المحتوى الجميل والمنمّي لقدرات الطفل بطريقة ملموسة، رأيت هذا الشيء من طلابي عندما يأتون ويخبرونني عن حصة الرسم التي يقضونها برسم شجرة وبيت وجبل بأسلوب سهل، والكتاب المعلمة لا تشرح ما به من دروس، ونقاط التلاشي التي تشرح أحياناً بطريقة سيئة وحصة واحدة مع أنها تحتاج لوقت طويل وأعصاب هادئة لكي تصل الفكرة لدماغ الطفل ويفهم آلية سحب الخطوط بسلاسة، لديّ طلاب بعمر الـ11 عاماً يرسمون لوحة على ثلاث نقاط تلاشي، وهم يدركون ذهنياً كل خط أين عمقه دون مساعدتي.

والحلول بنظري لتفعيل هذا الدور تنمية الجيل على فهم روح اللون، وإعطاء الجمال بلمساته لكل الشوارع والتفاصيل عامة والمدارس، وأن تلوّن المدرسة بيد طلابها برسومات تعبّر عنهم أمر عظيم، يشعرهم بقيمة العمل التطوعي والفني والجمالي بذات الوقت، ودعم التفوق الفني كما التفوق الدراسي مادياً ومعنوياً بشهادات ورحلات ومعسكرات خاصة بهم كما قبل الأزمة، لتعطي دافعاً للعمل والتطور وإنتاج خبرات وطنية محلية وصنع قامات عالمية، وأن تكون لجنة التحكيم لرواد الطلائع خارجة عن منطقة الرواد لكي لا تظهر المحسوبيات في اختيار الطالب الرائد بسبب المعارف وليس بسبب تميّزه!.

طلائع البعث

وعن منظمة طلائع البعث قالت سلوم:

أما بالنسبة لمنظمة طلائع البعث فنجاحي من نجاح هذه المنظمة، طلابي فيها وإبداعهم فيها ولها، ولكن الاهتمام مازال فقيراً من قبل السلطات ووزارة التربية بهذه المنظمة بالفعاليات الفنية، المواد وأدوات الرسم وتنظيم مهرجانات وفعاليات خاصة بالرسم ضعيف جداً بسبب الأزمة والظروف، تنشيطها بالفعاليات ينعش روح الطفل والشباب وتكوين شخصية طفل مبدع بثقة عليا من منظمته ومرجعيته الأساسية.

اهتمام

وفي ختام الحوار قالت الفنانة شروق سلوم: أرجو أن يكون هناك اهتمام أكبر بهذا الجيل وهذه الفراشات، إننا أمام أطفال أذكياء جداً لا يُستهان بقدرتهم وتطورهم الفريد والسريع، اهتمام معنوي وتقديري ومادي بالمتميزين على صعيد كافة المجالات الإبداعية، الأمل بالعمل، لنعمل على بناء جيل الغد.

جمان بركات