صحيفة البعثمحليات

جسر الفجوة

معن الغادري

حتى الآن لم تنجح البرامج والخطط والدراسات الفنية والإنشائية في إطار مشروع إعادة الإعمار والبناء بمواكبة عودة الحياة المتسارعة إلى حلب، فكلّ المؤشرات والمعطيات تؤكد وجود خلل وقصور في آليات العمل الميداني، كما تبيّن التراجع الواضح في نسب ومؤشرات الإنجاز والإنتاج في مجمل المشاريع ذات الصبغة والصفة الخدمية والاقتصادية والتنموية على السواء، وهو ما يفسّر تعثر وتأخر إنجاز العديد من المشاريع وتدويرها من عام إلى عام!.

يرى الكثيرون من المهتمين بالشأن الحلبي أن المشكلة تكمن في التفرّد بالقرارات، وفي فوضى ترتيب وتحديد الأولويات، والمطلوب حسب رأيهم أن تُستوفى المعايير والشروط بما يتناغم وينسجم مع ما يدور في الاجتماعات من نقاشات، وما يخرج عنها من مقررات وتوصيات، وبما يسهم في تحقيق أفضل النسب في عملية التكامل والترابط بين ما هو نظري وعملي، وبما يحقق الجدوى والمردود المأمول.

خلافاً لذلك كما هي عليه الحال الآن، يعني أن الجميع يراوح في المكان ويخشى أن تكون المراوحة مستقبلاً إلى الوراء. ومن المؤكد، في ضوء هذه الظروف، لم يعد منطقياً التعامل بالعقلية والأريحية نفسها مع الحاجة الملحّة لكسر لوح الجليد الذي يغلّف اقتصادنا، ويصطدم بحواجز كثيرة، أبرزها عدم التقدم أدنى خطوة على صعيد تنظيم العلاقة بين جميع الشركاء، يضاف إلى ذلك حالة الترهل وتفشي الفساد الإداري والمالي في العمل المؤسّساتي، وقضايا أخرى ذات صلة بملفات متعثرة، ما أدّى بالنتيجة إلى تراجع ملحوظ في مؤشرات النمو وأهدر عشرات الفرص الحقيقيّة للاستفادة من الطاقات والموارد المتاحة.

هذا الجدل والنقاش عمره عشرات السنين، وما زلنا نراوح في المكان، إن لم نتراجع، حيث لم تنفع عشرات بل مئات الاجتماعات والقرارات في إحداث التغيير المطلوب. ونعتقد أن الفرصة اليوم متاحة أكثر من أي وقت مضى، بل على العكس الضرورة الملحة تفرض على الجميع تغيير الفكر والنهج، وهي مسؤولية مشتركة تقع في المقام الأول على عاتق الفريق الحكومي المطلوب منه جسر الفجوة وردم الهوة بين العمل -الخططي والتنفيذي– وصولاً إلى تحقيق الشراكة الحقيقية التي ما زالت غائبة في عملية البناء والنمو.

في ضوء ما تقدّم وما يستجدّ من تحديات حقيقية على مختلف المستويات، لا بد من الوقوف مطولاً عند بعض الحقائق في المشهد العام غير المرضي في حلب، وبالتالي البحث عن حلول ومخارج للكثير من القضايا والملفات المستعجلة، والتي تستدعي مراجعة متأنية للحقائق على الأرض وإجراء تحليل دقيق للواقع الراهن ومجمل البيانات لكشف مكامن الضعف وتحديد مواقع القوة، وبالتالي إيجاد أفضل السبل والطرق للتقدّم خطوات جريئة باتجاه مواجهة التحديات والأزمات المتوقعة.

نرى أن أي تأخير في إجراء مقاربة شفافة ومنطقية، بين ما كنّا عليه خلال سنوات الحرب الإرهابية وما بعد ذلك، سيضاعفُ من الأثر السلبي على واقعنا الاقتصادي والمعيشي، وهو ما يجب أن تضعه الحكومة في الحسبان وتأخذه بعين الاهتمام والاعتبار، وتضع يدها على مجمل الملفات العالقة في حلب وإعادة تصويبها قبل فوات الأوان.