سيمفونية ثقافية
غالية خوجة
لأن “الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية”، فإنها، يقيناً، إحدى صبغيات الفطرة النقية التي تعمّر الإنسان والبنيان والأوطان، فكما تدور الأرض حول محورها يدور الوجود الإنساني حول محوره الواعي.
ولأن الوعي شمس أخرى يدور حولها الفضاء الكوني، فإننا نرى كيف وظّف المثقفون والفنانون رمزية الشمس حول رؤوس المصطفين من البشرية، دلالة على السمو والرفعة الأخلاقية والمعرفية والتوعوية التي تنتشل البشرية من مستنقعات الظلمات الجوانية والبرانية إلى عالم أكثر سلاماً وطمأنينة ومحبة وتضامناً وجمالاً. وهذه حال الثقافة في وطننا مهما مرّت عليه حروب وظلاميات، لأن التأسيس الإنساني يبدأ من الثقافة المنتجة الصابرة الصامدة المنتصرة بحضارتها ولحضارتها الأزلية والأبدية.
ولذلك، فإننا نلاحظ كيف تتشابك الجهود أكثر في هذه المرحلة بين الجهات المختلفة، الرسمية والخاصة، الثقافية والتعليمية، ومنها وزارة الثقافة السورية، واتحاد الكتّاب العرب، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، والنقابات والجامعات والمدارس ومديريات الثقافة ومراكزها، والجمعيات المختلفة المتنوعة، فتشكّل فسيفساء الوعي الإشراقي المتواصل من خلال الفعاليات والمهرجانات والورشات والندوات والمحاضرات والأمسيات والمسرحيات والجوائز.
وضمن هذه السيمفونية الثقافية يضيء اتحاد الكتّاب العرب في سوريتنا الحبيبة الثوابت المشعّة عبْر الأزمنة، وعلاقاتها التشابكية بين الثقافة والفنون والجهات المختلفة، من أجل البناء الأعمق للذات الإنسانية، خصوصاً، الإنسان العربي السوري الذي أثبت للعالم أنه مجنّد في الحياة من أجل الوطن والحياة.
ولأننا مجنّدون ثقافيون على الجبهات، لا بد من مواصلة الانتصار بمختلف الإمكانيات، ومنها المبادرات المتنوعة التي يطلقها اتحاد الكتّاب مثل معارض الكتب الصادرة عن الاتحاد والتي تُباع بأسعار رمزية، والمكتبات الريفية المساهمة في إيصال المعرفة إلى كل إنسان في كلّ مكان من هذا الوطن الحبيب.
ومن معنى تفاعلي آخر، نلاحظ كيف تتجه الفعاليات إلى التجدّد بعد الحرب الإرهابية الظالمة، وكيف يتمّ توظيف آثارها التدميرية السلبية بأسلوب إيجابي يؤسّس لبناء الأجيال من خلال القيم الثابتة بمعالجات متحركة متناغمة، مثل تجذير الهوية الوطنية، والتمسّك بالوعي الاجتماعي والحضاري، وابتكار المبادرات والمشاريع المتعدّدة، منها وضع خطط عمل من أجل نشر الأدب السوري المولود من الحرب للغات أخرى، والإصرار على الارتقاء الدائم انطلاقاً من أهمية الإنسان وأهمية أفعاله الإنسانية كأثر لا يزول.
ومن تلك الخطوات أن يكون الاتحاد فارس الثقافة والانتصار مع الجهات الأخرى، وأن يساهم في دعوة الوفود الأجنبية لزيارة سورية ليروا الواقع الحقيقي، ومن هذه الوفود الوفد الفرنسي الثقافي الإعلامي الذي زار عدة محافظات ومنها حلب، وأصابته الدهشة من الحقيقة التي رآها، وأكد خلال ندوته الحوارية “الحرب على سورية بعيون فرنسية”، على حكمة أزلية استنتجها من الجولة: “إن أنظمة الغطرسة في العالم تستطيع أن تفعل ما تريد، لكنها لا تستطيع أن تطفئ شمعة الأمل والإصرار على الصمود والنصر”.
وترتفع إيقاعات الحضور الثقافي من خلال فروع الاتحاد المساهمة في كافة الميادين لتنشر هذا الشعاع في الجامعة والمدرسة والبيت والمجتمع، سواء في المحافظات أو الأرياف، وتلتقي مع محور اتحاد الكتّاب في المحبة التواصلية الواقعية من خلال الأنشطة الاجتماعية الثقافية بين الأعضاء والكتّاب، للاطمئنان عنهم، وزيارتهم في بيوتهم، وتكريمهم بما يليق، وأرشفة نتاجهم في مكتبة الأعضاء بكل فرع في المحافظات.
وحرصاً على المزيد من العزف الثقافي، يهتمّ اتحاد الكتّاب بإيصال أنشطته إلى المجتمع وحضوره في مختلف المواقع والمبادرات الثقافية للتفاعل مع الإنسان أينما كان منتهجاً الإصغاء إلى مختلف الآراء والاقتراحات والنقد البنّاء، موقناً أن الجميع يسعى للنور الداخلي والخارجي، والأمل بالعمل.