“شآم والقلم” يحتفي باليوبيل الماسي لإذاعة دمشق
“الأذن تعشق قبل العين أحياناً”، وهذه حال المستمعين إلى إذاعة دمشق العريقة، التي ارتبطت بالأحداث السياسية والتاريخية والاجتماعية، ورافقت الروح في كلّ حالاتها. ولم تكن جلسة ملتقى “شآم والقلم” (إعداد وحوار الإعلامية فاتن دعبول)، التي استضافت المخرج حسن حناوي والإعلامي أسامة شحادة والإعلامية والكاتبة ريم علي، في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة)، للاحتفاء باليوبيل الماسي لإذاعة دمشق فقط، إذ تطرقت إلى مسائل مهمة ركزت على الحفاظ على اللغة العربية الفصحى السليمة من الأخطاء، وأهمية الدعم المادي والمعنوي، ولاسيما للممثلين، وعلى تشجيع النجاح الذي يشكّل دافعاً للإبداع. وقد استهلت الإعلامية فاتن دعبول الندوة بالحديث عن تاريخ إذاعة دمشق التي انطلقت من شارع بغداد عام 1947 إلى شارع النصر إلى ساحة الأمويين لتغدو ذاكرة أمة.
بدأت دعبول بسؤال أسامة شحادة، الذي شغل مناصب عدة، منها مدير إذاعة دمشق، حول الصعوبات التي واجهته، فانطلق من مراحل اختيار اللوغو “إذاعة دمشق عزّ الشرق” الذي يحمل البعد التاريخي والجمالي لأقدم عاصمة مأهولة بالتاريخ، ويعبّر عن عراقة دمشق وثقافتها. وتابع عن خصوصية الإذاعة التي استطاعت أن تحافظ على وجودها وكينونتها وتصل إلى قلب المستمع حتى بعد انتشار التلفزيون، ومازالت ترافق الكثيرين، وخاصة في رمضان.
أما سؤال دعبول حول كيفية الوصول إلى كل شرائح المجتمع، فعقب بأن ذلك غير ممكن لأنه سيقسم العمل ويشطره، إضافة إلى الاختلاف بين الأجيال في ظل “الفيس بوك”، ووسائل التواصل الاجتماعي، الحلّ بأن يكون لكل إذاعة لونها الخاص وهويتها.
كما ركز على دور اللغة العربية الفصحى في تعزيز مكانة إذاعة دمشق بين الإذاعات العربية، موضحاً أنها كانت مرجعية بالمعلومة واللغة العربية الحامل الحقيقي للثقافة وروح الأمة والتاريخ والجغرافيا، ويجب أن يمتلك المذيع القدرة على التحاور باللغة العربية الفصحى السليمة، وللأسف قلّة من يستطيعون ذلك.
تاريخ الدراما الإذاعية
وانتقلت دعبول إلى محور الدراما الإذاعية التي تسكن الذاكرة مع المخرج حسن حناوي، الذي وثّق بحديثه تاريخ الدراما الإذاعية منذ بدايتها مع حكمت محسن وأنور البابا وهدى شعراوي، أول صوت نسائي يشارك في التمثيليات، واستحضر أسماء كتّاب الدراما الإذاعية من ثنائية صابر وصبرية تأليف وإخراج تيسير السعدي، والمنظومات التي كتبها وليد مارديني وعزّزت الدراما الإذاعية، ثم الكاتب ممتاز الركابي ووليد مدفعي ومحمد جومر الذي أخذ منحى خاصاً بكتابة الفانتازيا الإذاعية، ليصل إلى وليد معماري وكتابته زاوية “اعطيني ادنك” وكان بطلها ناجي جبر وأبدع بها، ثم “يوميات عائلية” مع وفاء موصللي وعصام عبه جي.
كما وثّق تعاقب أجيال المخرجين من فاروق حيدر إلى رفيق سبيعي إلى مروان قنوع إلى مظهر الحكيم ومحمد عنقا، والمخرج الكبير هشام شربتجي الذي انطلق من الإذاعة، ثم مازن لطفي وفاضل وفائي، إلى أحمد جنيد وجمال عقاد وحسن حناوي وسميرة بلوط، ليصل إلى جيل الشباب باسل يوسف وفراس عباس وفراس محمد، فكل مخرج منهم أثرى الإذاعة وأخذ مساحة معينة، وبيّن أن الدراما الإذاعية استمرت رغم أن التلفزيون قلّص انتشارها لكنه لم يستطع أن يلغيها، وأن الدراما مرآة المجتمع وحينما تكون صادقة وتنقل كل تفاصيل المجتمع تكون متابعة.
التخيّل والاحتمالات
وتابع حناوي الحديث من خلال تجربته بإخراج برامج وأعمال درامية عدة، أشهرها “حكم العدالة” الذي بدأ مع تأسيس الإذاعة ويستمر حتى الآن، وشارك به كبار نجوم الدراما ويشدّ بأحداثه المستمع إلى خلفيات الجريمة وكيفية وقوعها معتمداً على عنصر التشويق، ولاسيما بالمؤثرات الصوتية والموسيقية، وأنه نجح بقدرته على تحريض المستمع وتخيله الأحداث ليرسمها بمخيلته ويشارك بوضع احتمالات، ثم توقف عند برنامجه الشهير “نادي الفونوغراف” الذي يخرجه ويشارك بإعداده ويُعنى بالطرب الأصيل باستحضار مقتطفات من لقاءات عظماء الزمن الجميل.
التقنيات والإذاعة
ولم تكن فقط التجربة العملية هي التي أغنت تجربة حسن حناوي، فكما ذكر عمله بالتدريس بالجامعة والاحتكاك مع الطلاب فتح أمامه نوافذ لتعلّم التقنيات الحديثة وتوظيفها بالإعلام. كما نوّه بتطور الإذاعة ومواكبتها التقنيات الحديثة التي ساعدت على انتشارها أكثر من خلال الديجيتال وأجهزة الموبايل، ومن خلال قنوات الاستماع في المحطات الفضائية.
الكائن السحري
المحطة الثالثة مع رنا علي وسؤال دعبول عن المقومات التي يجب أن تتوافر في شخصية المذيعة إضافة إلى الصوت؟.. فأجابت من وحي تجربتها الذاتية بكل شفافية باحترام هذا الكائن السحري (الميكرفون) الذي تتحدث معه وأنت لا تعرف من يسمعك ومن أية شريحة وأي موقع، ولا شك بأن المهمات الميدانية تتطلّب القدرة على احتواء أي موقف مفاجئ وسرعة البديهة والثقافة العامة. وتابعت عن دور الإعلاميين بتشكيل الرأي العام وإيصال الرسالة إلى الشعب، وهذا يتطلب امتلاك أدوات تساعد على ذلك.
وضمن الملتقى أثارت دعبول محاور أخرى مثل ماهية المعايير لاختيار البرامج، فاتفق الضيوف على تحقيق معادلة بين ما يريده المستمعون وما تريده الإدارة من خلال المزاوجة بين الاقتراحات، والتنويع وفق هوية وخصوصية كل إذاعة.
الإذاعة والصراع السياسي
حظيت جلسة الملتقى بمداخلات مهمّة، إذ تحدث الأديب والإعلامي عماد نداف عن دور الإذاعة السياسي، إذ كانت أهم محطة بالصراع السياسي السوري، ومفصلاً أساسياً وتعرّضت للمهاجمة بالدبابات خلال فترة الانقلابات بالخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لارتباطها بالاستيلاء على السلطة، ومنها أطلق البيان رقم واحد في الحركة التصحيحية المجيدة.
كما حظيت الجلسة بتساؤلات عن توقف بعض البرامج بشكل مفاجئ دون الإعلان عن ذلك، وباقتراحات تتضمن توثيق المرحلة الراهنة باستضافة شخصيات كبرى سورية وعربية في كل المجالات والتحاور معها، والبحث عن آليات التطوير ومواكبة الخطاب السياسي والإعلامي.
ومن المسائل التي مازالت عالقة ضرورة التمويل المادي ورفع أجور الممثلين التي مازالت وفق التعرفة القديمة.
ملده شويكاني