مجلة البعث الأسبوعية

ماهيـة التركيـز على الاعتبارات الجيوسياسيـة

د. مهدي دخل الله

تصعيد أمريكي وناتوي غير مسبوق تجاه روسيا مقابل ما يشبه الانفراج في مفاوضات فيينا مع إيران . كيف يمكن قراءة هذا التطور ؟ .. هل هو مجرد انعكاس لقانون الأواني المستطرقة أم أنه محاولة أمريكية جيوسياسية جديدة لتطويق روسيا ؟ ..

أعتقد أن واشنتُن لا يهمها منطق الأواني المستطرقة الذي يقول ، في تطبيقه السياسي ، أن تكون مرناً مع طرف عند تصعيدك مع طرف آخر ، المهم لدى الولايات أن تطبق المنطق الجيوسياسي بمعنى تطويق الطرف الأخر ..

وعلى الرغم من أن المندوب الأمريكي يجلس قي فيينا في غرفة منعزلة ، ولا يشارك في المفاوضات مع إيران ، إلا أنه الغائب الحاضر ، فهو قائد المندوبين البريطاني و الفرنسي و الألماني في المفاوضات التي تشارك فيها أيضاً روسيا والصين ( 5 + 1 ) .. الخمسة هي الدول العظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن ، والواحد هو ألمانيا .

الحديث هنا عن دوافع الولايات في هذه العملية التفاوضية ، أما إيران ، ومعها روسيا والصين ، فدوافعهم تأكيد مبدأ استقلال الدول ، وإيجاد ذلك الخط الدقيق الذي يفصل بين سيادة الدول من جهة ومتطلبات السلام العالمي من جهة أخرى ، أي الخط بين مبادئ القانون الدولي ( السيادات المتساوية للدول ) ومقاصد هذا القانون ( حفظ السلام العالمي ) ..

كـان ما يسمى بالاتفـاق النووي الإيرانـي جاهـزاً نهاية / 2014 / ، لكـن إدارة أوبامـا عندها طلبت التريـث لعلها تقنع إيران في الانضمام إلى ” خيمة الهيمنة الأمريكية ” ، بما يحقق الهدف الأمريكـي الجيوسياسي في تطويق روسيا ( الهارتلاند ) ، وعندما لم تنجح أمريكا في محاولتها هذه اضطرت لتوقيع الاتفاق مع إيران ( 5 + 1 ) على مضض في 14/ 7/ 2015 .

اعترف أوباما عندها في خطابيه الشهرين ، أمام الكونغرس وفي جامعة واشنتُن ، أن بلاده وقّعت الاتفاق تحت ضغط أوروبي كبير قائلاً : أن البديل كان توقيع الاتفاق بدون أمريكا ما يجعلها منعزلة عن أوروبا .

حلّ ترامب هذه العقدة بانسحابه من الاتفاق ضارباً بعرض الحائط مصالح أوروبا . اليوم ، مع إدارة ديموقراطية ، عادت عجلة التفاوض إلى الدوران لعل أمريكا تنجح في إقناع الأوروبيين بأن يكونوا أكثر عداء لروسيا ( مشروع توسيع الناتو تجاه الحدود الروسية ) مقابل السماح لهم بفتح باب التعاون مع إيران .

المهم أن إعادة تفعيل اتفاق ( 5 + 1 ) سيفيد إيران في إسقاط الطلبات الأمريكية الشهيرة من طهران ، والتي تتلخص في :

1- إضافة الصواريخ البالستية الإيرانية إلى الاتفاق .

2- تعهد إيراني بالتوقف عن ما يسمونه بـ ” التدخل الاقليمي ” ، أي الدعم الإيراني للمقاومة ضد اسرائيل وخططها.

3- سماح إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش حيث تشاء ، وليس في الأماكن المحددة بالاتفاق فقط ..

ومن الواضح أن الطلبين الأمريكيين ، الأول والثاني ، هدفهما المباشر حماية اسرائيل لأن الصواريخ البالستية الإيرانية لن تصل أمريكا وأوروبا ، والأمر نفسه ينطبق على مسألة دعم إيران للمقاومة . المهم أن انتاج الصواريخ ( لا تحمل رؤوساً نووية ) ، ودعم المقاومة ، وحصر التفتيش الدولي بالأماكن المتفق عليها ، كلها أمور ترى فيها طهران خطاً أحمرَ لا يمكن تجاوزه . كما ترى روسيا والصين أن هذه محرمات تدخل في صلب سيادة إيران واستقلالها ، وأن التركيز ينبغي أن يقتصر على الجانب النووي حصراً .