مدينة طرطوس.. عبق التاريخ يستنهض أسرار الحكايات القديمة
البعث الأسبوعية- محمد محمود
لا يغيب عنك ذلك العبق بالتاريخ، والإحساس بالماضي، وأنت تتجول في طرطوس القديمة، تشعر وأنت تقترب من بعض صخورها العملاقة المحيطة بمتحفها القديم، أو حين تلمح شبابيك بيوتها المطلة على البحر أن الزمان لم يمض، وأن “انترادوس” المدينة العريقة تستنهض حكايات جديدة من تاريخها الطويل الذي مر بمراحل مختلفة حيث استولى عليها الاسكندر المقدوني ثم الروم، وشغلها البيزنطيون مؤقتاً خلال القرن العاشر، وبعدها حاصرها ريموند صنجيل، واستولى عليها عام 1102 م، ثم اتخذها مقراً له، وفي عام 1152م استعادها نور الدين الزنكي (أتابك حلب) مدةً قصيرةً، وبعد ذلك استولى عليها الملك بلدوين الثالث، ومنحها للداوية (فرسان الهيكل) عام 1152 ـ 1158م حيث أعادوا بناء تحصيناتها؛ وفي عام 1188م هدمها صلاح الدين الأيوبي بما فيها كاتدرائية السيدة العذراء أثناء حملته إلى شمال سورية باستثناء البرج الرئيس الداخلي (الدونجون)؛ وفي عام 1276م حررت طرطوس بشكل نهائي على يد المماليك، وفرّ فرسان الداوية إلى قبرص ومعهم أيقونة السيدة العذراء التي قيل إن القديس لوقا رسمها بريشته في كاتدرائية طرطوس.
أقسام رئيسية
ويشرح مروان حسن مدير آثار طرطوس المعالم الأثرية التي تضمها المدينة القديمة حالياً حيث تنقسم لستة أجزاء رئيسية وهي: بناء الدونجونDonjon: (قاعة التحصين) على الواجهة البحرية، قاعة الفرسان، كنيسة فرسان الهيكل، الحمام الاثري القديم، الأسوار الثلاثة القديمة الضخمة، وكاتدرائية طرطوس (المتحف الوطني حالياً).
وعن البرج الرئيسي في قلعة طرطوس يقدم حسن لمحة تاريخية عنه بالقول: يعتبر البرج من أهم أبنية مدينة طرطوس القديمة على واجهة القلعة البحرية ومن أمتنها، وتبلغ مساحته 1570م3؛ يتألف قسمه الداخلي 20×20×21م من قاعتين طرازهما من الفترة الصليبية، ذوات محور الطولاني ويصل بين القاعتين ممر معقود بأقواس مدببة، وفي مرحلة بنائية لاحقة تم وصل بناء الدونجون مع السور البحري عبر بنائيين ملحقين، وقد جعلت لهما مرامي سهام، وإن انعدام الانحدار والبوابات باتجاه البحر يقودنا إلى الاعتقاد أنه في هذا الوضع كانت السفن تحمل أو تفرغ حمولتها بعيداً عنها. لم يبق من الطابق الأول لبناء الدونجون أي أثر باستثناء موضع لمرمى سهام، أما ممرات المراقبة فيعود تاريخها إلى القرون الوسطى ويمكن تتبعها في الجهة الجنوبية من السور البحري وحتى الحصن الداخلي. وبشكل تقريبي تبلغ مساحة تلك الممرات حوالي 1550م2 وإن ما تبقى من آثار كتلة الحصن الخارجي من طرطوس القديمة كنيسة الحجاج أو الكاتدرائية (متحف طرطوس حالياً).
حمام أثري
في حين يعتبر الحمام الأثري القديم للمدينة القديمة جزءاً من النسيج العربي الإسلامي القائم في مدينة طرطوس القديمة حيث يشكل الجامع العمري القريب منه والسوق وشبكة الأزقة والبيوت القديمة كلاً متكاملاً. ويتألف الحمام بشكل عام من الأقسام التالية: البراني والوسطاني والمقصورات والجواني، وبيت إشعال النار في الأسفل، وهو مسقوف بقبة ذات فتحات دائرية كثيرة مغطاة بالزجاج تسمى القمرات.
يعود هذا البناء إلى الفترة العثمانية وقد بقي مستخدماً كحمام شعبي حتى عام / 1950/ حيث توقف استخدامه وتحول إلى مشغل للمفروشات وبيت للسكن في الطابق العلوي، ثم استملكته المديرية العامة للآثار والمتاحف عام/1996/ للحفاظ عليه وترميمه ولكنه بقي مشغولاً بالسكان حتى نهاية عام /2002/ حيث تم إخلاؤه.
كنيسة طرطوس
وعن كنيسة طرطوس يتحدث مدير دائرة الآثار أنها تتكون من رواق واحد هو صحن الكنيسة، حيث يبلغ طولها 29.40م وعرضها 14.10م وارتفاعها 10.70م، وتتكون من أربعة صفوف من الأعمدة الطويلة المختلفة الأشكال، وليس لها حنية هيكل، لايوجد في الجدار الشرقي للكنيسة أية نوافذ وذلك بسبب وقوعه على سور المدينة مباشرة.
قاعة الكنيسة مسقوفة بقبوة متقاطعة الأضلاع، وتعتبر الورود الموجودة على أقفال العقود والحواف المائلة على الأضلاع وعلى دعامات العقود نفسها هي التزينات الوحيدة تقريباً في هذا المبنى البسيط والمتواضع لجمعية رهبان تسيسترين.
تعرض المبنى الأصلي العائد بناؤه إلى القرن الثالث عشر الميلادي إلى تشويه كبير يعود سببه إلى إقامة أبنية سكن محدثة فيه خلال فترات متعددة.
قاعة الفرسان
ومن الأجزاء الهامة في المدينة قاعة الفرسان التي تقع على بعد خطوات فقط من كنيسة القلعة الذي يبلغ طولها 47.80م وعرضها 18.90م وجدارها الشمالي الخارجي هو جدار سور القلعة نفسه، يتكون المبنى من طابقين: طابق أساسي أول وطابق ثاني علوي، يأخذ البناء في الطابق الأساسي شكلاً طولانياً ويوجد فيه ممر ضيق بمرامي سهام يقود إلى السور المحيط بالقلعة، وهناك بركة ماء ذات جدران مدعمة، ومستودع له ثلاث فتحات إضاءة (مناور)؛ يتكون الطابق العلوي من صالة ضخمة ثنائية الأجنحة ويوجد في كل جناح منها ستة صفوف رباعية من الأعمدة مربعة الشكل، تحاذي قاعة الفرسان من جهتها الغربية بوابةً وحيدة، ومن ثم الحصن الشمالي الذي يغلق القلعة بإحكام باتجاه البحر.
الأسوار
ويختم حسن الشرح بالحديث عن الأسوار فيقول في المدينة القديمة ثلاثة أسوار ضخمة، بمافيها سور قاعة التحصين البالغ ارتفاعه 7م، السور الأول: ذو سبعة أبراج يصل ارتفاع أعلى برج فيه إلى 25,5 م، السور الثاني: يحيط به الخندق المائي المحفورفي الصخر بعرض 12ـ 15 م، ارتفاع الجدار الخارجي 10م، كذلك يحيط بالقلعة وبالمستوطنة القديمة سور حجري يبدأ من الزاوية الشمالية الشرقية للقلعة بطول 140م، الجزء المتبقي منه بارتفاع 2م، كان السور القديم ينحرف مساره (عند مبنى الخدمات الفنية حالياً) باتجاه الجنوب بمحاذاة الكاتدرائية وينتهي عند ببرج الطاحونة.