هل تقود المنافذ الإعلامية رياضتنا؟ كرة القدم بلغت الحضيض ورياضتنا بحاجة إلى تدخل عاجل لتصويب بوصلتها
البعث الأسبوعية -ناصر النجار
النوافذ الإعلامية باتت تعمل عملها في قيادة الرياضة بكل أصنافها وألوانها عبر التسويق المعلن لكل شيء، وبتنا نجد القائمين على الرياضة راضخين للمتنفذين الذين يملون ما يريدون دون أي موانع تقف أمامهم، وللأسف فإن المشاهد التي نراها اليوم تشير إلى ضعف القرار الرياضي الذي لا يواكب التطور لأنه يواكب رغبة وأهواء المتنفذين داخل مصنع القرار الرياضي.
في كرة القدم على سبيل المثال بدأ التسويق العلني لأعضاء اتحاد كرة القدم الجديد من خلال تسخير بعض وسائل الإعلام لمصلحة بعض الأشخاص، بل إن المكتب التنفيذي يحاول إعادة إنتاج بعض الأشخاص الذين سقطوا في المرحلة الماضية وبعضهم أوراقه ما زالت مغموسة بالرقابة والتفتيش، هذا التسويق يرسم العديد من إشارات الاستفهام حول جدية القيادة الرياضية بإعادة إحياء كرة القدم عبر أشخاص قادرين على قيادتها من خلال كفاءتهم ونزاهتهم، ونحن هنا نذكر بمقولة (من جرب المجرب عقله مخرب)، والصورة التي يرسمها البعض تشعرنا أن مناصب كرة القدم القادمة ستكون للترضية والتعويض وهي للخواص وليست لخبراء كرة القدم وكوادرها النيرة النزيهة.
والمشكلة القائمة بكرة القدم تتعلق بملفات متشابكة مع بعضها البعض، وهي تتنامى يوماً بعد يوم وتكبر ككرة الثلج، ولا يوجد أي بصيص لحل مشكلة واحدة منها، وهنا وجه الاستغراب من التأجيل للكثير من القرارات الإستراتيجية التي تبحث عن حل جذري لمشاكل الرياضة أو بعضها.
ونحن من باب المنطق من الضروري عندما يأتي الاتحاد الكروي الجديد أن تكون مشاكل الاتحاد السابق قد انتهت وبانت الحقائق ووضعت النقاط على الحروف، لكننا ورغم أن كل فترة نسمع عن لجنة تحقق في مخالفات الاتحاد السابق إلا أن النتائج لم تر النور حتى الآن، حتى إن اللجنة لا أحد يعرف من هي؟ فهل هي موجودة حقاً؟ وإذا كانت موجودة فإن التساؤل عن البطء في التحقيق والتفتيش محق، فلماذا كل هذا التأخير ولمصلحة من؟ وهل الغاية من الإطالة تمييع الكثير من المواضيع ليضيع الحق ويقيد ضد مجهول؟ ولماذا لم يقم أي مؤتمر صحفي حول هذا الموضوع بعد مرور أربعة أشهر على الإعلان عنه؟.
حتى أمور اللجنة المؤقتة غير واضحة المعالم وباتت الأنظار موجهة على مخالفات عديدة وتجاوزات كثيرة، وهي مسؤولة عن كل شيء تحدثت عنه سواء مالي أو فني أو إداري أو تنظيمي ولم يصدر حوله أي توضيح، وفي أضعف الإيمان ما تحدثت عنه في مؤتمرها الصحفي الأول عن وجود أربعة مليارات ليرة سورية في اتحادات كروية مختلفة بحاجة إلى تحصيل ولم يقم الاتحاد السابق بتحصيل هذه الأموال لعدم اهتمامه، فأين وصلنا في هذا التحصيل المالي؟.
أيضاً مسائل عديدة على الصعيد التنظيمي واللوائح والقوانين لم نر لها أي أثر ايجابي، وكأننا نجد أن اللجنة المؤقتة تتابع النهج نفسه الذي سار عليه اتحاد كرة القدم المستقيل، وفي هذه الحالة نستطيع القول أن القرارات الصادرة كانت تسير عكس التيار، فما استطاعت تطوير كرة القدم بل دفعتها إلى أماكن الحضيض.
فلا يمكن أن نبدأ مع كرة القدم بنظافة وأن نفتح معها صفحة جديدة دون أن نكافح الفساد المستشري بكل مفاصلها المزعجة والتي باتت واضحة وضوح الشمس للقريب والبعيد ولم يعد يحتاج هذا الفساد إلى أدلة وبراهين.
عقد مريب
الآن وبعد أن انكشفت الأمور وصارت واضحة وجلية بعد الخسارات المتتالية لمنتخبات كرة القدم وقد ساهمت اللجنة المؤقتة بالكثير منها وخصوصاً في فترة الأشهر الأربعة الأخيرة التي تولت مهامها بشكل فعلي وقد وضعت كرتنا في الدرك الأسفل من المواقع نتائج وأداء ومستوى واستمتعت بالسفرات والسهرات والتجهيزات والتعويضات والفوائد الشخصية، فهل سيكون مصيرها المصير ذاته لأولئك الذين أساؤوا للرياضة وقالوا لهم: الله يعطيكم العافية إلى البيت دون أي حساب أو عقاب أو مساءلة.
المشكلة الأهم أن كل ما حدث في عهد اللجنة المؤقتة جرى بمباركة من المكتب التنفيذي، وخصوصاً موضوع المدرب تيتا، فالروماني صرح بشكل واضح لوسائل الإعلام عمن اتصل به وعن موافقة المكتب التنفيذي على حضوره، والعقد الموقع معه جرى بوساطة ومباركة من المكتب التنفيذي أيضاً، فمن يتحمل مسؤولية في هذا الشأن المكتب التنفيذي أم اللجنة المؤقتة لاتحاد كرة القدم؟ والسؤال المهم: التبعات المالية للعقد من سيتحملها وخصوصاً أن العقد سيبقي تيتا في ديارنا حتى نهاية حزيران وله كل حقوقه المالية والمعنوية والإقامة والإطعام والتنقلات دون أن يكون مكلفاً بأي عمل، وكأننا استضفناه سياحة ودفعنا له بالعملة الصعبة!.
مع العلم أن “البعث الأسبوعية” نبهت بمواضيع سابقة كثيرة منذ لحظة التحدث مع تيتا عن خطورة التعاقد مع هذا المدرب الذي لا يملك أي هوية فنية وسجله الذاتي ضعيف جداً وليس له أي انجاز كروي يضعه على سدة تدريب المنتخبات والأرقام والتاريخ يؤكدان ذلك، لكن من سوقه وأعاد إحياءه كانت له الكلمة الفصل في هذا الشأن ضارباً بذلك عرض الحائط كل مصلحة تخص كرتنا، والكلام نفسه ينطبق على اللاعبين المحترفين الذين تم تسويقهم بالطريقة ذاتها ولم نجن منهم إلا الصرف والإنفاق وكأن منتخبنا محطة تجارب لمن هب ودب.
غير صحيحة
إذا كان رئيس الاتحاد الرياضي العام قد صرح على الملأ أن الانتخابات التي جرت في الاتحادات الرياضية والأندية في هذه الدورة الانتخابية بعضها أو جميعها غير صحيح ويساورها الشك، فهل قام المكتب التنفيذي منذ انتخابه قبل عامين بتصحيح هذه الأخطاء أم زاد الطين بلة؟.
أول ناد غيّر المكتب التنفيذي إدارته كان نادي الاتحاد، والتغيير لم يأت بالفائدة المرجوة وتعرض النادي لعثرات كثيرة وكبيرة، وعلى سبيل المثال فإن كرة القدم في النادي لم تشهد إخفاقاً مثل إخفاق الموسمين الأخيرين وعلى زمن الإدارة التي تم إقالتها كان فريق الاتحاد دوماً بين الأربعة الأوائل ولم يعان من أي أزمة مالية بل كان يعاني من عدم رضا البعض عنه، اليوم إدارة نادي الاتحاد المشكلّة تعاني من الإفلاس ففريق السلة لم أخذ رواتبه من أربعة أشهر وفريق كرة القدم له على النادي رواتب لشهرين وأكثر، والاستثمارات وضعها من سيئ لأسوأ، وأكثر ما فعلته إدارة النادي أنها تكثر من الأضواء والتصريحات والمؤتمرات الصحفية.
وحتى الآن لم يستقم وضع نادي الكرامة وكل يوم نسمع عن استقالة هنا وهناك بمجلس الإدارة، والقائمة تطول ولن نعيد الذي تحدثنا عنه بشيء من التفاصيل في الأعداد الماضية، لكن المؤسف حقاً هو أمرين اثنين لا بد من وجود حل سريع وجذري لهما وهما:
الأمر الأول: أغلب الأندية مفلسة وعاجزة عن سداد التزاماتها ورواتب موظفيها ولاعبيها وكوادرها، وهذا الكلام لا يأتي من فراغ، ففي دمشق على سبيل المثال عجز نادي بردى عن تأمين رواتب كوادره ولاعبيه وموظفيه للشهر الثاني على التوالي ونادي قاسيون منذ أربعة أشهر يعاني من هذه الضائقة وهو مكسور على تسعين مليون ليرة، ومثله نادي الفيحاء وبدأت بواكير الإفلاس تظهر بأندية النضال والثورة والمجد ، هذا في دمشق وحدها، المشكلة أن هذه الأندية ليست عاجزة عن تأمين الرواتب والصرفيات فقط إنما عليها ديون خارجية لبعض شركات التجهيزات والمستلزمات وغيرهما، وخارج دمشق فالوضع قد يكون أكثر ظلمة في بعض الأندية، وما زال بعض المحبين والداعمين يمدون يد العون لبعض هذه الأندية التي لم تعلن عجزها ولم تشهر إفلاسها حتى الآن، بينما نجد العجز ظاهراً بأندية حماة وحلب وغيرهم.
الأمر الثاني هو موضوع الاستثمار: فالكثير من الأندية استثماراتها متوقفة أو ما زالت على النظام المالي القديم (السعر القديم) والاتحاد الرياضي العام لم يتحرك لإعادة التسعير من جديد كما فعلت كل مفاصل الحكومة، فالتغيير صار قانونياً والمفترض أن تلغى من قاموس رياضتنا مقولة (العقد شريعة المتعاقدين) مع التغييرات الشاملة التي شملت كل مناحي الحياة والمجتمع.
انتظار غريب
إضافة لهذا الأمر هناك العديد من الاستثمارات فارغة تنتظر موافقة الشؤون القانونية في المكتب التنفيذي على إقرار دفتر الشروط ليتم طرحه بشكل علني على المستثمرين، لكن هذه الدفاتر (دفاتر الشروط) معطلة في الأدراج منذ أشهر دون أي سبب واضح، فلا استفادت الأندية من هذه المواقع ولا استفادت من التدخل الإيجابي للمكتب التنفيذي في القضايا المالية التي أنهكت الأندية بل وأنهتها.
الحديث في هذا الشأن يطول كثيراً، وكنا نتمنى من المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام أن يملك الحلول الناجعة لمشاكل اتحاداته الرياضية وأنديته المتعثرة، لكنه على ما يبدو غير قادر على ذلك، ونحن لا نريد أن يملك عصاَ سحرية لكننا نأمل أن يلتمس الطريق الصحيح في العملية الرياضية، فأنديتنا بخطر وألعابنا بخطر ونخشى على الرياضة من الموت السريري.
خاصة أن أحد العالمين ببواطن الأمور قال لنا: لماذا يقحم المكتب التنفيذي نفسه في تشكيل إدارات الأندية والاتحادات الرياضية ويعرض نفسه للشبهات؟ إذا كان يعتقد أن الانتخابات السابقة لم تكن شرعية وبعضها فاقد لقانونيته وطالتها يد المصالح، فعليه أن يعلن عن مواعيد جديدة انتخابية تستكمل فيها الدورة الرياضية بشكل شرعي بعيداً عن القيل والقال، وهذا مهم ونتمنى أن يتم إطلاقه بمناسبة عيد الرياضة وكل عام ورياضتنا نتمناها أن تكون بخير.