ماكرون الوسيط الباحث عن مجد شخصي
علي اليوسف
على وقع التوتر المتزايد بشأن أوكرانيا، خرج الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي في أول مهمّة وساطة بين أهم قطبين عالميين، تحمل في دلالاتها الكثير من المعطيات لجهة تخفيف حدة التوتر والذي سيُسجّل -إذا نجح- للاتحاد الأوروبي، ولتحقيق أحلام ماكرون بأنه “صانع سلام”.
لا يدرك ماكرون أن مهمته صعبة جداً لأسباب كثيرة، أهمها أن بلاده ودول الاتحاد الأوروبي ضالعه بالتجييش ضد روسيا، كما تتمثل صعوبة المهمة في أن الولايات المتحدة، التي ينضوي الغرب وحلف الناتو تحتها، بما فيه فرنسا ورئيسها، في أن الجميع يتجاهل مباعث القلق الذي عبّرت عنه روسيا ضمن مقترحاتها بشأن الضمانات الأمنية، وأن ما يدّعيه الناتو بـ”سياسة الأبواب المفتوحة” تعتبر “تفسيراً حراً” لمبدأ الأمن غير القابل للتجزئة من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، لذلك لا يمكن لأي وساطة أن تنجح مالم تطبق اتفاقيات مينسك، بغضّ النظر عما إذا كانت “على قيد الحياة أم لا” وعما إذا كانت تروق للقيادة الأوكرانية أم لا، بحسب ما قاله الرئيس الروسي للوسيط الفرنسي.
ومنذ افتعال الأزمة في أوكرانيا، واقتراب الناتو من الحدود الروسية، بدأت تظهر “التصرفات العدوانية” ضد روسيا. وما دامت الولايات المتحدة بعيدة عن الاحتكاك المباشر فلا شك أن الدول الأوروبية هي وحدها التي ستنجرّ إلى حرب مع روسيا في حال انضمام أوكرانيا للناتو. لذلك من الأجدى بالوسيط الفرنسي رغم اختلافه مع روسيا في عدد من القضايا التركيز على إيجاد طريق سلمي للحفاظ على الاستقرار في أوروبا، وبناء آليات جديدة لضمان الأمن الأوروبي، وعدم تجاهل الاتفاقيات التي تمّ ابرامها خلال الـ30 سنة الأخيرة ومبادئها الأساسية، لأن الفوضى وزعزعة الاستقرار لا تصبان في مصالح أوروبا ولا روسيا، لذلك يجب الاتفاق على خطوات محدّدة لوقف التصعيد حول أوكرانيا، وعدم تكرار أخطاء الماضي من أجل الحفاظ على الأمن، لأنه من المستحيل بناء السلام في أوروبا بدون روسيا.
أما على الصعيد الشخصي، وبعد الإخفاقات الداخلية في بلاده، وتراجع شعبيته إلى أدنى مستويات، وتدخلاته الفاشلة في سورية وليبيا وعدد من الدول الأفريقية، يسعى ماكرون للحصول على مكانة زعيم أوروبي “صانع سلام”. وبحسب صحيفة “بولييتيكو”، يخوض ماكرون مجازفة وتحدياً بأخذه دوراً ومحاولة إبراز نفسه كزعيم عالمي يضاهي موقع القوى العظمى، وكل ذلك في الوقت المناسب للانتخابات الرئاسية الفرنسية في نيسان المقبل في الوقت الذي تمتلئ فيه وسائل الإعلام الفرنسية بالمقارنات مع الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي نجح في العمل كوسيط في الصراع بين روسيا وجورجيا في عام 2008.
يقول سيريل بريت، خبير العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية في باريس “ساينس بو”: “لا يمكن الفوز بالانتخابات عبر السياسة الخارجية، لكنها تذكير بمكانة إيمانويل ماكرون كرجل دولة ذي مكانة دولية ويسمح له بالتميّز عن مرشحين آخرين حتى قبل دخولهم الحملة الانتخابية، لإظهار قدرته على جعل فرنسا موجودة على الساحة الدولية”.
ولكن حتى لو كان ماكرون، الذي اتهم الناتو بالموت السريري، يهدف إلى تحقيق “استقلال ذاتي استراتيجي” لأوروبا، ويعيد لها مصالحها الأمنية الخاصة، وألا تكون طرفاً هامشياً، إلا أن ذلك لا يبدو سهل المنال في المستقبل المنظور، لأن من يبحث عن هذه الاسترتيجية بغضّ النظر عمن يترأس الاتحاد الأوروبي عليه ألا يكون أداة في يد الولايات المتحدة ويقحم نفسه في مشاريعها الفاشلة هنا وهناك. وإن تحقيق توازن جديد، كما قال ماكرون في مقابلة مع صحيفة “جورنال دو ديمانش” الفرنسية قبل دخوله في دور الوساطة، يتطلب إعادة ضبط العلاقات بين حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي كما هي الحال مع روسيا التي تشنّ الدول الغربية هجوماً عليها، وبالضرورة ضبط العلاقات الأوروبية- الأمريكية وعدم التسليم بدور المنفذ لسياسات واشنطن العبثية!.