رغم التطمينات.. دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس ما زال صعباً..!
من الطبيعي أن يندمج الإنسان اندماجاً تاماً ضمن منظومة مجتمعه دون أن يعاني من أي تمييز فهذا حقه، وبالأخص إن كان سبب التمييز لا يد ولا ذنب له فيه.. وعلى اعتبار أن الإنسان كائن فعال وقادر على الإبداع في كل لحظة، معتمداً دماغه بالدرجة الأولى، فهل من الممكن المراهنة على دمجه بشكل طبيعي مع أقرانه حتى ولو عانى من تراجع في نشاطه الدماغي كذوي الاحتياجات الخاصة ممن يعانون من متلازمة داون..؟.
تجارب مثمرة
الاختصاصية النفسية، مديرة جمعية إنسان للدعم النفسي الاجتماعي للشباب، نسرين عباس تحدثت عن تجاربها وعملها السابق النابع من شغفها بالعمل المجتمعي الذي دفعها للمشاركة بالعديد من التجارب المميزة التي تغير المجتمع، وتزيد من اندماج الأفراد فيه، ومنها تجربة دمج أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ممن يعانون من متلازمة داون، وتقديم الرعاية المتخصصة لهم من خلال التعامل والتدريب والتأهيل، كلاً حسب طبيعة الحالة والدرجة والنوع، بحيث يشعرون بأنهم أفراد طبيعيون مهما كانت حالتهم متأخرة، وأوضحت عباس أنه في إحدى التجارب قامت باستلام صف فيه 10 أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة قام أهلهم بوضعهم في مدرسة خاصة عادية مع أطفال طبيعيين، ولكن ضمن صف خاص لهم لكي يحققوا لهم الشعور الطبيعي بأنهم أطفال عاديون، وليشعروا بأنهم أذكياء مهما عانوا من الإعاقات المتعددة كالتخلف العقلي عن أقرانهم، والتأخر في النطق، والصعوبة في التناسق الحسي الحركي، والتأخر الدراسي المترافق مع فرط في الحركة، أو أنهم يعانون من طيف توحد وعدم القدرة على التواصل الجيد والفاعل مع المحيط، أو من فرط نشاط حركي مترافق مع صعوبة في النطق، وكان من الطبيعي عدم التزامهم جميعاً بالقواعد الصفية، وبالتالي التأخر الدراسي، ولكن بعد تلقيهم التدريب الخاص والمكثف لمدة 6 أشهر، تم دمجهم في صفوف نظامية مع الطلاب، ولكن في صفوف أقل من عمرهم، حيث تم دمج ابن التسع سنوات في الصف الأول، وتم دمج آخر ذي 7 سنوات مع أطفال الصف الأول بنجاح لافت، وتمت إضافة مدرّسة مرافقة لهم في الصف الدراسي، وفي نهاية العام الدراسي تم نقلهم إلى مدارس متخصصة بأطفال متلازمة داون لمتابعة تعليمهم.
بعد مضي عامين
وبيّنت الاختصاصية النفسية عباس أنه بعد عامين من هذه التجربة قامت بتأسيس مشروعها الخاص “روضة أطفال” التي تقبل حالات ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن شروط تتعلق بتقييم الحالة بناء على اختبار مبدئي يطبق على الطفل، ويحدد مدى تجاوبه مع المناهج المتبعة من قبل الروضة، واتباع برنامج تربوي فردي هو بمثابة وثيقة مكتوبة يتم إعدادها من خلال البرامج التعليمية الضرورية من أجل مساعدة الطفل ذي الاحتياجات الخاصة للاستفادة من التعليم.
أهداف متعددة
وحول أهداف البرنامج الذي اعتمدته أوضحت أن الغاية الأولى منه هي التأكد من وصول الخدمات المناسبة لكل طفل، مع المشاركة الأسرية في البرنامج، مشيرة إلى أن التعليم الفردي بات يشكّل منهاجاً خاصاً لكل طفل معوق على حدة، ويضم هذا المنهاج أهدافاً تعليمية وأساليب لتحقيق أهداف ومعايير للحكم على أداء وفاعلية التلميذ، مع التركيز في عملية بناء البرنامج الفردي على الأساسيات التي يجب أخذها بعين الاعتبار لتحقيق الغرض الأساسي من البرنامج الذي يهدف لإتاحة الفرص لجميع الأطفال المعوقين للتعليم المتكافئ والمتساوي مع غيرهم من الأطفال، كما يهدف إلى إتاحة الفرصة لتأهيل الأطفال المعوقين للانخراط في الحياة العادية، والتفاعل مع الآخرين، إضافة لإتاحة الفرصة للأطفال غير المعوقين للتعرف على الأطفال المعوقين عن قرب، وتقدير مشاكلهم، ومساعدتهم على مواجهة متطلبات الحياة بكل مرونة، وأهمية خدمة الأطفال المعوقين في بيئتهم المحلية، والتخفيف من صعوبة انتقالهم، واستيعاب أكبر نسبة ممكنة منهم الذين لا تتوفر لديهم فرص للتعليم، مع ضرورة العمل الجاد على تعديل اتجاهات أفراد المجتمع، خاصة العاملين في المدارس من مديرين ومدرّسين، والتقليل من الفوارق الاجتماعية والنفسية بين الأطفال أنفسهم، وتخليص الطفل وأسرته من ذاك الشعور بالوصمة التي يمكن أن يخلقها وجوده في المدارس الخاصة بالمعوقين، وشددت على أهمية إعطاء المعوقين فرصة أفضل، ومناخاً أكثر تناسباً لنموهم أكاديمياً واجتماعياً، إلى جانب تحقيق الذات، وزيادة دافعيتهم نحو التعليم، ونحو تكوين علاقات اجتماعية سليمة مع الغير، عدا عن العمل على تعديل اتجاهات المعلمين وتوقعاتهم نحوهم من كونها اتجاهات تميل إلى السلبية إلى اتجاهات أكثر إيجابية، مشيرة إلى أن التربية الخاصة في المدارس العادية تساعد على تجنب عزل الطفل عن أسرته، والتركيز بشكل أعمق على المهارات اللغوية للطفل، حيث نجد أن تعلّم اللغة يعتمد بشكل كبير على العوامل البيئية، وينمو لدى هؤلاء الأطفال المدمجين من خلال التفاعلات اليومية مع الآخرين.
كارثة للبعض!
وحذرت الاختصاصية النفسية من أن الدمج الذي قد يكون حلماً وأملاً يتمناه الكثير من الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة، قد يكون كارثة للبعض الآخر لما قد يطرأ من سلبيات في عملية التطبيق، ومن الممكن، حسب قولها، ألا يتم احتواؤها مسبقاً أو الاستعداد لها!.
وبيّنت عباس أن هذا الدمج يتطلب نجاحه عدة مقومات أهمها: التعاون المثالي من الأهل، والدعم والتسهيلات من قبل المؤسسات الحكومية المعنية كأي عمل مجتمعي، نجاحه يعتمد على مبدأ التشاركية، مؤكدة على أهمية تبادل الخبرات بين الأهل والمتخصصين والمدرسة.
دمج المجتمع أولاً
والدة طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة طالبت بأن يتم التركيز على دمج أفراد المجتمع العاديين في هذا المجتمع قبل أن يتم دمج الطفل ذي الاحتياجات الخاصة، مشيرة إلى وجود ظواهر معيبة من قبل الأطفال العاديين، أو حتى ممن يكبرهم سناً ووعياً، فبعضهم يفسر سبب وجود هذا الطفل بأنه ذنب، أو عقاب لأهله، أو عقاب للطفل نفسه، أو هناك من “يغمز ويلمز” بسبب وضع هذا الطفل أو ذاك، أو تأخره عن أقرانه، أو طريقته في الأكل، بينما هو بنظر أهله إنسان قبل كل شيء ولد على هذا الحال لسبب علمي وطبي ووراثي، يحتاج الرعاية والدعم والحنان، ويحتاج لمن يتفهمه ويعلّمه بكل صبر، ويتميز عن غيره بعدم قدرته على الأذى أو الكذب أو النفاق أو القيام بأي سلوك قد يضر غيره، في حين قد يعجز أطفال أصحاء عن استيعاب كلام أهلهم ومعلميهم، ويسببون الأذى أينما ذهبوا ودون وعي منهم لما قد يسببونه، حتى لو كان الاعتداء على المرافق العامة وأعمدة الإنارة، أو ممتلكات الغير كالسيارات والنوافذ، وبالمحصلة تجد هذه الوالدة ابنها إنساناً طبيعياً ومتكاملاً، ولا يحتاج سوى الرعاية والتفهم من الجميع.
بشار محي الدين المحمد