ثقافةصحيفة البعث

“إصدار” تحاور عدنان عزوز حول منهجية كتابه

اشتُهرت سورية بالتعايش والتلاحم الروحي والاجتماعي، حيث ترتفع فيها المآذن بجوار الكنائس، ويأتي كتاب د. عدنان عزوز “القرآن والإنجيل من مشكاة واحدة”، الصادر عن دار دلمون الجديدة، ليؤكد على النوازع الإنسانية المشتركة بين الدينين الإسلامي والمسيحي.

وفي جلسة “إصدار” في المركز الثقافي في كفرسوسة بإدارة وحوار الإعلامي ملهم الصالح نوقشت مسائل إشكالية تتعلّق بمنهجية الكتاب وتفصيلاته، وبضرورة وجود مرجعية دينية مسيحية، كما حُدّدت بعض الهفوات المتعلقة بالتبويب والشكل والتي من الممكن تلافيها في الطبعات القادمة.

المقابلة 

بُني الكتاب كما ذكر د. عزوز على المقابلة بين آيات من الإنجيل مع ما يقابلها من القرآن الكريم، ثم تدوين عناوين مشتركة فيما بينها، مستفيداً من دراسته الأكاديمية وتخصّصه بعلم اللغويات وتحليل المفردات، فأورد مثالاً من الكتاب ليوضح للحاضرين المنحى العام لكتابه، إذ ورد في الإنجيل آية (مت 6: 20) “بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ” يقابلها في القرآن الكريم في الآية الرابعة عشرة من سورة آل عمران “زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب”. وتابع: هي محاولة متواضعة للنظر إلى الأمور بطريقة أفضل على خلفية خلاف بين طلابي في مناسبة دينية بين المسلمين والمسيحيين نتيجة الجهل بالآخر، فأردت أن أدحض الموروث الذي يوحي بأنه على صواب والآخر على خطأ، ولاسيما لمن لم يطلع على الإنجيل.

وبدأ الصالح من اختيار د. عزوز إنجيل متى، أحد الأناجيل الأربعة، واستبعاد إنجيل لوقا ويوحنا ومرقص؟ فأوضح د. عزوز أن التداخلات كثيرة بينها، واختار إنجيل متى لأنه الإنجيل الأول الذي تمّ اعتماده في الكنيسة الكاثوليكية، ليسأله عن عدم وجود مرجعية دينية مسيحية من قبل اللاهوتيين، تقابل مرجعيتك الإسلامية، فربما يكون هناك تأويل مخالف؟ فعقب بأن الكتاب حصل على موافقة وزارة الإعلام التي أرسلته إلى وزارة الأوقاف وتمّت الموافقة عليه.

التكرار والشواهد

ثم توقف عند العناوين المشتركة التي استخرجها ووضعها د. عزوز بين آيات الإصحاح في الإنجيل والمعادل لها من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة من حيث المعاني، إذ ضمّ الكتاب ثمانين موضوعاً من العظات، إلا أن سبعة عناوين جاءت مكررة بمواضع متفرقة وليست متتابعة مثل الموت، وبذلك تكون الموضوعات ثلاثة وسبعين موضوعاً، ورأى أن التكرار يربك القارئ، وخاصة أنه لم يخضع للتبويب حسب العظة مثل التسامح أو الغفران أو معجزة شفاء المرضى.

العناوين أيضاً جاءت طويلة ومسجوعة وأحياناً تكون مشطورة على غرار الشعر، وأحياناً دون ذلك، وبعضها كان مضللاً ما يشكّل إشكالية للقارئ الذي يفكر بالمقابلة بين الآيتين، أما فيما يتعلق باختيار الشواهد فلم تكن بمنهجية واحدة، فبعض الشواهد من الإصحاح كانت طويلة، كما وردت عشر صفحات معلّمة لم يحدّد فيها شاهد.

فعقب د. عزوز بأن التكرار بغية الإصرار، فالله عزّ وجل يخاطب البشر بمستويات عدة ويكرّر أموراً لخطورتها، أما العناوين الطويلة فلتداخل الآيات من حيث المعنى، والشواهد الطويلة لأنها تدور في فلك واحد.

مقدمات الكتاب 

ثم انتقل الصالح إلى تقديم الكتاب، إذ قدّم له مفتي الجمهورية العربية السورية السابق د. أحمد بدر الدين حسون، والأب إلياس زحلاوي، إلا أنك على غير المتّبع تجاوزت المقدمتين ووضعت المقدمة التي كتبتها قبلهما، فجاءت مقدمة الباحث قبل مقدمة المقدم.

الإنجيل والتوراة

ومن جانب آخر، وجد الصالح أن الكتاب فيه إقصاء للآخر كونه استبعد التوراة، متسائلاً عن السبب؟ فعقب الباحث بأن هناك فرقاً بين الإنجيل والتوراة من حيث ضخامة الصفحات، إذ جاء التوراة بأكثر من ألفي صفحة، بينما الإنجيل جاء بخمسمائة وخمسين صفحة، فالأمر يتعلق بسهولة التعاطي مع الإنجيل وليس إقصاء لأحد، وربما في الدراسات القادمة أقدم دراسة عن التوراة، ولأن الاختلاف بالرأي كان بين المسلمين والمسيحيين.

أحداث تاريخية 

ولم يتطرّق الكتاب إلى كل الإصحاحات، إذ استبعد د. عزوز خمسة إصحاحات من أصل ثمانية وعشرين إصحاحاً، الإصحاح الثاني والثالث والرابع عشر، والثاني والعشرون والإصحاح الأخير فلماذا؟ فأجاب: إن هذه الإصحاحات تتعلق بأحداث تاريخية مثل العشاء الأخير والخيانة والقبض على السيد المسيح من قبل اليهود وتسليمه للرومان، لقد ركزت على الوصايا التي دوّنها الحواريون تلامذة السيد المسيح مع ما يقابلها من آيات القرآن الكريم.

وأجمعت المداخلات على أن الكتاب يعزّز التآخي الديني وأواصر المحبة ويركز على القيم النبيلة الواردة في الكتابين المقدسين. وأشار الإعلامي محسن عبود إلى أهمية الكتاب بعيداً عن التفاصيل الصغيرة المتعلقة بهيكلية الكتابة، والتي لا تفيد المتلقي بقدر معرفته بالمنحى العام للكتاب، وبأننا أحوج ما نكون إلى هذا الكتاب في الفترة العصيبة التي نعيشها وكثُرت فيها أصوات النشاز، ونتعرّض فيها لحرب ثقافية طاحنة أكثر من الحرب العسكرية.

ملده شويكاني