مسيرة المنتخب الوطني خلال السنوات الماضية بين العقلية البالية والفكر الهاوي غياب الاستقرار قتل حلم المونديال وسوء الإدارة أبعدنا عن مواصلة التطور
البعث الأسبوعية -ناصر النجار
لم يكن الزمن الذي أبدع فيه المنتخب الوطني ببعيد، منذ أربع سنوات فقط كان منتخبنا قريباً من التأهل لمونديال روسيا، لكن القائم الاسترالي وقف أمام طموح ملايين من عشاق الكرة السورية برؤية منتخب واعد يتخطى حدود المعقول إلى اللامعقول، وهكذا كان قدرنا، في تلك التصفيات رغم خروجنا المشرف إلا أن منتخبنا كسب الاحترام والتقدير وقد صنع لنفسه شخصية كروية لاقت كل احترام وتقدير وصارت كل المنتخبات تهابه وتخشى مواجهته.
هذا المنتخب كان وليد الأزمة وخرج من رحمها، ورغم كل سنوات الحرب إلا أن منتخبنا أوصل رسالة قوية إلى كل العالم عن الصمود وعن الروح الخفاقة التي لا تموت مهما واجهت من صعوبات وعقبات.
واستبشرنا خيراً وتوقعنا أن يتابع منتخبنا المشوار بالعزيمة نفسها والثقة ذاتها والعروض الجيدة المترافقة بالنتائج، لكن وقع المحظور وبدأت سنوات الضياع ودخلت كرتنا النفق المظلم وهي تبحث عن هويتها التي أضاعها متنفذون أحبوا أن يصلوا إلى العلالي على أكتاف منتخبنا فسقطوا وسقط معهم المنتخب.
عقول بالية
بعد مباراة أستراليا حسبنا أن القائمين على المنتخب سيبنون عليه ليصلوا إلى مرحلة أفضل على صعيد الأداء والنتائج، لكن للأسف مسكوا معاول التهديم وخربوا كل شيء بناه المنتخب حتى صرنا أضحوكة للجميع، وللأسف أيقنا أن كرتنا ومنتخبنا يقوده مجموعة من الهواة لا علاقة لهم بتطوير الكرة وتنمية المهارات للوصول إلى مواقع أكثر علواً ورفعة.
هذه العقول البالية أطاحت بكل جميل في المنتخب فأبعدت المدرب الناجح وطاقمه وجاءت بمدرب أقل ما يمكن القول عنه أنه زرع الفتنة بين لاعبي المنتخب وصارت المشاكل يومية والمنازعات شخصية على حساب مصلحة المنتخب ومهامه الوطنية فتراجع إلى الحضيض، وكلما تغير اتحاد الكرة لسبب من الأسباب كان يعمد الاتحاد الجديد إلى نسف عمل من قبله ليبدأ مهامه من الصفر، وهكذا عشنا بين من يبني ومن يهدم لندفع ضريبة هذه الثقافة الكروية المهترئة ثمناً باهظاَ.
وفي إحصائيات السنوات الخمس الماضية وجدنا أن منتخبنا الوطني أكثر منتخب تعاقب عليه المدربون من مدارس مختلفة دون أن يعرف المنتخب الاستقرار وكان عددهم ثمانية مدربين، والبداية مع المدرب الوطني فجر إبراهيم الذي درب لفترتين ثم المدرب الوطني أيمن الحكيم ثم الألماني شتانغه ليعود فجر إبراهيم ثم المدرب التونسي نبيل معلول ثم المدرب الوطني نزار محروس ثم المدرب الروماني فاليرو تيتا وأخيراً المدرب الوطني غسان معتوق.
ومن هنا بدأت رحلة التراجع لأن الأساس في البناء هو الثبات والاستقرار وليس التغيير والتبديل المستمرين، وهذا العامل ساهم بشكل كبير في تذبذب مستوى منتخبنا وتراجع أدائه ونتائجه مرحلة بعد أخرى وخصوصاً أن لكل مدرب فكره وطريقته وأسلوبه، فضلاً عن أنه يريد البناء لنفسه أكثر من بناء المنتخب، ولا ننسى أن الفساد الذي صار (على عينك يا تاجر) ساهم بشكل كبير في تحجيم المنتخب وتصغيره لأن كل من هب ودب صار يطمع بدخول المنتخب والانضمام إليه ما دامت أبواب الواسطة مفتوحة لمن أراد وعرف الطريق.
وبالمقابل وجدنا العديد من المنتخبات التي كنا نسبقها بأميال سبقتنا في هذه السنوات وبات الفوز عليها يحتاج إلى عرافين وقدرات خارقة.
برنامج عشوائي
المتابع للمنتخب يجد أنه يسير خبط عشواء دون وجود روزنامة نشاط واضحة مبنية على أساس استحقاقات المنتخب وقوة مبارياته ونوعيتها، وهذا دأب كل المنتخبات التي تضع هذه البرامج بشكل سنوي وتعقد الاتفاقيات من اجل أداء المباريات الودية قبل النشاط الرسمي، ودوماً تجد أن هذه المباريات تتناسب طرداً مع تنوع المدارس ومستوى المنتخبات التي سيواجهها المنتخب، وعلى سبيل المثال فإن أوقعت القرعة اليابان مع لبنان أو الأردن فإن اليابانيين يبادرون إلى طلب مباراة ودية مع منتخبنا من أجل الاعتياد على المناخ والاطلاع على المدرسة الكروية التي تجمعنا في هذه البقعة من العالم.
منتخبنا لا يفكر بمثل هذا الأمر لأن إدارته هاوية ولا تعرف ماذا تريد، وكيف ستواجه هذه المنتخبات وتضع اعتمادها الكلي على المدرب وكأنه (سيشيل الزير من البير) المدرب بحاجة إلى إمكانيات ومقومات ومباريات تتناسب مع كل فترات التحضير، ومشكلتنا أننا غير قادرين على طلب المباريات واستضافة المنتخبات، لأننا ننتظر من يدعونا إلى اللعب بضيافته وعلى حسابه، وهذا الموضوع ليس وليد الأزمة بل هو أسلوب متبع منذ زمن بعيد، والمفترض أن يكون للمنتخب شركة راعية تقوم على تسويق مبارياته وتأمين طلباته وكل احتياجاته من مباريات ومعسكرات، أسوة ببقية الاتحادات الوطنية التي أعطت الاختصاص لأهله فنجحت وتطورت وتألقت.
والملاحظ في السنوات الماضية أن مباريات منتخبنا الودية اقتصرت على منتخبات قريبة كلبنان والعراق واليمن وفلسطين وعمان والبحرين ومنتخب الجزائر بلاعبيه المحليين ومثل هذه المباريات بالبرامج الاستعدادية لا تطور المنتخب لأنه يواجه منتخباً مماثلاُ أو أدنى من المدرسة نفسها، وإذا تابعنا بقية المنتخبات لوجدنا أنها تلعب مباريات كبيرة مع منتخبات لها وزنها في أكثر من قارة وهذا وحده يساهم بتطوير المنتخب.
المصلحة الشخصية
إضافة لعدم الاستقرار وعدم وضوح البرامج الاستعدادية والجدية بالتعامل معها ومع كل طارئ ومستجد، فإن العامل الثالث الذي ساهم بخراب منتخبنا العشوائية في انتقاء اللاعبين وفق المصالح الشخصية والمنافع الذاتية.
والجديد في السنوات الأخيرة ما يسمى بلجنة المحترفين التي خرجت عن مهامها بتأمين لاعبين مغتربين مميزين وباتت تسوق لاعبين ما أنزل الله بهم من سلطان، وعملية البحث عن لاعبين مغتربين من أصول سورية فكرة جيدة جداً ومن الممكن أن يستفيد منها منتخبنا ولكن هذه الفكرة صارت (حق يراد به باطل) فتمت تجربة العشرات من اللاعبين في المنتخب الأول والأولمبي والشباب وأغلب هؤلاء اللاعبين لم ينالوا رضا الجهاز الفني باعتبار اللاعبين المحليين أفضل منهم، وبالفعل لم نشاهد أي لاعب بمستوى السومة أو الخريبين أو المواس، وتبين لنا بما لا يدعو للشك أن الغاية من دعوة هؤلاء اللاعبين هي التسويق والفائدة الشخصية ولا شيء غيره وخصوصاً أن أغلبهم يلعب في البلاد الأوروبية بالدرجات الدنيا من دوري الهواة.
هذه القضية ساهمت بخراب المنتخب وشق صفوفه وتواضع مستواه لأن الكثير ممن مثلوا المنتخب كانوا غير جديرين بالمنتخب على حساب لاعبين تم تجاهلهم رغم أحقيتهم التي فرضها مستواهم الفني والبدني وأداؤهم في المباريات، ولنا أن نتصور أن المنتخب جرب أكثر من مئة لاعب وأشرك في المباريات أكثر من خمسين لاعباً في هذه الفترة القصيرة وهو دليل تخبط وعشوائية وضياع، فهل هذا يدل على فكر احترافي يقود كرتنا ومنتخبنا؟
ملاعب متصحرة
وبالمقابل فإن أهم مقومات بناء كرة القدم الذي ينعكس ايجاباً على منتخبنا هو وجود ملاعب صالحة، وللأسف فإن منتخبنا ليس له ملعب، وأي تمرين يحتاجه كان يؤديه على الملاعب المختلفة الأكثر صلاحية أو لنقل الأقل سوءاً، ونحن ندرك تماماً أن الملعب هو أحد مقومات بناء كرة القدم وتطورها، ودون هذه الملاعب لا يمكن لأي مدرب أن ينفذ البرنامج الذي أعده على الورق فضلاً عن الإصابات التي تنجم من استعمال مثل هذه الملاعب.
وهذه المشكلة عامة، والحالة الافتراضية تقول: عندما يكون لديك أندية محترفة ودوري قوي وملاعب صالحة ينتج لديك منتخب قوي، والحقيقة أن الملاعب الصالحة تنتج دورياً قوياً وتفرز لاعبين مهرة قادرين على إظهار موهبتهم وفنياتهم بشكل جيد ، لكن للأسف فإن ملاعبنا كبتت كل موهبة وقضت على كل بارقة أمل في ظهور خامات واعدة.
ومن العوامل الأخرى التي تساهم بتراجع كرتنا عدم الاهتمام بالقواعد والناشئين بالتحديد وهذه مسؤولية مشتركة بين الأندية والقائمين على كرة القدم، ورغم أننا نسمع عن الكثير من المدارس الكروية والأكاديميات إلا أنها ليست أكثر من مراكز تجارية غايتها الربح المالي أكثر من أن تكون غايتها بناء القواعد وتطوير المواهب، وهذا الكلام يخص الأندية التي تنفق مئات الملايين على هذه المدارس دون أي فائدة، وكأن الغاية من هذه المدارس بعض المنافع الشخصية، وهو يخص أيضاً المراكز الخاصة التي تعتمد على كرة القدم في جني الأرباح دون أن تقدم لكرة القدم أي ناتج ايجابي وهذا هو الاستغلال بعينه.
إضافة إلى الهدف المالي الرئيس من هذه المدارس والأكاديميات فإنه يغيب عنها أصحاب الخبرة والاختصاص ونرى المدربين من نوعيات شتى تقوم على تدريب الصغار دون برامج مفهومة ودون أي اهتمام لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولو أن هذه المدارس لقيت الاهتمام المطلوب من القائمين عليها وتولى أمورها الفنية لاعبونا الدوليون المعتزلون لكان الحصاد كبيراً ومثمراً، ولكن للأسف وجدنا كل أنديتنا تبحث عن البطولات المعلبة واللاعبين الجاهزين لدرجة أن (الميركاتو الشتوي) في الدوري الممتاز لم يجد أي لاعب لتعزز الأندية بها صفوفها وهذا النقص الحاد باللاعبين هو نتيجة طبيعية لإهمال فرق القواعد وعدم العناية بهم.
حلول مطلوبة
هذه المشاكل التي استعرضناها ببعض التفاصيل هي مجتمعة ساهمت بتدهور منتخبنا وتراجع نتائجه، والمشكلة أن جميع المتابعين يعرفون هذه النقاط وأسباب الفشل، ويعرفون الحلول المجدية التي تساهم بتطوير كرتنا سواء على صعيد الأندية أو المنتخبات الوطنية، لكن للحقيقة فإن كرتنا تملك الكثير من اللاعبين النجوم والكثير من اللاعبين المواهب ولكن لا تملك أكاديميين ولا إداريين محترفين، فضلاً عن الفساد الذي بات ينهش كل مؤسسة من مؤسساتنا الرياضية، ومن المفترض إذا قررنا العمل الجاد من أجل بناء كرتنا وتطوير منتخباتنا أن نطور العمل الإداري عبر دورات خارجية يتبعها مندوبو الأندية ومدراء وإداريو المنتخبات ليتم تأهيلهم للعمل بشكل صحيح وسليم ومدروس، فكرة القدم صارت اختصاصاً بكل فصولها، لا يلزمنا مدرب ناجح فقط، بل يلزمنا مدير كرة يفهم طبيعة مهامه وإداري يعرف طبيعة عمله ومعالج وإلى ما هنالك من اختصاصات بعضها نعرفها وبعضها نسمع عنها، وعندما نمتلك العقلية المحترفة والطواقم الإدارية التي تفهم صلب اختصاصها لن نقع بمطبات لا تقع بها فرق الأحياء الشعبية، فكرتنا تموت وقد دخلت الإنعاش، فهل من يبادر لإنقاذها؟