مجلة البعث الأسبوعية

استناداً لـ” تعمد الحكومات تجاهل هذه الظاهرة”..!؟ مقاربة لـحقيقة “ألتضخم” في الحالة السورية مع عدد من الاقتصاديات المتقدمة

البعث الأسبوعية- قسيم دحدل

تتعدد أسباب “التضخم”، إذ لا يوجد اتفاق بين الاقتصاديين بشأن تعريفه ويرجع ذلك إلى انقسام الرأي حول تحديد مفهومه حيث يستخدم هذا المصطلح لوصف عدد من الحالات المختلفة كالارتفاع المفرط في المستوى العام للأسعار، أو تضخم الدخل النقدي أو عنصر من عناصر الدخل مثل الأجور أو الأرباح،  وكذلك ارتفاع التكاليف، أو الإفراط في خلق الأرصدة النقدية.

وليس من الضروري أن تتحرك هذه الظواهر المختلفة في اتجاه ووقت واحد، بمعنى أنه من الممكن أن يحدث ارتفاع في الأسعار دون أن يرافقه ارتفاع في الدخل (كحالنا)، كما أنّه من الممكن أن يحدث ارتفاع في التكاليف دون ارتفاع في الأرباح، ومن المحتمل أن يحدث إفراط في طبع العملة دون  حدوث ارتفاع في الأسعار أو الدخول.

وبعبارة أخرى فإن الظواهر المختلفة التي يمكن أن يطلق على كل منها “التضخم” هي ظواهر مستقلة عن بعضها بعضاً إلى حد ما وهذا الاستقلال هو الذي يثير الإرباك في تحديد مفهوم التضخم.

في مادتنا هذه نحاول أن نجتهد في ملامسة فهم ماهية التضخم، استنادا لمقاربة ومقارنة حقيقته وأسبابه ـ ونقصد التضخم ـ في الاقتصاديات القوية المتقدمة، مع حقيقة وأسباب التضخم في الحالة السورية.

عالميا..؟

عالمياً يرى الخبراء أن المشكلة الحقيقية التي سببت التضخم الحالي غير المسبوق في نِسَبهِ، هي الإجراءات الحكومية التي تم اتخاذها في فترة وباء كورونا بغرض مساعدة القدرة الشرائية للمواطنين، حيث أدى “كورونا” إلى اضطرابات في سوق العمل وسلاسل الإمدادات مما أوصل إلى حالة التضخم.

وبحسب الخبراء أن مشكلة التضخم تضرب أنحاء العالم كافة، وليس الاقتصاد الأميركي فقط،  إذ تشهد الولايات المتحدة ارتفاعا في معدلات التضخم وصلت إلى 5%، لتكون بذلك الأعلى خلال أكثر من 10 سنوات، وهو ما يثير كثيرا من القلق.

ويؤكدون أن الأسعار ارتفعت في الدول كافة خلال العام الماضي ولا تزال مستمرة، حيث أن نسبة التضخم بلغت 3% في منطقة الاتحاد الأوروبي بعد أن كانت عند مستوى الصفر في كانون الثاني عام 2020، بحسب بيانات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.

كما وصلت نسبة التضخم إلى 4.5% داخل مجموعة الدول العشرين، وهي التي تشكل 80% من الناتج المحلي الخام في العالم. ووفقا لتقارير رسمية من الصين أن مؤشر سعر الإنتاج -الذي يستخدم لقياس كلفة البضائع التي تباع للشركات- شهد ارتفاعا بنسبة 10.7% خلال الشهر العاشر من العام 2021.

ارتفاع مستمر

ويلاحظ الخبراء أن كل هذه المؤشرات في ارتفاع مستمر، ولا توجد أي مؤشرات على تراجعها، وهو ما يعني أن التضخم سوف يستمر ويتفاقم في المستقبل، مرجعين ما وصل إليه التضخم من حدود، سببه أن الحكومات في عدة بلدان حول العالم بالغت في ردة فعلها تجاه الأزمة الصحية والاقتصادية التي عانت منها، وقامت بصرف مبالغ نقدية سخية للشركات والأفراد، وهو ما أدى إلى تكدس المدخرات لدى العائلات، مع تواصل حالة الإغلاق العام ومنع النشاطات التي يمكن من خلالها إنفاق هذه الأموال.

ارتفاع للمدخرات..!؟

هذه المعادلة جعلت المبالغ التي يتم ادخارها في الاتحاد الأوروبي -على سبيل المثال- ترتفع بنسبة 25% خلال فترة الوباء، أما في الولايات المتحدة فإن النسبة ارتفعت بفارق 30% عام 2020.

أن كل هذه الأموال – التي وزعتها الحكومات – ينفقها المواطنون الآن على كل السلع المعروضة، وهذا يظهر من الأرقام القياسية لمبيعات التجزئة في الولايات المتحدة، التي ارتفعت من 20- 25 مليار دولار في سنوات سابقة، إلى 526 مليارا في شباط 2020؛ والسبب الأساسي وراء ذلك هو 4 حزم من الإنعاش المالي الموجه للأسر الأميركية قدمتها الحكومة بدون التأكد من وجود حاجة حقيقية لها.

وحقيقة أن هذا الارتفاع الضخم وغير المسبوق في إنفاق الأميركيين على تجارة التجزئة يأتي في وقت يشهد فيه الاقتصاد تزايدا في البطالة بفارق 5 ملايين مقارنة بما قبل الوباء، وهو ما يثبت أن التضخم سببه عدم التناسب بين الأموال المتوفرة والسلع المعروضة.

تشجيع الإنفاق

ومع ذلك يتجه الاحتياطي الفدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي نحو مزيد من التشجيع لظاهرة الإنفاق في هذه الاقتصاديات عبر الحفاظ على معدلات فائدة منخفضة، إذ لا يزال الفدرالي الأميركي يعتقد أن الاقتصاد يحتاج إلى التحفيز من أجل التعافي من الانكماش الذي سببه تفشي الوباء، وبالتالي يجب ترك سعر الفائدة عند المستوى صفر.

وبالطريقة نفسها، يفكر بنك الاتحاد الأوروبي، الذي تمسك بنسبة الفائدة نفسها، معتقدا أن هنالك حاجة إلى تشجيع إنفاق المستهلكين، وهي خطوات  يراها الخبراء”حمقاء”، وتشبه تماما قيام رجال الإطفاء بإلقاء الزيت على النيران المشتعلة بغية إطفائها.

تعمد ملفت..!؟

الملفت أن الخبراء يقولون: إن الحكومات عادة ما تتعمد تجاهل ظاهرة التضخم، لأن المَدِينين دائما ما يستفيدون منها، باعتبار أن الأقساط المستوجبة عليهم تكون ثابتة، أما المبالغ التي يكسبونها فإنها تزيد مع التضخم.

ويبينون أن الحكومات استدانت بشكل كبير لتمويل برامج الإنعاش الاقتصادي، وهو ما أدى إلى وصول ديونها إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ، ولذلك فإن وصول التضخم إلى 5% يساعدها على تخفيف عبء الدين وإدارة الموازنة بشكل أسهل. وعبر التاريخ، لجأت الحكومات إلى تعمد رفع نسب التضخم أو خفض قيمة العملة، من أجل تلافي تبعات السياسات المالية الخاطئة.

محلياً..!!!؟

مما سبق..، وفي ضوء ما خلص إليه الخبراء من: ( تعمد الحكومات رفع نسب التضخم أو خفض قيمة العملة، كي تتلافى تبعات السياسات المالية الخاطئة)، نتساءل: هل يمكن أن تكون حكومتنا أو من يديرون ويخططون لاقتصادنا ونقدنا، يتبعون الأمر نفسه..؟!، نسأل علنا نستطيع فهم سبب ما وصل إليه معدل التضخم حيث وصل لأكثر 878%، وهو الأعلى عالميا..!؟.

استنفاذ المدخرات

كذلك نسأل من باب المقاربة لما قامت به تلك الدول تجاه مواطنيها واقتصادياتها: (صرفها مبالغ نقدية سخية للشركات والأفراد، الأمر الذي أدى إلى تكدس المدخرات لدى العائلات..)، ومقارنة هذا مع ما حدث يحدث في الحالة السورية، حيث على العكس تماما تم استنفاد مدخرات العائلات، في ظل دعم بسيط لبعض السلع الأساسية لا أكثر، وزيادة لا تغني من فاقة وجوع للرواتب..!. فهل كان المخططون يراهنون على قيمة الحوالات الخارجية التي تصل السوريين في الداخل من أقرباء أو أصدقاء..؟!، أي تعمدهم رفع نسب التضخم أو خفض قيمة العملة، كي يتلافون تبعات السياسات المالية الخاطئة..؟!. هو مجرد سؤال يحتمل الصح والخطأ.

فارق جوهري

فالمدخرات التي اكتنزتها العائلات..، في الثلاث حالات ( في أمريكا و الاتحاد الأوربي و الدول العشرين)، مصدرها الدولة، لكنها في حالتنا تتعدد مصادرها، مع تغليب مصدر الحولات، التي لا يمكن أن تندرج في خانة المدخرات، إنما يمكن أن نطلق عليها إن جاز التعبير ” مدخرات جارية”، كونها تأتي اسعافية لتنفق وتصرف مباشرة على المتطلبات والإحتياجات المعيشية الأساسية، وبالتالي فهي لا تذهب لإنعاش الاقتصاد وكسر الإنكماش، كما هو الحال في الاقتصاديات الأمريكية والغريبة.  

مفارقة غريبة..!

حقيقة أن الحالة السورية تكاد تستعصي على الفهم، فرغم ما شهدثه ـ مثلا- سلاسل الإمدادات عالميا من انتكاسات، إلاَّ أن هذه الإمدادات لم تتأثر لدينا وتحديدا فيما يخص المنتجات والسلع الغذائية وحتى غير الغذائية – إذا ما استثنينا نسبيا حوامل الطاقة – بالشكل والفعالية في تأثيراتها السلبية القاسية التي تتناسب وقساوة الحالة الاقتصادية السورية، فكل شيء من متطلبات المعيشة الأساسية والكمالية وحتى الرفاهية، متوفرة، لكن أسعارها في اضطراد دائم توازيا مع تراجع القوة الشرائية للنقد الوطني..!؟.

هل فيه ” فرادة” ؟!

واقع من ” التضخم الوطني” نكاد نتفرد به، وهي قضية اقتصادية نقدية متشابكة ومركبة تستحق الدراسة العميقة المختلفة ومن خارج كل ما طرحه خبراؤنا من تحليل لها ولأسبابها سواء التي اعتبروها موضوعية أو التي عدُّوها غير ذلك، بعيداً عن دلالات نسبة التضخم الأعلى عا

 

لمياً، التي نعتقد أنه قد تم تضخيمها ” لغايات في نفس يعقوب”..!؟، نسبة..، على المختصين فك قطبها المخفية، عبر التفكير بها والتحليل  لها من خارجه الصندوق كما يقال.