مجلة البعث الأسبوعية

هدف هيستيريا الحرب في أوراسيا

د. مهدي دخل الله

نقطة على أخطر الحروف وضعها بوتين في حديثه عبر الفيديو السبت الماضي مع بايدن , حيث وجّه الرئيس الروسي لزميله الأمريكي سؤالاً استنكارياً صعباً : ”  ترى , ماهي أسباب إثارة هيستيريا الحرب مع روسيا ؟؟  ” ..

البحث عن الأسباب مرتبط بمعرفة الأهداف لأنها هي المقصودة في العملية برمتها . ويبدو أن هناك عدداً من الأهداف المتكاملة من سياسة دفع العالم إلى أخطر الحالات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية . بل لعل الحالة الآن أصعب من تلك التي كانت أيام الأزمة الكوبية الشهيرة عام 1961 لأنه عندها كان في البيت الأبيض رئيس له بعضٌ من الحكمة واسمه جون كينيدي , أما اليوم فلا أحد يستطيع الإدعاء بأن ساكن البيت الأبيض لديه معرفة , وإن كانت سطحية , بالحكمة..

أول الأهداف الأمريكية من التصعيد مع روسيا هو إعادة السيطرة على أوروبا , وبخاصة ألمانيا وفرنسا . فمن الواضح أن العلاقات الأمريكية الأوروبية كانت فاترة جداً في عهد الرئيس الجمهوري ترامب . وهناك مؤشرات على هذا الفتور منها مثلاً , تحدي المستشارة الألمانية السابقة ميركل للمقاطعة وذهابها إلى موسكو وتوقيعها مع بوتين على خط أنابيب الغاز الروسي (نورد ستريم) , ومنها أيضاً انسحاب أمريكا في عهد ترامب من اتفاقية المناخ , وكذلك عدم اهتمامه بالناتو في أوروبا , وضم روسيا للقرم , وانفصال جمهوريتي دونباس ( دونيتسك ولوغانتسك ) عن جسم أوكرانيـا , كما أنه من المؤشرات انسحـاب بريطانيــا من الاتحـــاد الأوروبــي دعماً لأمريكـــا ” المنظومة الأطلسية ” ..

ومن الواضح أنه بعد انهيار الحرب الإيديولوجية والحرب الباردة ، بدأت ألمانيا وفرنسا التوجه نحو تحقيق مصالحهما الحيوية مع روسيا وخاصة مسألة إمداد الغاز والنفط , إضافة إلى الاستفادة من السوق الروسية القريبة والواسعة لتصريف البضائع الألمانية والفرنسية .

الهدف الثاني هو إعاقة عملية التحول إلى نظام عالمي جديد , عبر تحجيم دور روسيا المتصاعد بعد الخروج من صدمة ”  انهيار الاتحاد السوفييتي”  . ومن الضروري التأكيد هنا بأن الخطوة التأسيسية الأولى للنظام العالمي الجديد تمت في قمة الأسد – بوتين ، وصدور إعلان موسكو الشهير بتوقيعهما في 25/ 1/ 2005 .. كما أن أول تصرف عملي يؤكد النظام العالمي الجديد هو الفيتو الروسي الأول دعماً لسورية في تشرين عام /2011/ .

الهدف الثالث تعزيز التوتر في العلاقات الدولية بما يحفز عملية بيع الأسلحة الأمريكية , خاصة لدول مثل دول الخليج العربي . ومن المعروف أن مجمع إنتاج السلاح في كاليفورنيا من أكبر الداعمين للحزب الديمقراطي الأمريكي , ومصلحة هذا المجمع بيع أكبر كمية ممكنة من السلاح إلى العالم وإلى الحكومة الأمريكية نفسها على حساب دافع الضرائب الأمريكي . ومن الواضح أن تكاليف التوتر الحالي في أوروبا ستدفع ثمنه الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة ..

الهدف الرابع تحسين سمعة الرئيس بايدن وإيهام الرأي العام الأمريكي بأنه رئيس قوي وزعيم عالمي , خاصة بعد تراجع شعبيته الداخلية وظهور علامات الضعف في شخصيته وأدائه .

الهدف الخامس تحسين الاقتصاد الأمريكي وموقع الدولار على حساب اليورو أولاً والعملات الأخرى على مستوى العالم . وفعلاً ارتفع سعر تبادل الدولار مع اليورو من /1.20/ دولار لليورو إلى /1.13/ دولار لليورو .