الولايات المتحدة أكثر البلدان مديونية في العالم
عناية ناصر
ذكرت وزارة الخزانة الأمريكية مؤخراً أن إجمالي الدين القومي للولايات المتحدة تجاوز 30 تريليون دولار لأول مرة في التاريخ، وهو مبلغ يساوي ما يقرب من 130٪ من الناتج الاقتصادي الأمريكي السنوي، والمعروف باسم الناتج المحلي الإجمالي، وهذا الرقم الكبير يجعل الولايات المتحدة واحدة من أكثر الدول المثقلة بالديون في العالم.
كان الدين الفيدرالي مرتفعاً ومتصاعداً منذ عقود، لكن استجابة الحكومة الفيدرالية لوباء فيروس كورونا، والتي تضمّنت ضخ أموال ضخمة في الاقتصاد الأمريكي، سرّعت ازدياه بشكل كبير. ففي نهاية عام 2019، أي قبل انتشار الوباء، بلغ الدين الوطني 22.7 تريليون دولار، لكنه ارتفع بعد عام واحد، بمقدار 5 تريليون دولار إضافية إلى 27.7 تريليون دولار. ومنذ ذلك الحين، أضافت الإدارة الأمريكية أكثر من 2 تريليون دولار من الديون الإضافية. وفي حين أن الرقم 30 تريليون دولار، في حدّ ذاته، ليس له معنى كبير، إلا أنه قد يعمل على تركيز الانتباه على ما يعتبره البعض مصدر قلق كبيراً لسلامة البلاد في المستقبل.
وفي هذا السياق، قال مارك غولدوين، نائب الرئيس الأول وكبير مديري السياسات في لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة: “إن بلوغ الرقم 30 تريليون دولار هو تذكير بمدى ارتفاع ديوننا ومقدار الاقتراض، فالدين العام، وهو الإجراء الذي نفضّل استخدامه، يعادل حجم الاقتصاد، وخلال عقد من الزمان، سيكون أكبر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية. وفي غضون ذلك، لدينا أعلى معدل تضخم شهدناه منذ 40 عاماً، ولا يبدو أن هناك أي علامة على أن الاقتراض سيتجه للتوقف”.
إن الدين المستحق البالغ 30 تريليون دولار مستحق لمجموعة متنوعة من الدائنين، بما في ذلك الحكومة الفيدرالية نفسها، فوفقاً لوزارة الخزانة تمّ تصنيف 6.5 تريليون دولار من الدين القومي، اعتباراً من 31 كانون الثاني الماضي على أنها “ممتلكات داخل الحكومة”. ويشمل ذلك سندات الخزانة التي تحتفظ بها وكالات مختلفة من الحكومة الفيدرالية، وأبرزها إدارة الضمان الاجتماعي، التي تحتفظ بصندوق إئتماني لتوفير الدخل للمواطنين المسنين.
يتمّ تصنيف الجزء الأكبر بكثير من الدين على أنه ديون مملوكة للعام الأمريكي، والتي تبلغ 23.5 تريليون دولار. ويمكن أن يكون مصطلح “عام” مضللاً إلى حدّ ما لأن الفئة لا تشمل فقط أدوات الدين التي يحتفظ بها المستثمرون الأفراد، ولكن أيضاً الديون التي يحتفظ بها الاحتياطي الفيدرالي وصناديق الاستثمار الكبيرة والحكومات الأجنبية.
ووفقاً لوزارة الخزانة، تمتلك الحكومات الأجنبية نحو 7.7 تريليون دولار من الديون الأمريكية، واعتباراً من نهاية تشرين الثاني الماضي، وفقاً لأحدث البيانات المتاحة، كانت اليابان أكبر حائز أجنبي للديون الأمريكية بقيمة 1.3 تريليون دولار، وكانت الصين ثاني أكبر حائز للديون الأمريكية بقيمة 1.1 تريليون دولار، بينما كانت المملكة المتحدة في المركز الثالث بقيمة 622 مليار دولار.
لقد أصبحت تكلفة خدمة الديون المستحقة على البلاد جزءاً رئيسياً من الميزانية الفيدرالية مع ازدياد الديون المستحقة. ففي عام 2021، سدّدت الحكومة 562 مليار دولار من مدفوعات الفوائد على الديون المستحقة. وهذا أكثر من الميزانية السنوية لكل وكالة فيدرالية فردية باستثناء وزارة الخزانة ووزارة الصحة والخدمات الإنسانية التي تدير برامج التأمين الصحي الحكومية للرعاية الصحية والرعاية الطبية، ووزارة الدفاع. لكن الأمر المثير للدهشة أنه خلال الجزء الأول من الوباء، انخفضت مدفوعات الفائدة للحكومة الفيدرالية حتى مع زيادة الدين، بسبب الانخفاض الكبير في أسعار الفائدة. ومع ذلك، مع استعداد بنك الاحتياطي الفيدرالي لبدء رفع أسعار الفائدة في محاولة لدرء التضخم المتزايد، من المرجّح أن يرتفع المعدل الذي يتعيّن على وزارة الخزانة دفعه على الديون الصادرة حديثاً، مما يعني أن التكلفة الإجمالية لخدمة الدين الفيدرالي سترتفع على الأرجح في المستقبل القريب نسبياً.
إن نسبة ديون الولايات المتحدة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو المقياس الأكثر استخداماً لقياس مستوى مديونية بلد ما، يجعلها من بين أكثر البلدان مديونية في العالم. فوفقاً للبيانات التي جمعها البنك الدولي في تشرين الأول الماضي، فإن الدولة التي ذات أعلى نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم هي اليابان، والتي تحمل ديوناً تعادل 257٪ من ناتجها الاقتصادي. وتشمل الاقتصادات المتقدمة الأخرى ذات نسب الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي عالية جداً مثل اليونان بنسبة 207٪، وإيطاليا بنسبة 155٪. وبنسبة 133٪ تحتلّ الولايات المتحدة المرتبة 12 من حيث المديونية بشكل عام، ورابع أكثر الدول مديونية بين الاقتصادات المتقدمة التي تشكّل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث تبلغ نسبة دين منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي 80٪.
إن الدين القومي هو الإجمالي التراكمي للعجز الفيدرالي السنوي، ولم تشهد الولايات المتحدة سوى أربعة فوائض فيدرالية فقط من الخمسين عاماً الماضية من 1998 إلى 2001، بما في ذلك السنوات الثلاث الأخيرة لإدارة بيل كلينتون الديمقراطي، والسنة الأولى لإدارة جورج دبليو بوش الجمهوري. ففي العقود الأخيرة، ساهم كلّ من الديمقراطيين والجمهوريين في ارتفاع مستويات الاقتراض الفيدرالي، مع زيادة الديون على أساس منتظم، بغضّ النظر عن الحزب الذي يسيطر على الكونغرس والبيت الأبيض، وهذه الحقيقة تجعل بعض أعضاء الكونغرس يعبّرون عن إحباطهم من زملائهم بسبب ما يبدو عدم اهتمام بالمشكلة من قبل كلا الحزبين!.