دراساتصحيفة البعث

رولان دوما شاهد على الواقعة

هيفاء علي 

أشار الرئيس السابق للدبلوماسية الفرنسية، رولان دوما، الى أنه شارك في المناقشات التي تشير إليها روسيا اليوم حول الوعود الغربية بعدم توسيع حلف الناتو، التي قُدمت إلى الاتحاد السوفييتي في نهاية الحرب الباردة. فمنذ عدة أسابيع، يتهم المستشارون الغربيون موسكو بـ “حشد قواتها” في جنوب غرب روسيا، بناءً على مزاعم أطلقتها الإدارة الأمريكية وتصر عليها، والتي تفيد بأن الجيش الروسي على وشك غزو أوكرانيا. لكن هذه المزاعم أثارت مؤخراً رد فعل قوي من المدير التنفيذي الأوكراني الذي ألقى باللوم على واشنطن في التسبب في حالة من الذعر في البلاد، فيما نفت موسكو بشكل قاطع مشروع الغزو المنسوب إليها، وأكدت من جانبها في عدة مناسبات أن الأنشطة العسكرية المنفذة على أراضيها تتوافق مع القانون الدولي وهدفها الرئيسي ضمان أمن روسيا في مواجهة التوسع السياسي من الناتو تجاه حدودها. وبالتالي، تعد هذه النقطة مصدر قلق خاص للجانب الروسي، الذي يرى في حشد قوات الحلف في أوروبا الشرقية خيانة للوعود الغربية التي قُطعت لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية في نهاية الحرب الباردة،  ومع ذلك، يتم تقديم هذه الوعود على أنها “أسطورة” أو حتى “كذبة تاريخية”.

ولكن جاء من كان شاهداً على ذلك الوقت الذي وعد فيه الناتو روسيا بعدم التوسع، وجاء ليذكر الناتو وواشنطن أنه شارك في المناقشات والمفاوضات التمهيدية لمعاهدة موسكو في عام 1990، حيث كان وزيراً للخارجية الفرنسية، إنه رولان دوما، الذي وضح أن  تلك المفاوضات تتعلق في المقام الأول بإعادة توحيد ألمانيا، والتي هدفت خلالها الاعتبارات العامة إلى وضع نهاية للحرب الباردة، وحدثت تلك المناقشات بناء على طلب روسيا قبل كل شيء، ولأن الفرنسيين والأمريكيين والألمان أيدوها لتجنب العودة الى الحرب الباردة، بحسب الوزير الفرنسي السابق، الذي أضاف أن وفد الاتحاد السوفييتي قد قدم في ذلك الوقت طلبين رئيسيين إلى حلفائه الغربيين: أحدهما يتعلق بالحفاظ على نصب تذكارية لمجد الجيش السوفييتي بعد رحيل قواته،  والآخر كان من أجل الالتزام الغربي بأنه “لن يكون هناك تحرك لقوات الناتو إلى مناطق الاتفاق السوفييتي التي كان من المقرر نزع سلاحها.

ويستحضر دوما ذلك المشهد ويقول: “أتذكر جيداً المشهد حيث تدخل جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك، بعدي قائلاً:” حتى لو لم يطلب السيد دوما ذلك، لكنت سألت عنه”، قالها مرة أخرى في إشارة إلى التزام الغرب بعدم توسيع الناتو نحو الشرق.

رغم ذلك، لا يزال نطاق الالتزامات الغربية في هذا المجال محل نقاش، فعلى سبيل المثال، يشير الوزير الفرنسي الى الملاحظات التي أدلى بها في عام 2014 آخر زعيم للاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، الذي قال لصحيفة “روسيا بيوند”، من بين أمور أخرى: “لم تتم مناقشة موضوع توسع الناتو على الإطلاق، ولم يتم طرحه خلال تلك السنوات (1990)، ولم تثر أي دولة من دول أوروبا الشرقية هذه القضية، ولا حتى بعد انتهاء وجود حلف وارسو في عام 1991. ولم يتحدث القادة الغربيون عنها أيضاً بل تمت مناقشة موضوع آخر هو ضمان عدم تقدم الهياكل العسكرية لحلف شمال الأطلسي وعدم انتشار القوات المسلحة الإضافية التابعة للحلف على أراضي جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة بعد إعادة توحيد ألمانيا”، طبعاً بحسب غورباتشوف.

ولكن في نهاية عام 2021، في خضم أزمة دبلوماسية حول الملف الأوكراني الشائك، ناقض غورباتشوف نفسه عندما انتقد بشدة السياسة الأطلسية التي اشتدت منذ ذلك الحين متهماً إياها بالغطرسة والعنجهية معلنةً نفسها منتصرة في الحرب الباردة عندما أنقذنا – نحن الروس – العالم من المواجهة، فكيف كيف يمكن بناء الأمل في علاقات عادلة مع الولايات المتحدة، مع الغرب، في ظل هذا الوضع؟ ويضيف غورباتشوف:  “أراد المعسكر الغربي بناء إمبراطورية جديدة، و هذا هو المكان الذي ولدت فيه فكرة توسيع الناتو”.