دراساتصحيفة البعث

داعية الحرية تسجن الناس من أجل الربح!

هناء شروف

يمكن للسجون الخاصة في الولايات المتحدة أن تكون جحيماً حياً لمن لا حول لهم ولا قوة، ولكنها مزدهرة للبعض الآخر. وليس سراً أن الحكومة الأمريكية وأنظمة السجون الخاصة تربح بشكل كبير تحت ستار العدالة وهذا ليس إلا مجرد دليل آخر على نظام الولايات المتحدة المتعفن ونفاق أسلوبها الديمقراطي. وفي عام 2018 أصبح لدى الولايات المتحدة أكبر عدد من السجون الخاصة في العالم. ووفقاً لمشروع إصدار الأحكام،  أدّت الحرب على المخدرات وسياسات إصدار الأحكام الأكثر صرامة، بما في ذلك الحدّ الأدنى من الأحكام الإلزامية، إلى توسع سريع في عدد نزلاء السجون في البلاد بدءاً من الثمانينيات.

العبودية الحديثة

ومن السهل أن تشعر بالنسيان في السجن، وعدم الاكتراث من قبل الأصدقاء والعائلة والمسؤولين المنتخبين الذين نادراً ما تطأ أقدامهم الأسلاك الشائكة. وليس من المبالغة القول إن السجن الخاص هو نسخة حديثة من العبودية، لأنه بوجود استثمارات ضخمة فإن هذه المنشآت المملوكة للقطاع الخاص تفشل في تلبية المستويات الضرورية من الأمن والسلامة للمحتجزين.

على سبيل المثال، يتمّ تنفيذ العمل في السجن أو العمل الجنائي من قبل المسجونين والمحتجزين طوال الوقت، ونظراً لاختلال توازن القوى يصبح عمل المحتجزين خلف القضبان استغلالياً عندما تكون هناك عناصر من الإكراه والقوة والتهديد بالعقاب ضد المعتقلين.

ووفقاً لمراكز الأبحاث الأمريكية، لا يزال المحتجزون وخاصة النساء والمهاجرين يواجهون خطر العنف الجنسي بسبب إهمال سلطات الهجرة والجمارك الأمريكية. وبما أن السجون الهادفة للربح تستمر في لعب دور كبير في احتجاز المهاجرين مع توفير رعاية دون المستوى، فإن صحة وسلامة الفئات الضعيفة من السكان مثل النساء والمهاجرين لا تزال معرّضة للخطر بشكل خاص.

وقد ساءت الأوضاع داخل السجون في عصر كوفيد-19، حيث أبلغت السجون ومراكز الاحتجاز “أي سي إي” في جميع أنحاء الولايات المتحدة عن 572،962 حالة تراكمية بين السجناء، و3013 حالة وفاة. وقالت صحيفة “ستار نيوز” في تقرير حديث لها إن الأشخاص المسجونين أكثر عرضة بثلاث مرات تقريباً للوفاة بسبب كوفيد 19 من عامة السكان، مع العلم أن نزلاء السجن هم من أعمار مختلفة.

العديد من مراكز الاحتجاز مكتظة للغاية، فالعزلة اللازمة لوقف انتشار هذا الوباء هي ببساطة ليست خياراً للمحتجزين في ظلّ الأعداد الكبيرة. لذلك تمّ اتهام مشغل السجون الخاص بتجاهل تفشي الوباء مما يعرض السجناء والمجتمع للخطر، وألقي باللوم على سجون أخرى في نقص إمدادات الأقنعة والتطعيم لمعتقليها.

الأعمال والسياسة وراء النظام

على الرغم من أن السجون الخاصة لم تكن فعّالة في توفير خدمات احتجاز جيدة، إلا أنها كانت فعالة في دعم الحلفاء السياسيين. ووفقاً لصحيفة “يو إس أيه توداي” في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، تبرعت اثنتان من أكبر شركات السجون الخاصة بمبلغ 250 ألف دولار لكل منهما إلى اللجنة الافتتاحية لترامب.

على الرغم من أن استخدام السجون الخاصة كان مثيراً للجدل منذ فترة طويلة، وسعت إدارة أوباما إلى التخلّص التدريجي من استخدامها على المستوى الفيدرالي، إلا أن إدارة ترامب عكست الحظر لدعم السجون الخاصة بقوة في عام 2017، وذلك وفقاً لما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز”. فقد ارتفع عدد المهاجرين المحتجزين إلى مستوى قياسي مع سياسة الهجرة الأكثر صرامة التي انتهجها ترامب. وأدت مثل هذه السياسات المتعلقة بممارسات الاحتجاز إلى زيادة الطلب على أماكن الاحتجاز، مما أدى إلى تحقيق أرباح قياسية لمرافق الاحتجاز الخاصة. وبالمقابل ساهم توسّع السجون بشكل مباشر في زيادة أعداد المهاجرين المحتجزين.

مضيعة لأموال الضرائب

الحقيقة المحزنة الأخرى هي أنه عندما يدفع المواطن الأمريكي الضرائب، فقد يتمّ تجميع بعض دولاراته التي حصل عليها بشق الأنفس في مدفوعات ضخمة لشركة سجون خاصة تهتمّ بالأرباح أكثر من السلامة العامة. على سبيل المثال، تحصل شركات السجون الخاصة مثل “سي سي أيه” على عقود في جميع أنحاء الولايات المتحدة من خلال الوعد بأنها تستطيع إدارة السجون بشكل أفضل وبتكلفة أقل. لكن مراراً وتكراراً حنثوا بهذا الوعد، حيث حوّلت تلك السجون الخاصة العدالة الجنائية إلى تجارة كبيرة. ففي عام 2017 أفادت مبادرة سياسة السجون أن الحكومة تدفع للشركات الخاصة نحو 3.9 مليارات دولار سنوياً لإدارة السجون.

في الواقع، إن هذا السجن الجماعي يهدر أموال الضرائب ولا يمكنه أن يجعل الولايات المتحدة أكثر أماناً، حيث عبّرت عن ذلك المديرة التنفيذية للنيابة والمدعية الفيدرالية السابقة ميريام أروني كرينسكي بالقول: “إن إلقاء الناس في السجن غالباً ما يؤدي إلى مزيد من الجرائم. إن الاحتفاظ بشخص لم يُدن بجريمة في السجن لمجرد أنه فقير لا يمكن أن يجعل الولايات المتحدة أكثر أماناً. وبدلاً من ذلك فإنه يعرّض الأشخاص لخطر فقدان الوظائف والسكن وأنواع الدعم الأخرى التي قد تمنعهم من الانخراط في نشاط إجرامي في المستقبل”.