الكيان الصهيوني والانفصال عن الواقع
محمد نادر العمري
في الوقت الذي يستعرض فيه جيش الاحتلال الصهيوني فقاعاته الإعلامية وتهديداته العدوانية من قبل مختلف مسؤوليه الأمنيين والعسكريين والسياسيين، تتسارع وتيرة كشف الحقائق من داخل المؤسّسة العسكرية لهذا الجيش المتقهقر، تؤكد العجز عن تحمّل ويلات وتبعات أي حرب جديدة مع أحد أطراف محور المقاومة أو مع المحور بأكمله.
كانت آخر صور هذه المفارقة والانفصال، هو ما تبجّح به الجنرال عيران نيف، قائد قسم تطوير القتال في جيش الاحتلال الإسرائيلي، بقوله: “إنه في حال اجتاز حزب الله امتلاك حاجز الألف صاروخ من الطراز الدقيق، فإن حكومة كيانه المغتصب ستكون مضطرة لشنّ حرب على الحزب، رغم أن القرار سيكون قاسياً” على حدّ وصفه، متجاهلاً ما ورد في التقدير الاستراتيجي الرسمي هذا العام 2022، والذي اعتبر أن التهديد الاستراتيجي الثاني بعد إيران، وقبل الثالث، من قبل التنظيمات الفلسطينيّة في قطاع غزة، يتمثل في تراكم القوة العسكرية والخبرات القتالية والإرادة المعنوية التي يمتلكها الحزب، علماً أيضاً أن التلفزيون العبري كشف في تقرير له في الأسبوع الأول من شهر شباط الجاري، عن وجود نحو 230 ألف صاروخ، موزعة على كل المديات ومختلفة الأنواع موجهة إلى كيان الاحتلال، مع ورود تقديرات أن حزب الله، في أية مواجهة قادمة، سيطلق يومياً نحو 1500 صاروخ باتجاه عمق الأراضي المحتلة.
هذه التهديدات تزامنت مع ما نشرته صحيفة “إسرائيل هيوم” الإسرائيلية عن مصادر أمنية تقديرها بأن عشرات الآلاف من الصواريخ ستسقط على المستوطنات الشمالية في الحرب المقبلة ضد حزب الله، وأن جميع المستوطنات التي بُنيت في هذه البلدات الشمالية من الأراضي المحتلة قبل العام 1992 ليست محمية، لذلك قرّرت حكومة الاحتلال خلال الأعوام السابقة الشروع فيما سمّته برنامج درع الشمال، في محاولة لتعزيز بناء الأماكن الآمنة في آلاف المستوطنات غير المحمية.
ضمن هذا السياق الذي يؤكد انفصال التصريحات عن الواقع والتخبّط في التوجهات والمواقف داخل كيان الاحتلال يمكن ملاحظة النقاط التالية:
- أولاً: هناك حالة من تصدّع المعنويات وتراجع الهيبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لدى المستوطنين، وبالتالي جزء من تصريحات التهديد والوعيد وما يمكن إطلاق عليه البالونات الفقاعية لمسؤولي الاحتلال تكمن في سياق الحرب النفسية والتي تنقسم بدورها لشقين: الأول رفع معنويات المستوطنين، والثاني محاولة استهداف بيئة المقاومة بالتزامن مع تفاقم سوء وضعها المعيشي والحياتي.
- ثانياً: تصريحات المسؤولين العسكريين الصهاينة جزء منها هدفه تغطية قضايا الفساد المادي والأخلاقي الذي يعتري جيش الاحتلال، حيث تزايد في الآونة الأخيرة تسريب صور ومقاطع فيديو لجنود جيش الاحتلال وهم يمارسون الاعتداءات الجنسية أو يتعاطون المخدرات أو يعرضون صوراً لطعام فاسد يتمّ تقديمه لهم.
- ثالثاً: تصدير الأزمات ولفت الرأي العام الإقليمي والدولي نحو التهديد بشنّ عدوان خارجي لإخفاء العنصرية المتوحشة التي تمارسها قوات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني من قتل وسلب حقوق وتدمير منازل.. إلخ.
- رابعاً: تآكل التنسيق الواضح في العلاقة بين المؤسّسات الصهيونية الرسمية، والتناقض الواضح في أهدافها وتوجهاتها، واستثماراتها الإعلامية وهو مايدفع المسؤولين أو المؤسسات أو من ينوب عنهما لاتخاذ موقف متناقض عن آخر، حتى داخل المؤسسة الواحدة وهو يبرز ما بين تهديد “عيران نيف” وما أقرّ به قائد لواء الشمال في الجبهة الداخلية، العقيد عيران مكوف، كما نشر موقع صحيفة (معاريف)، بأن الحرب المقبلة مع حزب الله ستكون قاسية جداً على الجبهة الشمالية وعلى الداخل، مشيراً إلى أن لدى حزب الله أكثر من مائة ألف صاروخ من مختلف المديات، وهو ما يعني أنه لا توجد في “إسرائيل” منطقة آمنة، وحتى من ناحية السيناريوهات لايوجد اتفاق قطعي حول الصورة التي سيكون عليه الواقع، كما هي الحال بين التهديد بشنّ عدوان جديد على لبنان وبين الإقرار بعدم القدرة على تأزم الوضع الداخلي مع أي حرب جديدة، فمن ناحية استمرار المناورات لنشر طمأنينة المستوطنين لم تأتِ بنتائج فعالة في حال وقوع الحرب وإن قدّرت ميزانية مشروع الحماية بـ10 مليارات شيكل، لأن الحزب يمتلك طرقاً وأساليب جديدة لاستهداف أهداف داخل عمق الأراضي المحتلة، بما في ذلك التوغل البري من الجليل.