احموا قوانيننا وقراراتنا
قسيم دحدل
يقول أحد دُهاة العرب: ما غلبتني إلا جارية كانت تحمل طبقاً مغطى، سألتها ماذا يوجد في الطبق، فقالت: ولِمَ غطيناه؟!.
قول بمضامينه ومعانيه ودلالاته يكاد ينطبق على عمل حكومتنا بشكل عام، لناحية التناقض ما بين الشكل والمضمون، حيث العناوين المعلنة لكثير من القوانين والقرارات لا تعكس ما يؤكد عملياً أن “مصلحة المواطن” هي أولاً، وتحديداً المواطن المُدرج في جداول الدخل البائس، رغم عدم الشك بالنوايا الطيبة!.
لن نخوض في الأدلة، فهي أكثر مما يُحصى، وربما يملك كلّ واحد منا أدلة تتنوع بتنوع المشكلات التي تحكم علاقاتنا مع الحكومة وجهاتها المختلفة، ولعلّ قضية الدعم خير برهان على ما ندّعي لجهة المفاعيل والنتائج السلبية العكسية التي سبّبتها عملية رفع الدعم عن عدة شرائح، حيث ارتفعت الأسعار ولا تزال ترتفع بشكل جنونيّ لتشمل كل أوجه الاحتياجات من معيشية إلى صحية إلى خدمية ومالية واقتصادية.. إلخ.
نتائج على غير خاطر الحكومة نفسها وخواطرنا تفرض مفاعيل السوق والمتحكمين بمعادلة العرض والطلب، وهذا برأي الأغلب، ممن يجب أن يكونوا في موقع التشاركية بصناعة وصياغة القرار سواء من القطاع الخاص أو من الخبراء المختصين، يرجع لتفرد الحكومة بذلك.
ومع ذلك يستمر الإصرار على إخفاء وتغطية ما تعدّه الحكومة من أطباق القرارات التي نتفاجأ بمرارتها وحُدوديتها، وفوق هذا تكاليف مستتبعاتها، التي لم يعد من حيلة على تأمينها لدى الشريحة المُستضعفة الأوسع!.
بصراحة نقول: إننا لسنا ضد ما ترتئيه وتتخذه الحكومة، حتى إن كان بمشاركة أهل الرأي والخبرة والعلم أم من دونهم، لكن ما يهمنا أن تكون مستتبعات أي قرار معلومة ومضبوطة ومراقبة، بمعنى أن تستبق الحكومة -مثلاً لا حصراً- قراراتها بتهيئة مناخات الرأي العام، أي باتخاذها خطوات تنفيذية استناداً لسلطتها التنفيذية، تمنع أي مسعى أو فعل من شأنه أن يفرغ قراراتها من أهدافها المعلنة، وبالتالي تمنع إحباط مفاعيلها ونتائجها الإيجابية.
فمثلاً، نسأل: هل من المقبول أن تلجأ المستشفيات والأطباء – حتى قبل إقرار إعادة هيكلة الدعم- لرفع الأجور والخدمات الصحية لـ”تعويض” ما رُفع عنهم من دعم غير مستحقين له أصلاً؟!
طبعاً ليس مقبولاً أبداً، لكن في ظل تمنُّع وزارة الصحة، و”مطمطتها” المريبة، في إنجاز تصنيف المشافي والمراكز الصحية والأطباء، والتي في ضوئه (أي التصنيف) تتحدّد بشكل لا لبس فيه آلية التسعير والأسعار في هذا القطاع، الأمر الذي يقطع الطريق على من تسوّل له نفسه استغلال القرارات الحكومية وتفشيلها وإفراغها من مضامينها وقلب أهدافها.
احمي قوانينك وقراراتك يا حكومتنا قبل أن تُقرِّيها وتُصديرها، من خلال أذرعك وسلطتك التنفيذية والرقابية المختلفة، وقبل هذا وذاك وجّهي وزاراتك بإنجاز ما يجب إنجازه ولم يتمّ حتى الآن..؟!. وعندها فقط يكون للقرار وأهدافه المُراد فعلاً لا قولاً..، فقد قال أجدادنا: “رحم من جبَّرها قبل أن تُكسر”.
Qassim1965@gmail.com