ثقافةصحيفة البعث

غسان شميط يوثّق فظائع تدمي الروح في “ياسمين شوكي”

“ياسمين شوكي” عنوان شائق يوحي بالتناقض، فكيف أزهار الياسمين التي تنعش الروح بشذاها، تكون محمّلة بالأشواك التي تدمي الروح والجسد، هذا ما أراد الإشارة إليه المخرج وكاتب السيناريو غسان شميط في فيلمه التوثيقي “ياسمين شوكي” – إنتاج المؤسسة العامة للسينما – الذي يوثّق فظائع لا يتخيّلها أحد، تعيشها حقيقة مجموعة من الأطفال واليافعين، قادهم العنف والجهل والحاجة إلى طرق وعرة، ليصل أغلبهم ليس إلى بؤرة الانحراف والتعاطي فقط، وإنما إلى الجريمة.

جمع الفيلم بين مسارات متعددة تصوّر انعكاسات الحرب على الأسر، خاصة اليافعين، كما تطرّق إلى مسائل اجتماعية شائكة مازالت مستمرة دون حل.

اعترافات وتقطيعات

اعتمد المخرج شميط في المقدمة على أسلوب التقطيع والفلاش باك، فمباشرة يضع المتلقي إزاء مقتطفات سريعة من اعترافات الشابات والشباب من خلال اللقاءات التسجيلية في معاهد الأحداث، وهم يسردون حكاياتهم التي أوصلتهم إلى هذا المكان، مع التقطيع السريع للصورة، والانتقال إلى حكاية أخرى، مع تأثير الموسيقا القوي.

مشاهد واقعية

ثم عاد إلى سرد الحكايات بالتتابع، مع تضمين مشاهد حية واقعية تعيشها الشخوص على أرض الواقع، وخاصة بتوثيق حياة بعض العائلات التي هُجّرت من مناطقها بسبب الحرب الظالمة على سورية، وسكنت في أبنية بلا إكساء، وتعيش حالة من الفقر المدقع، فيعمل أطفالها بجمع القطع البلاستيكية والكرتون من الحاويات، وبيعها للحصول على أبسط ضروريات لقمة العيش.

الانضمام إلى داعش

وفي منحى آخر، انتقل شميط إلى مناطق دخلتها داعش، وكيف اضطر بعض الشباب اليافعين إلى الانضمام إليهم ليحصلوا على قوت يومهم، فسجلت الكاميرا اعترافات خطرة عن قسوتهم بالتعامل معهم وضربهم وتعذيبهم بدروس القتال، فأحدهم تحدث عن حادثة تعرّض طفل للاحتراق بالدولاب فتركوه دون معالجة حتى مات، كما أدخلت الكاميرا مشاهد موثّقة من واقع مراكز داعش التي يجمعون فيها اليافعين.

الأسرة ودورها

وبانتقالات متتابعة يعود شميط بكاميرته إلى الحاضنة الأولى في المجتمع، الأسرة ودورها السلبي بالتربية، إضافة إلى الجهل والفقر والجوع والعنف والتفكك بالطلاق، وزواج الأم والأب، وضياع الأولاد، هذه الأمور الصعبة كانت دافعاً لهروب بعض البنات من المنزل لتجدن مصيراً أسود بانتظارهن.

الجريمة

يسرد الفيلم حكاية فتيات عدة من خلال اعتراف كل واحدة منهن على حدة، ومن أكثر القصص قسوة حكاية سارة من دوما التي تعيش هي وأخواتها مع زوجة أبيها، تقرر أن تهرب من الظلم والعنف فتمنعها أختها فتضربها بآنية زجاجية تجرحها، تستغل الموقف زوجة الأب وتستدرج الضحية إلى الحمام وتقتلها بالضرب بالمكواة على رأسها، ثم تخفي الجثة، إلا أن السلطات تكشف الجريمة وتعترف سارة وزوجة الأب.

التحرش والتعاطي

وأخرى تعرّضت لمحاولات متكررة من والدها لاغتصابها فتهرب لتجد نفسها مجبرة على التعاطي، وأخرى هربت من ريف دمشق إلى الساحل فتنجر إلى الانحراف، وتحاول الهرب مع أحدهم فيسجنها في منزل متطرف يجمع فيه حبوب المخدرات.

 التسوّل

حكايات كثيرة لا يتخيّلها أحد عن التحرش والتعاطي والسرقة والتسوّل، حالات لاإنسانية تعود إلى مسائل اجتماعية وأمراض نفسية لابد من معالجتها، بدا هذا واضحاً في حركات بعضهن باهتزاز الرأس والأطراف.

حالات إيجابية

وفي المقابل عرض المخرج شميط حالات إيجابية لليافعين الشباب والشابات الذين يعيشون رغم الفقر في أسرة مستقرة، فتمكنوا من العمل ومساعدة أسرهم مثل حالة فتاة تعمل بالفرن، وحالة طفل ترك المدرسة ويعمل على عربة في سوق الهال.

ويقفل المخرج شميط الفيلم بمفارقة رمزية بتصوير لقطات من مدينة الملاهي للأطفال لإظهار التناقض والوجهين السلبي والإيجابي.

قضية إنسانية

الفيلم أشبه بقضية إنسانية تنتظر الحكم، ويبدأ من دور معاهد الأحداث الذي ينتظره المجتمع لمساعدة هؤلاء المتضررين بعد أن قست عليهم الحياة، فالمشكلة لا تنتهي عند حد الإيواء، لاسيما أن بعض الآباء يرفضون استلام بناتهم، وهذا يتطلب المساعدة بإعادتهن للتعليم ومعالجتهن النفسية من الوحشية التي دمّرت براءتهن، بتعاون وتضافر جهود المجتمع المدني والمؤسسات والجهات الرسمية.

معالجة جذرية

وأوضح المخرج غسان شميط في حديث خاص لـ “البعث” أن الحرب الإرهابية دمّرت البلد، ودفع ثمنها الأطفال، لاسيما المهجّرون إثر تأثر عائلاتهم بتبعات الحرب الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى دور الأسرة أساس المجتمع، وأن مثل هذه الأفلام يجب أن تعرض بفعاليات ثقافية واجتماعية ليراها أكبر عدد ممكن، وليستفيدوا من نتائجها، ونحن بحاجة إلى معالجة مجتمعية جذرية لأن إمكانات المعاهد بسيطة.

أما عن أماكن التصوير فتمت في ريف دمشق: الغوطة ودوما وجرمانا، ومعاهد الأحداث في قدسيا وباب مصلى، عُرض الفيلم الذي امتد على مدار ساعة في قسم المونتاج- بناء الفنانين- في المزة، بحضور فريق العمل الفني والمخرج.

ملده شويكاني