زواياصحيفة البعث

أزفت ساعة الحقيقة.. الغرب تخلى عن زيلنسكي

طلال ياسر الزعبي 

يبدو أن القرار الذي اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيما يخص الشأن الأوكراني جرى بما لا يتناسب مع السفن الغربية، حيث كان الغرب وحلف شمال الأطلسي “ناتو” يعتقدان أن تهديد روسيا بالعزل والعقوبات سيحول دون إقدام موسكو على تحييد أوكرانيا كورقة يستخدمها الغرب لحصارها بالبنية العسكرية الأطلسية، وبالتالي يتمكن من محاصرتها بقواعده وصواريخه.

وكل الوعود التي أطلقتها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم الدعم العسكري للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي في حال استفز الأخير روسيا ذهبت أدراج الرياح، حيث بُهتت جميع الدول الغربية التي حرضته على الاستفزاز، وأحجمت عن تقديم الدعم العسكري له بمجرد بداية الحملة التي أطلقتها موسكو لحماية دونباس، وتركته وحيداً في مواجهة مصيره الذي لقيه بانقياده الأعمى إلى الغرب.

فقد أصرّ زيلنسكي على إطلاق التصريحات المتناقضة منقاداً وراء الإيعازات التي كان يتلقاها من المشرفين الأمريكيين، ولم ينصت طوال الفترة الماضية إلى صوت العقل الذي يقول إن مفهوم الأمن لا يتجزّأ، وإن على أوكرانيا أن تبقى محايدة في مسألة العلاقة مع حلف شمال الأطلسي وألا تغامر في تهديد الأمن القومي الروسي عبر فتح المجال لـ”ناتو” بالتمدّد شرقاً عبر أراضيها، غير أنه وبإيعاز غربي أغفل مخاوف روسيا الأمنية، بل أنكرها، واعتبر مسألة اقتناء السلاح النووي مجدّداً والانضمام إلى “ناتو” بكل ما يعني ذلك من تهديد للعاصمة الروسية مسألة سيادة، في محاولة لتسخيف مطالب روسيا.

هذا الأمر بالضبط هو ما استفزّ الجانب الروسي، خاصة أنه يعلم أن زيلنسكي رجل مسلوب الإرادة ولا يملك من أمره شيئاً، وأنه مجرّد وسيلة لتحقيق الهدف الأطلسي بمحاصرة روسيا بالقواعد وتهديد أمنها القومي، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عندما وصف زيلنسكي بأنه رجل متقلب ويخضع لإملاءات المشرفين الأمريكيين، لذلك جاء تصريح الكرملين الأخير فيما يخص الحوار بين بوتين وزيلنسكي مشروطاً باعتراف أوكرانيا بمخاوف روسيا الأمنية، وربط المتحدّث باسم الكرملين الحوار “بحل مشكلة الخطوط الحمراء الروسية”.

والآن، وبعد أن جاءت ساعة الحقيقة، تبيّن للعالم أجمع أن الغرب ممثلاً بحلف شمال الأطلسي يقف عاجزاً عن منع موسكو عن الرجوع عن الحملة التي شنّتها لنزع السلاح الذي أغدقه على أوكرانيا لتكون رأس حربة لإيصال البنية العسكرية لـ”ناتو” إلى حدود روسيا، وأن تهديدات الدول الغربية بالعقوبات لا تعدو كونها فقاعة إعلامية، وهي عاجزة فعلياً عن ردّ الصفعة التي وجّهت إلى الحلف الأطلسي في أهم هدف كان يتوخاه من تحريض أوكرانيا على استفزاز روسيا، ومن هنا شدّد الرئيس الروسي على أن بلاده لن تسمح للحلف بالتموضع عسكرياً عند حدودها، وأنها تدافع عن نفسها من خطر تحديات خارجية و”أولئك الذين احتجزوا أوكرانيا رهينة”، متوعّداً من سيحاول الحيلولة دون العملية الروسية في أوكرانيا بـ”ردّ لم يواجهه في تاريخه”، بعد أن باءت محاولات روسيا الاتفاق على الضمانات الأمنية بالفشل.

وبالمحصلة، كان على الغرب بأكمله أن يتعرّض لحركة تكتونية عنيفة تجبره على مناقشة مطالب روسيا الأمنية، ومن هنا بدأت الأصوات المنادية بالحوار تتعالى مجدّداً على خلفية عجز الدول الغربية فعلياً عن مجابهة روسيا عسكرياً أو حماية زيلنسكي الذي اتخذته أداة لاستفزاز موسكو.