دراساتصحيفة البعث

أضرار سياسات الحمائية الأمريكية

عناية ناصر

حذّر قادة العديد من المنظمات الاقتصادية الدولية الكبرى من التأثير السلبي لانهيار العولمة، بعد أن توصل المجتمع العالمي بشكل متزايد إلى توافق في الآراء بشأن الضرر الاقتصادي الناجم عن السياسات الحمائية التي تتبناها الولايات المتحدة، وبعض حلفائها، وبعد أن توصل إلى الحاجة لدعم التجارة الحرة، التي تلعب فيها الصين دوراً أساسياً.

في تناقض صارخ مع سياسات التجارة الأحادية، والحمائية الأمريكية التي تسبّبت في مشكلات عالمية خطيرة، من بينها ارتفاع التضخم، وتعطيل سلاسل التوريد العالمية، والأسواق المالية الفوضوية، وهزّ أسس نظام التجارة الحرة الدولي، دأبت الصين وبشكل حثيث على تعزيز التجارة الحرة، ولعب دور أساسي في دعم نظام التجارة العالمي متعدّد الأطراف، وفقاً لما أورده خبراء في الاقتصاد.

لقد حذّر قادة من صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، من أن اتجاه تراجع العولمة يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي، حيث نُقل عن مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، تحذيرها من الحمائية، كما توقعت أن ينزلق نحو ثلث الاقتصاد العالمي إلى الركود في عام 2023.  وقد لاقت وجهة نظرها تأييداً من قبل المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نجوزي أوكونجو إيويالا، التي قالت إن تقسيم الاقتصاد العالمي إلى كتلتين تجاريتين من شأنه أن يقلّل الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 5 في المائة على المدى الطويل. وقالت أوكونجو إيويالا: “إن التراجع عن التجارة، كونك حمائياً سيجعل من الصعب -وليس أسهل- حلّ المشكلات التي نواجهها الآن”.

على الرغم من أنهما لم يذكرا صراحة الدول التي شاركت في تقسيم الاقتصاد العالمي إلى كتل تجارية، إلا أنه كان واضحاً تماماً ما قصداه، مع الأخذ بالاعتبار الاختلافات في اتجاه السياسة بين دائرة الدول الغربية التي تقودها الولايات المتحدة والصين، على حدّ قول الخبراء.

وفي سياق متصل، قال كونغ يي، عميد كلية الماركسية بجامعة تيانجين للتمويل والاقتصاد: “لقد كانت الولايات المتحدة ذات يوم من المروّجين النشطين لإنشاء منظمة التجارة العالمية كمنصة دولية، لكنها أصبحت الآن تشكل تهديداً لها، وهذا يدلّ على أن واشنطن تدعم فقط الأنظمة التي تتماشى مع مصالحها الخاصة”.

وقالت تشن جيا، محللة استراتيجية دولية مستقلة، إن تعليقات جورجيفا بشأن دعم العولمة، التي جاءت بعد اجتماعها مع المستشار الألماني أولاف شولتز، تمثل نوعاً من النقد للاتجاه المناهض للعولمة، بما في ذلك النزعة الأحادية لبعض السياسيين الألمان والتفكير في الانفصال عن الصين.

يعربُ قادة المنظمات العالمية عن مخاوفهم بشأن التأثير الاقتصادي السلبي للفصل التعسفي والحمائية، حيث وصف الخبراء الولايات المتحدة بأنها “المتهم” وراء الاتجاه الحالي المناهض للعولمة من خلال تطبيق إجراءات الفصل باستمرار ضد الصين والدول الأخرى. قالت تشن: “إن اتجاه السياسة العامة للإدارتين الأمريكيتين الأخيرتين هو ذاته، إذ يبدو أن إدارة بايدن تخفّف من الجانب التجاري والدبلوماسي، لكنها تعزز الحمائية في منافسة السلسلة الصناعية”.

تدرك المزيد من الدول والمجتمعات الدولية مشكلات مثل هذا الاتجاه السياسي، حيث بدأت في الخلافات مع الولايات المتحدة، بما في ذلك بعض الدول التي كانت حليفة للولايات المتحدة. على سبيل المثال، أظهرت كلّ من اليابان وكوريا الجنوبية موقفاً متردداً تجاه دعوات الولايات المتحدة لتحالف الرقائق لاستبعاد الصين. ووفقاً لوكالات الإعلام، أشار المفوض الأوروبي للسوق الداخلية تيري بريتون مؤخراً إلى أن الاتحاد الأوروبي سيتخذ إجراءات بشأن الإعانات الأمريكية الجديدة لحماية القدرة التنافسية الأوروبية. كما أشار العديد من السياسيين الأوروبيين أيضاً إلى أنهم لن يتبعوا سياسة الولايات المتحدة في السعي إلى الانفصال عن الصين. ونقلت “بلومبيرغ” عن وزيرة التجارة الخارجية الهولندية ليسجي شرينيماخر قولها إن هولندا ستتخذ قرارها الخاص بشأن مبيعات معدات رقائق المورد العالمي لصناعة أشباه الموصلات إلى الصين وسط محادثات حول قواعد التجارة مع الولايات المتحدة، مشددةً على أهمية الدفاع عن “المصالح الاقتصادية” للبلاد إلى جانب السلامة الوطنية. وبالمثل، فإن شولتز، لا يؤيد أيضاً الانفصال عن الصين، وخلال لقائه مع الزعيم الصيني في بكين خلال زيارته الأخيرة، قال شولتز إن ألمانيا تدعم بقوة تحرير التجارة، وتدعم العولمة الاقتصادية، وتعارض الفصل.

وفقاً لـ تشن، عندما تبدأ الدول التوصل إلى توافق في الآراء حول رفض الحمائية، قد تكون التعليقات من قبل المنظمات الدولية الكبرى محاولة لإقناع المسؤولين الأمريكيين ضد تراجع العولمة، عندما تكون الحكومة الأمريكية في نقطة تحول في السياسة بعد انتخابات التجديد النصفي الأخيرة.

ووفقاً لكونغ يي، تعمل الصين على تعزيز الإجراءات المنسقة، مع مراعاة التنمية والأمن، وقد حققت نتائج إيجابية، مثل نمو التجارة الخارجية للبلاد، على الرغم من تحركات واشنطن للفصل.

وفي سياق متصل قال تشين جينغ، نائب رئيس معهد أبحاث التكنولوجيا والإستراتيجية، لصحيفة “غلوبال تايمز” إن إنتاج التجارة الخارجية في الصين لم يتأثر كثيراً بتفشي فيروس كورونا.