ثقافةصحيفة البعث

“ساكن قصادي”.. لكنّ “الغزالة غير رايقة”!!

أحبَّت نجاة الصّغيرة أغنية شادية “مين قلك تسكن في حارتنا تشغلنا وتقلق راحتنا”، فاتّصلت بالمؤلّف حسين السّيد وطلبت منه أغنية تشبه أغنية شادية، رغبةً منها في تغيير نوعية الأغاني، وتقديم أغنية يشاهدها النّاس كما يسمعها، أي أغنية فيها حكاية ودراما على الرّغم من أنّها كانت تغنّي برومانسية خالصة بعيدة عن الشّعبية، وهذا ما جعل السّيد يتردّد قليلاً، لكنّه وأمام إصرارها وإلحاحها طلب منها مهلةً يومين، ليتّصل بعدها ويسألها عن حكايتها مع ابن الجيران، فتردّ عليه باستغراب واستفسرت عن الحكاية التي لا تعرفها أصلاً، ليقول لها: “يا عبيطة دي الأغنية.. ساكن قصادي وبحبّه”!!. لم تشأ أن تسمعها كاملةً على الهاتف فذهبت إليه وبدأ يردّد كلماتها وعينيه عليها ليعرف ردّة فعلها فوجدها تضحك عند إحدى العبارات ومن ثمّ تسكب دمعةً عند أخرى، لتقول بصوتٍ مبحوحٍ ومجروحٍ: “حلوة أوي وبعنيه الطّرحة.. صورة تعبيرية هايلة منك”، ومن ثمّ تتجه إلى الهاتف لتتصل بالموسيقار محمد عبد الوهّاب ليخرجها، لأنّها فيلم قصير بأغنية خالدة، لكنّ السّيد كان سبّاقاً وأخبرها بأنّ عبد الوهاب بدأ بذلك، لتقدّمها أوّل مرّة في السّادس والعشرين من شهر كانون الثّاني من عام ألف وتسعمائة وواحد وستين بحفلٍ في سينما ريفولي.

وهكذا كانت “ساكن قصادي” كما أرادت نجاة الصّغيرة: “فيلم النّاس تشوفه وهي بتسمعني”، فيلم يحكي قصّة بنت تحبّ ابن الجيران الذي يتزوّج من أخرى تراقب حفل زفافه خطوةً خطوة وتشرب شراب فرحته وتودّعه بحزن ودمعة نشاهدها ونحن نستمع إلى هذا الحبّ والشّجن والّلوعة كلّ حسب الشّط الذي يرسو عليه خياله.

سنوات طويلة مرّت على هذا الفيلم لم تستطع أن تقلّل من جمالية الأغنية ومقدرتها على الوصول إلى خيال كلّ من يستمع إلى الطّرب الأصيل لا إلى كلمتين أو ثلاث يردّدهما مغنٍ ناشئ يتراقص على أنغام هي الأخرى مكررة لا جديد فيها، تسير على وتيرة واحدة من أوّل “الأغنية” إلى آخرها من شاكلة “الغزالة رايقة” التي صدرت منذ ثلاثة أشهر لتصبح أغنية المهرجانات والاحتفالات الأولى وأعياد الميلاد وحفلات التّخرج، ومن ثمّ المحطّات الإذاعية والتّلفزيونية والشّوارع والحارات، لدرجة أنّي أخرج من المنزل على نغماتها وأعود على كلماتها وأنا لا أشعر بأنّي “رايقة”، ومثلي كثيرون لكنّ على ما يبدو صرنا مضطرين لتقبّل كلّ جديد حتّى ولو لم نقتنع أو نعجب به أو يضرب على وتر الطّرب الحسّاس ووتر الحقيقة المرّة حين نقرأ الكثير عن سرقة ألحان هذه الأغنية من أخرى روسية صدرت في عام 2019 للمغنيين أليكس وروس وحققت نجاحاً كبيراً وبلغ عدد مشاهديها 96 مليون مشاهد، بينما حصد الفيديو نحو ثمانية ملايين مشاهدة.

لن نخصّص الحديث عن أغنية واحدة يصدر كلّ يوم مثلها الكثير، لكن ما يثير الحفيظة هو أنّ غالبيتها تندثر بعد وقت من الزّمن على الرّغم من انتشارها الواسع، وبعضها يستمر ويصبح لازمةً في بعض البرامج الإذاعية أو التّلفزيونية، وما يثير الحفيظة أكثر أنْ لا أحد يحرّك ساكناً، بل هناك من يحارب المعنيين عندما يتّخذون قراراً بحقّ هكذا “أغنيات”، فيُحارب ويقال عنه القيل والقال تماماً كما حصل عندما أصدرت نقابة المهن الموسيقية في مصر برئاسة الفنان هاني شاكر بياناً يحدّد موقفها من “مطربي المهرجانات”، وبيّنت شروط التقدّم للنقابة أهمها أن يحقق المتقدّم قواعد صوتية وفنية معروفة سلفاً، مركزةً على أنّه لا يوجد في النّقابة ما يسمّى “شعبة مهرجانات”، بل هناك شعبة غناء وغناء شعبي ومونولوج وشُعب أخرى، وعلى المتقدّم أن يملك القواعد الفنية للشّعبة المتقدّم لها من خلال لجنة مشكلة من كبار موسيقيي مصر المشهود لهم بالكفاءة، وأن يكون مستوفياً أوراقاً يطلبها القانون أهمّها الموقف التّجنيدي وصحيفة الحالة الجنائية والمؤهّل الدّراسي أو إجادة القراءة والكتابة، أمّا الشّرط الذي أثار الجدل الأكبر فهو الأسماء، حيث أوضح البيان أنّ أسماء اجتازت الاختبار، وهي أصوات شعبية وحينما انضموا للنّقابة التزموا بالكلمة والشّكل المناسب للمؤدّي أو المطرب بما يليق وانتمائهم لكيان كبير وهو نقابة المهن الموسيقية، واختفت بشكلٍ كبير الحالة المزرية التي كانوا عليها قبل انضمامهم للنقابة، فالنّقابة ليست أحوالاً مدنية تغيّر وتبدّل الأسماء لكنّها معنية بالحفاظ على شكل وهيئة المطرب ومقومات شخصيته بجانب المحتوى من كلمة وحركة، فإذا كان اسم شهرة المتقدم لعضويتها صادماً للمجتمع أو ذا دلالات مرفوضة أخلاقياً أو مستهجنة لدى الجموع توجب على النّقابة طلب تغييره إلى ما هو مقبول للحفاظ على أغنية تليق بمجتمع محاط بقيم وأخلاق رصينة، ومنها شخصية المؤدّي وهيئته التي منها اسم شهرته الذي لا ينفصل عنه.

أمّا إن تحدّثنا محلياً عن مغنين من هذه الشّاكلة فهم قلّة، لأنّ الأغنية السورية في الأصل تعاني عدم وجود من يرعى مواهبهم واجتهادهم وتسويق أعمالهم وإنتاجها، مع ذلك نتمنّى أن يؤدّي المسؤولون في هذا المجال دورهم والسّير على خطا “لجنة صناعة السّينما والتّلفزيون” التي أصدرت ومنذ ما يقارب الشّهرين قراراً يقضي بمنع نشر “أي محتوى فنّي” على وسائل التّواصل الاجتماعي من دون الحصول على التّراخيص اللازمة، ويقصد بالمحتوى الفنّي الموضوع الدّرامي والمشاهد والـ”سكيتشات” التي من الممكن عرضها على شاشة التّلفزيون، والتي تحمل فكراً مسيئاً و”محتوى +18″، وذلك بعد انتشار مقاطع تمثيلية وصفها البعض بالـ”ساخنة” وتسيء للأخلاق وللدّراما السّورية أيضاً!.

نجوى صليبه