المؤسسات الإنتاجية .. متاحف صناعية تغيب عنها صفة الإنتاجية وحتى تسمية المؤسسات الصناعية ؟!.
دمشق – بشير فرزان
يتخذ الحديث عن الإنتاجية في المؤسسات والشركات الإنتاجية شكلا من أشكال السخرية إذ أن مجرد التفكير أو الخوض والبحث في هذا المجال هو بالنسبة للبعض مضيعة للوقت لان الإنتاجية في رأيهم وحسب الواقع الموجود في هذه المؤسسات مساوية للصفر أي معدومة مهما اختلفت المعادلات الحسابية أو نتائج العائدية الربحية .فهل هذه النتيجة صحيحة أم أن الواقع يقول عكس ذلك ؟وهل حقا ما يطبق لدينا في هذا الاتجاه هو إنتاجية حقيقية أم انه شبيه بالإنتاجية كما يتراء للذين أكدوا مراراً وتكراراً على أن مؤسساتنا الإنتاجية أصبحت متاحف صناعية تغيب عنها صفة الإنتاجية وحتى تسمية المؤسسات الصناعية ؟!. |
يعتقد البعض أن الحديث عن الإنتاجية في هذه الظروف يعد مضيعة للوقت وغير مجدي ولكن تجارب الشعوب في زمن الحروب لناحية الإنتاج تثبت العكس وهذا ما يؤكد على أن أي حديث عن مفاهيم الإنتاجية وزيادتها في هذه الأيام يطرح تساؤلات متعددة عن المراحل التي تمت إلى الآن لترجمة هذه المفاهيم إلى حقائق مجسدة على ارض الواقع وذلك لناحية زيادة الإنتاج وخفض التكاليف وخفض أسعار المنتجات وانعكاس ذلك كله على الدخل الوطني والمقدرة الشرائية والتي يتأثر بها كل من المنتج والعامل والمستهلك وكذلك السؤال عن ترتيبنا بين المجتمعات التي خاضت ذات التجربة في الحرب مع الانتباه لخصوصية الحرب على سورية وعملت على الاستغلال الأمثل للموارد والإمكانيات المتاحة بهدف الحصول على إنتاج أعلى بجودة مقبولة وسعر مناسب مع واقع المعيشة.
فأين نحن من ذلك كله وهل نستطيع أن نضع أنفسنا موضع مقارنة مع بعض الدول التي عاشت تجربة مشابه لتجربتنا في ظل الإجراءات الاقتصادية التي يشهدها البلد والتي لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب الذي تحقق معه آمال الوطن .
ضبابية المفهوم!
العديد من الدارسين والباحثين في الاقتصاد الذين التقيناهم في كلية الاقتصاد والتجارة أكدوا على أن مفهوم زيادة الإنتاجية لا يقتصر على مجرد الإنتاج وتنمية الثروة الوطنية وإنما يتسع المفهوم حتى يشتمل أموراً كثيرة مثل زيادة الطاقة الإنتاجية ورفع مستوى المعيشة للعمال والمجتمع بأسره وتنشيط كافة مجالات التطوير والإبداع والى النهوض بالمجتمع في شتى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تقود إلى حصول أفراد المجتمع على قدر كبير من الرفاهية وقدر اكبر من التعليم والرعاية الصحية وتوفير السكن اللائق والمريح.
وبالتالي يمكن القول أن الوصول إلى إنتاجية أعلى وتحقيق الكفاية الإنتاجية لكل جوانب الحياة في هذا العصر الذي أصبح المجتمع فيه معقداً ومتشابكاً بحيث أصبحت الكفاية وسيلة أساسية تنظم الحياة فالتخصص والتدريب وتوصيف وتصنيف العمل والأعمال والأجور والاقتصاد في الموارد والتطوير للمنتجات ودراسة العمل والعلاقات الإنسانية وتحقيق مقاييس الجودة والمعايير الدولية التي لم يخرج العمل فيها عن طور التخطيط في الوقت التي قطعت فيها المجتمعات الأخرى أشواطا كبيرة على صعيد تطبيق مفهوم الإنتاجية.
وبرأيهم أن أسباباً متعددة تقف حائلا دون زيادة الإنتاجية كالإسراف في استخدام الموارد ووسائل الإنتاج الأخرى إسرافا من شأنه التعجيل باستنزاف هذه المواد وتلك الوسائل قبل الأوان وما يترتب عن ذلك من تعطيل للإنتاج واللجوء إلى شراء البديل من الدول الأجنبية وكذلك افتقار العاملين إلى الخبرة التي تؤهلهم لإدارة شركاتهم إدارة ناجحة تؤدي إلى زيادة الإنتاج وزيادة الدخل الوطني في الوقت ذاته ولعل ذلك مرده ضعف التدريب الذي يؤهلهم للقيام بأعمالهم على نحو يكفل زيادة الإنتاج من ناحية والارتفاع بمستواهم الاجتماعي من ناحية أخرى إضافة إلى الافتقار إلى توثيق العلاقة بين العمال ونقاباتهم وادارة الشركات مما قد يرتب على ذلك قيام منازعات بين هذين الطرفين مما يحول دون زيادة الإنتاج ويمكن أن نضيف إلى ذلك سببا جوهريا وهو الافتقار إلى روح التصنيع لأن الشعوب التي لا تفهم فائدة التصنيع ولا تعرف مستلزماته تحرم نفسها من جني التقدم الصناعي .
مقياس التقدم الصناعي!
طلال عليوي أمين الشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام لنقابات العمال أكد على أن الإنتاجية ترتبط بتوفر الموارد التي تشكل أساساً لزيادة الإنتاجية ولفت إلى أن إنتاجية القطاع العام الصناعي لاتزال عالقة في ومنذ سنوات في حلقات الإصلاح التي لم تحقق تقدم بعد .
إن أهمية نشر وتعميم الوعي الصناعي تأتي كضرورة أساسية لزيادة الإنتاج ومن الأمور التي تحول دون تحقيق زيادة الإنتاجية لدينا هو الإخفاق في تنظيم الشركات من الداخل تنظيماً جيداً وذلك من شأنه جعل عمليات الإنتاج أكثر سهولة ويسراً وضعف الابتكار الصناعي والتجديد في الإنتاج وبشكل يتوافق مع القاعدة التي تقول أن الدول التي لا تحرص على تشجيع الابتكار الصناعي لا تستطيع أن تبتكر منتجات جيدة يمكن التوسع فيها دون تعطيل الإنتاج وعرقلته وهذه حال صناعتنا اليوم التي لم تستطع منذ سنوات عديدة الخروج عن طور الإنتاج النمطي الذي لم يعد مقبولاً وغير قادر على المنافسة بعد رفع الحماية عنه وانفتاح الأسواق العالمية على بعضها البعض وفوق ذلك كله افتقار معظم شركاتنا إلى نظم سليمة لتسويق المنتجات وبالتالي يمكن القول أن الإنتاج الذي لا يسوق على نحو سليم لا يمكن أن ينمو نمواً محسوباً ولذلك فإن لدراسات التسويق أهمية كبيرة لم تستطع مؤسساتنا إلى الآن إدراك أهمية هذه المسألة ويبدو ذلك واضحا من خلال افتقار جميع شركاتنا لدوائر متخصصة في مجال التسويق اللهم عدا وجود مدير تجاري في أكثر الأحيان لا يفقه في علم التسويق غير النذر اليسير.
الريعية الاقتصادية …ضائعة !
إن الدخول والتجول في المؤسسات والشركات العامة يعطي انطباعا بأن مفهوم الإنتاجية غير مطبق بمعناه الحقيقي طالما أن ما تنتجه لا يؤدي إلى ريعية اقتصادية يمكن أن تنعكس على تنمية هذه الشركة لناحية مواكبة المستجد على صعيد تطوير الآلة أو القدرة على ابتكار منتجات جديدة بكلفة قليلة تلبي ذوق المستهلك إذا وضعنا المفهوم الاقتصادي لمعنى الإنتاج على مائدة النقاش الذي يتنافى مع القاعدة المتبعة اليوم في معظم الشركات وهي إنتاج يقابله تكديس في المخازين إذ أن الإنتاج بالمفهوم الاقتصادي هو تحويل الشيء من حالة إلى حالة أخرى تظهر على شكل منتجات مادية ملموسة أو على شكل خدمات غايتها تأمين احتياجات المجتمع لزيادة رفاهيته وتحسين مستوى حياته.
ومن ثم فإن معظم المشاريع الاقتصادية المنشأة لدينا لا تقوم على أساس دراسة السوق دراسة دقيقة من حيث دراسة عدد الناس المتوقع احتياجاتهم لهذه السلع أو الخدمات ودراسة السلع المتوفرة في السوق من نفس النوع وكذلك دراسة الناحية الإنتاجية والتقنية للآلات وطاقاتها ونوعية العاملين اللازمين وتوفير جودة المنتج والتكاليف المالية اللازمة لذلك وتحديد كلفة وحدة المنتج المتوقعة.
الأمر الذي ادخل صناعتنا الوطنية سواء قطاع عام أو خاص في خانة ضيقة ويبدو ذلك واضحاً من خلال نوعية الصناعة التي دخلت السوق والتي لا تعدو عن كونها صناعة استهلاكية متشابهة غير موزعة جغرافيا بشكل علمي وموضوعي حيث نجد في المدينة الواحدة عشرات المصانع التي تصنع الشيبس والعلكة والمحارم الورقية التي لم نستطيع إلى الآن أن تحقق مفهوم الإنتاجية بمعناه العريض وبالتالي ما هي الفائدة المرجوة من مشاريع إنتاجية متشابهة المنتجات أو مختلفة المنتجات ووظفت أموالاً كبيرة من أجل الوصول إلى كفاية الاستهلاك المحلي أو التصدير؟
نقاط التمايز..؟!
التواصل مع مديري المعامل والشركات العامة والخاصة والحديث عن الإنتاجية لم يكن موفقاً لأسباب مختلفة تتعلق بواقع الإنتاجي في هذه المؤسسات الصناعية ولكن بكل الأحوال هناك من يميز بين زيادة الإنتاج وزيادة الإنتاجية إذ يختلف الكثيرون في تحديد مفاهيمها حيث يمكن زيادة الإنتاج من سلعة ما بازدياد عناصر وسائل الإنتاج الموظفة لهذا الغرض مع ما يمكن أن يتركه ذلك من هدر في الأموال الموظفة – المساحات المشغولة أو المواد المستخدمة أو في طاقة الآلات أو من وجود بطالة مقنعة في عدد العاملين اللازمين لمراكز العمل للقيام بالمهام التي تؤدي إلى كمية الإنتاج المطلوب بينما يرى آخرون أن زيادة الإنتاجية تعني زيادة كمية الإنتاج مع ثبات وسائل الإنتاج في وحدة الزمن في أن الماليين يرون الإنتاجية بأنها ما تقدمه الليرة الموظفة من ريعية أما الاقتصاديون فيرون أنها الزيادة في القيمة المضافة أي ما يضيفه العامل الواحد إلى الدخل وفي كل الحالات يمكن التعبير عن الإنتاجية بشكل رياضي وفق القانون التالي الإنتاجية=المخرجات مقسومة على المدخلات.
ويمكن أن تفصل قوائم التكاليف كمدخلات حسب ما هو معمول به في بلدنا إلى الأجور وقيمتها والمستلزمات السلعية والمستلزمات الخدمية والمصروفات التحويلية الجارية والمصروفات التحويلية المتخصصة.
نسب متدنية!
إن ضحالة نسب الأجور إلى إجمالي الإنفاق خاصة بعد الفورات السعرية المتتالية يوضح مدى تدني الإنتاجية الاقتصادية لدينا مع تدني حصة العامل وإن سجلت مستوى أعلى في قطاع الخدمات وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن اقتصادنا هو اقتصاد خدمي مع أن الإنتاجية بشكل عام هي شيء نسبي تقارن ما بين مؤسستين من حيث وسائل الإنتاج والمنتجات أو بين إنتاجية المؤسسة نفسها في فترة محددة وفترة أخرى وينطبق ذلك بالنسبة لإنتاجية العامل أيضا.
وتؤثر الزيادة الإنتاجية إيجابيا على الاقتصاد الوطني وذلك من خلال تحقيق العديد من القضايا التي تشكل مرتكزات أساسية ودعائم اقتصادية حقيقية تسهم في استقرار الاقتصاد ونمو موارده باستمرار ويأتي في مقدمة هذه الدعائم زيادة الطاقة الإنتاجية بصفة عامة وتوفير المواد الخام التي تصبح عبئا رغم ما تتكبده من أموال طائلة تدفعها ثمنا لهذه المواد الخام وتنشيط القوة الشرائية عن طريق المزيد من السلع وخفض تكلفتها وهذا ما ينعكس على الأسعار مما يساعد في زيادة الطلب عليها .
وتوفر العملات الأجنبية التي يحتاجها النمو الاقتصادي وتدعيم النمو الاقتصادي وموازنة الميزان التجاري وتحقيق العدالة الاجتماعية بصفة عامة مما يؤدي إلى رفع مستوى معيشة الأفراد جميعاً .
كلمة مختصرة
أن الإنتاجية هي السعي المتواصل للاستخدام الأفضل للموارد المتاحة بهدف رفع الكفاية الإنتاجية في المنشآت ذات الطابع الاقتصادي صناعية كانت أو خدمية وفي القطاعات الأخرى وبالتالي فإن الإنتاجية ترتبط مباشرة بتحسين طرق استخدام وسائل الإنتاج للوصول إلى نتائج جيدة تؤثر بشكل إيجابي على واقع هذه المنشآت وعلى مستوى الاقتصاد القومي وحتى يرتفع مستوى الإنتاجية لدينا فإن الأمر يتطلب الاستمرار بالعمل الجاد والمستمر لاستخدام علمي للموارد المتوفرة للحصول على أكبر نتيجة وبشكل يؤدي إلى إنتاج سلع اكبر وبتكلفة اقل وصرف المواد وفق نسب استهلاكها أو استخدام المواد المحلية بدل المستوردة في حال قيامها بذات الغرض المطلوب والتوسع بالتوظيفات بما يخدم العملية الإنتاجية والابتعاد عن الهدر بكافة أشكاله .
إن موضوع الإنتاجية يثير اليوم العديد من التساؤلات خاصة في ظل هذا الجدل الدائر منذ سنوات حول الخطوات التي تمت لتغيير واقع الصناعة الوطنية .فهل الإنتاجية الحالية للمؤسسات والشركات الصناعية تتناسب مع الصورة التي ترسم للتطور الصناعي الحاصل في كلا القطاعين العام والخاص ؟وهل يوجد إنتاجية حقيقية أم أنها إنتاجية ورقية مدورة من عام لعام مع التأكيد على أن واقع الصناعة والإنتاجية لايختلف كثيراً عن واقعها قبل الحرب رغم خصوصية الظروف التي فرضتها الحرب فقد كانت الإنتاجية غائبة أو شبه معدومة ؟