مجلة البعث الأسبوعية

شعور طبيعي وفطري فينا… لماذا نعاني من الألم عند الشعور بالحب؟  

البعث الأسبوعية – مجتمع:

الشعور “بألم عاطفي” ليس مجرد ميل شخصي؛ لكي تكون درامياً تجاه الأشخاص الذين تحبهم في حياتك. فقد اكتشف الباحثون أن الدماغ البشري يعالج الاضطراب العاطفي بنفس دوائر الدماغ التي تعالج الإصابة الجسدية والشعور بالألم الحسي. وتسمي عالمة النفس الاجتماعي نعومي أيزنبرغر الألم القوي عند الإحساس بمشاعر الحب بـ “تداخل الألم الجسدي والاجتماعي”.

من غير المؤكد كيف تتم ترجمة آلامنا العاطفية بصورة تلقائية في جزء من دماغنا مسؤول عن التعامل أيضاً مع الألم الجسدي والحسي. ويعزو الخبراء السبب في ذلك إلى أننا في بدء تطورنا كنا بحاجة إلى أن نكون جزءاً من المجموعة للبقاء على قيد الحياة. لذلك تطورت أدمغتنا لتتمكن من تقديم تحذيرات حال لم تكن الأمور تسير على ما يرام اجتماعياً. فهل الشعور بالألم في القلب أخطر من كسر ساق؟ في الواقع، قد تعني قدرتنا على استشعار الألم من التجارب الاجتماعية المعنوية أننا نواجه المزيد من الألم من أشياء مثل الانفصال أو الرفض مما لو كنا في الواقع قد تعرضنا لإصابة جسدية مباشرة.

 

الحب يضاهي الشعور الجسدي بالألم

وقد وجد بحث من جامعة بوردو في أمريكا أنه عند المقارنة بين إصابة جسدية سابقة مؤلمة والتعرُّض للخيانة العاطفية، كان المشاركون في الدراسة أكثر قدرة على الشعور بألم شديد بسبب الخيانة بالمقارنة مع الإصابة.

وبذلك لا يتركنا الشعور القوي بالحب والمرض الجسدي والقلق والاضطراب العاطفي في حالة من الارتباك فحسب، بل يمكن أن يتسببان في حدوث أعراض جسدية حادة مثل التعرُّض لحادث سيارة.

على سبيل المثال، يمكن أن يسبب القلق أشياء مثل توتر العضلات واضطراب المعدة والصداع وسرعة ضربات القلب. وهناك حالة قلبية نادرة ناتجة عن الصدمة العاطفية الحادة تُسمى بـ”متلازمة القلب المكسور” التي قد تفضي للوفاة، وفيها يعاني الشخص من اعتلال عضلة القلب الناتج عن الإجهاد العاطفي الحاد.

في تلك الحالة تُصاب عضلة القلب بضعف يحاكي النوبة القلبية التقليدية، مع زيادة في الأدرينالين وهرمونات التوتر الأخرى بشكل يهدد الحياة.

 

هل الشعور بالألم دليل على الحب الصادق؟

هل حقاً الحب مؤلم؟ نعم، فالألم العاطفي هو ألم لأدمغتنا بقدر ما هو إصابة جسدية. لكن هل هذا الألم العاطفي الذي تعاني منه يعبر عن صدق “الحب”؟

من منظور علم النفس، فإن علاقة المحبة هي مساحة آمنة للقبول والتشجيع والثقة، إذا لم تتحقق هذه السمات فقد لا يكون الأمر حباً على الإطلاق، بل قد يكون شهوة أو اعتمادية أو إدماناً لفكرة الحب المجردة.

منذ متى تعرف الشخص الآخر؟ هل تعرفتما على بعضكما البعض ببطء وبطريقة آمنة وموثوقة؟ أم كانت علاقتكما مليئة بالقلق والدراما؟ هل تلاعبتما وتحكمتما ببعضكما البعض؟ هل تحتفظان بالأسرار عن بعضكما البعض؟ هل تشعر أنك لا تعرف من تكون من دون الآخر؟

يؤذينا إدمان الحب والرومانسية؛ لأنهما يحدثان بسبب احتياجات نفسية ورؤية ذاتية متدنية. في حين أن الأيام الجيدة في هذا النوع من العلاقات عادة ما تشعرنا بالبهجة، إلا أن الأيام السيئة قد تصيبنا بالاكتئاب الحاد والمرض وحتى الميول الانتحارية في حالات متطورة.

ومن أبرز الأسباب وراء الشعور بالألم عند الإحساس بالحب سواء في العلاقات العاطفية بين شركاء الحياة والأزواج، أو بين الأصدقاء المقربين، أو حتى بين أفراد الأسرة الواحدة مثل علاقة الأمومة والأبوة:

 

 – عدم اليقين

عندما تتساءل لماذا يؤلمنا الحب؟ فإن أحد أكبر الأسباب هو عدم اليقين من المستقبل. فمشاعر الحب رائعة وثرية وتجعلنا نشعر بالروعة والأمان والسعادة. وقد اعتدنا، بطريقة ما، على ذلك الأمان والراحة ولا نريده أن يزول أو يتغير بأي شكل.

للأسف، لا توجد ضمانات في الحب، ومن سنن الحياة البشرية أن العلاقات تتغير باختلاف الظروف والوقت والزمان.

لذا، فإن عدم معرفة مستقبل علاقتنا هو الذي يسبب لنا الألم الجسدي. يمكن أن يسبب القلق المترتب على ذلك آلام المعدة والقلب وأعراضاً جسدية أخرى. الأعراض التي تسبب لنا الألم الحرفي والمجازي.

 

 – الخوف من المستقبل

بالنسبة للكثيرين منا، العيش في اللحظة الآنية أمر صعب للغاية. وبدلاً من الاستمتاع بما نحن فيه الآن، فإننا دائماً ما نتطلع إلى المستقبل. وقد نبدأ في تخيل الكثير من السيناريوهات التي تجعلنا نخاف من فقدان هذه العلاقة وهذا الشخص المحبب لقلوبنا، ما يمكن أن يسبب ألماً جسدياً ونفسياً.

 

 – التغيرات الكيميائية

سبب آخر يجعل الحب مؤلماً للغاية هو كيمياء أجسامنا؛ إذ إننا عندما نقع في الحب، تتدفق جميع أنواع المواد الكيميائية القوية في أجسادنا.

ويتم تحفيز كل من الدوبامين والسيروتين والأوكسيتوسين والإندورفين عندما نشعر بالحب والشهوة والاشتياق وغيرها. تبدو هذه المواد الكيميائية جيدة جداً لدرجة أنها، بطريقة ما، تسبب الإدمان.

لأن جسم الإنسان ينتجها فقط في أوقات معينة، مثل عندما نقع في الحب أو بعد ممارسة الرياضة، عندما لا نشعر بها بقوة فإننا نتوق إليها.

أعراض الانسحاب لتلك المواد الكيميائية مؤلم للغاية ويدفع البشر لفعل أي شيء تقريباً لتخفيف هذا الألم. وبالتالي تؤدي هذه الحاجة إلى القلق وزيادة المعاناة.

ممارسة الرياضة قد تكون علاجاً لهذه المشاعر؛ حيث يتم إنتاج الدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين والإندورفين عن طريق التمرين ويمكنك، على الأقل مؤقتاً، الحصول على هذه المواد الكيميائية التي تتدفق عبر الدم مرة أخرى وتخفيف هذا الألم.

 

 – الخبرات السابقة المؤلمة

نعم جميعنا نحمل خبرات سابقة مؤلمة تسبب حسرة القلب ولا تزال موجودة في أذهاننا بدون أن نتعافى كلياً منها. نتيجة لذلك، غالباً ما نبحث عن الخذلان وخيبة الألم والخسارة.

أحياناً يكون الأمر سيئاً للغاية لدرجة أننا قد ندفع بالأشخاص المقربين بعيداً، لكي نرى كيف سيتمسكون بنا، أو حتى لاستباق المخاوف بتحقيقها على أرض الواقع والهروب من الشعور بالانتظار. ومن أبرز أسباب هذه الخبرات الصدمات الناتجة عن موت من نحب.

 

حقيقة الأمر.. الحب مؤلم بشكل جيد

لحسن الحظ، لا يعني الألم نهاية العلاقة. فقط قم بتقييم الأشياء التي تسبب لك الألم واتخذ خطوات لمعالجتها؛ لأن التعامل مع هذه الأشياء واحداً تلو الآخر ويمكن إدارة الألم الذي تشعر به في علاقتك وتقليله.

يمكن أن يكون الحب رائعاً ويمكن أن يكون الحب مؤلماً. تأكد من أن التوازن بين الاثنين متساوٍ، حينها يمكن العيش في سعادة واطمئنان.