تحقيقاتصحيفة البعث

بعد أن أثبتت إنتاجيتها العالية.. “البحوث الزراعية” مستمرة باستنباط أصناف جديدة من القمح

تجتهد الجهات الزراعية والبحثية على تطوير أصناف القمح وإكثار بذارها للحد من النقص الإنتاجي الحاصل نتيجة لسنوات الجفاف والتزايد السكاني والأزمة، كما تتابع تلك الجهات إيجاد أغذية من مصادر طبيعية تحد من الاستيراد وبذات الوقت تؤمن الغذاء الطبيعي ذو المواصفات العالية وبتكاليف أقل.

الدكتور تامر حنيش، مدير إدارة المحاصيل في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية السورية، أكد إدخال أصناف جديدة عالية الإنتاجية من القمح الطري للزراعة المروية والبعلية في المناطق عالية الأمطار، تتحمل أساليب الزراعة الحديثة وخاصة التسميد العالي والري، وأهم هذه الأصناف مكسيباك وسيتي سيروس التي زرعت على نطاق واسع في سورية، وبلغت إنتاجيتها في مراكز البحوث الزراعية حوالي 6 طن/ هكتار في الزراعة المروية و3 طن/ هكتار في مناطق الزراعة البعلية عالية الأمطار. ووفقاً لحنيش، فقد لاقت زراعة هذه الأصناف رواجاً واسعاً وسريعاً لدى مزارعي القمح، وساهمت في تعزيز إنتاج القمح في سورية إلى حد بعيد، إلا أن التزايد السكاني المرتفع اقتضى متابعة الجهود في زيادة الإنتاج بالاستفادة من القدرات والخبرة العالية للمزارعين في إنتاج القمح، وملاءمة المناخ في سورية بالرغم من وجود بعض المشاكل المناخية المعيقة للإنتاج مثل حصول فترات من الصقيع في الشتاء، وتذبذب هطول الأمطار من حيث كمياتها أو سوء توزيعها خلال موسم النمو، أو الارتفاعات الحادة والمفاجئة في درجة الحرارة أثناء فترات نضج الحبوب.

متابعات ميدانية

وعلمنا من حنيش أن العمل قائم بشكل مستمر على وضع برامج بحوث إستراتيجية متطورة وبعيدة المدى تهدف إلى الاستمرار في عمليات استنباط أصناف جديدة من القمح عالية الغلة، مقاومة للأمراض، وذات صفات نوعية جيدة للمناطق المروية والبعلية عالية الأمطار أي مناطق الاستقرار الأولى، وبين أن الهيئة العامة للبحوث الزراعية استنبطت حتى الآن 24 صنفاً من القمح الطري والقاسي بعضها ما هو مخصص للزراعة المروية، وبعضها للزراعة البعلية عالية الأمطار، والبعض الآخر للزراعة البعلية قليلة الأمطار، وقد وصل متوسط إنتاجية الأحدث منها في مراكز البحوث الزراعية إلى 8 طن/هـكتار في المناطق المروية، و4,3 طن/هكتار في المناطق البعلية العالية الأمطار كمناطق الاستقرار أولى، و 2,1 طن/هكتار في المناطق البعلية التي تليها بمنسوب الأمطار كمناطق الاستقرار الثانية، كما حققت زيادة في الإنتاجية عن الأصناف القديمة قدرها 34% في مناطق الاستقرار الأولى، و10% في مناطق الاستقرار الثانية و47% في المناطق المروية، مؤكداً تجاوب الفلاحين مع هذه الأصناف الحديثة وتبنيهم لزراعتها بشكل سريع جداً، والدور الهام للمؤسسة العامة لإكثار البذار في تزويدهم ببذور هذه الأصناف الحديثة بعد إكثارها وغربلتها وتعقيمها لزراعتها في حقولهم.

تحذير من الأمراض!

رئيس قسم الصناعات الغذائية في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية الدكتور محمد الشهابي حذر من خطر أمراض سوء التغذية وانتشارها المتزايد وخاصة في دول العالم الثالث، إذ إن الاعتماد على الأرز والقمح فقط كغذاء رئيس طول اليوم وبشكل روتيني يعتبر أحد العوامل المساعدة على الإصابة بأمراض خطيرة مختلفة كالتوحد ووجود حساسية، وهنا يبرز دور نبات “الكينوا”  كأحد أهم النباتات التي تحتوي على نسبة عالية من البروتين بالنسبة للكربوهيدرات عند المقارنة بالحبوب الأخرى، فهي ذات قيمة غذائية عالية جداً شأنها شأن أنواع الحبوب الأخرى كالقمح والشعير وغيرها من الحبوب، وتمتاز بذور الكينوا بخلوها من الغلوتين، وبذلك تكون مصدراً جيداً وبديلاً عن القمح في تصنيع بسكويت خالي من “الغلوتين” للمرضى المصابين بحساسية القمح، وتطبيقاً لذلك تجري الهيئة دراسة تصنيع بسكويت من طحين الأرز والكينوا بنسب مختلفة.

وأكد الشهابي أنه يجري أيضاً استخلاص بعض الصبغات الطبيعية من بعض المخلفات الزراعية، والغذائية، وكبسلة الصبغات المستخلصة بعدة طرائق ودراسة خصائصها المختلفة، وتطبيقها في بعض المنتجات الغذائية بعد الانتشار الواسع للملونات الغذائية الضارة وخاصة في أغذية الأطفال.

كما تسعى الهيئة لدراسة استخدام نوع الطحالب Chlorella vulgaris في تدعيم الحليب البقري وتخميره باستخدام بكتريا حمض اللبن لإنتاج لبن وظيفي يتميز بصفات تغذوية، وحسية مميزة، بالإضافة إلى تعزيز نمو بكتريا حمض اللبن، وتدعيم اللبن ببودرة  طحالب من  نوع Chlorella vulgaris بنسب مختلفة، نظراً لميزات هذا النوع من الطحالب كاحتوائه على تراكيز عالية من مضادات الأكسدة والأحماض الأمينية والبروتين عالي النوعية، بالإضافة إلى تراكيز مرتفعة من العناصر المعدنية مثل الحديد والكالسيوم، والأحماض الدهنية المفيدة وأنواع عديدة من الفيتامينات، كما يمتلك خصائص مضادة للفيروسات، وللالتهابات، والأورام، ويمكن أن يخفض من مستوى سكر الدم، والدهون ويساعد في التخلص من الوزن الزائد.

وفي ذات السياق تدرس الهيئة تحديد الشروط المثلى لإنتاج حليب الصويا المنكه بنكهات مختلفة، والجبنة من الصويا، للتخفيف من آثار غلاء الحليب ومشتقاته وإيجاد مواد توازي الحليب بالقيمة الغذائية وبسعر منخفض.

أطعمة صحية

الشهابي تحدث عن جهود الهيئة في إيجاد مواد بديلة للمواد المستوردة وذات منشأ طبيعي بهدف إحلال المستوردات، وإيجاد أغذية صحية وغير ضارة كالإضافات في التطبيقات الغذائية مثل الغرويات، وهذا يعود للخصائص التي تتمتع بها إضافة لتميزها بانخفاض نسبة الدهن عند استخدامها في الأغذية دون التقليل من خواص الجودة لها، حيث اعتمدت الهيئة على المستخلص النباتي”mucilage” كبديل عن الدهون، وعن محسّن القوام المستخدم في صناعة المخبوزات، وعن البكتين في صناعة الجيليه.

ولفت الشهابي إلى ما تقوم به الهيئة بخصوص مقاومة العدوى البكتيرية الخطرة التي تنقلها الأغذية وذلك من خلال تجدد الاهتمام بالمعالجة التقليدية للعدوى، إضافة إلى الحاجة إلى استخدام ملونات طبيعية ذات قيمة غذائية، وتغني عن الملونات الصناعية الضارة لذلك يتم السعي لاستخلاص المادة الفعالة في الكركم “الكركمين”، و استعمال الكركم كملون طبيعي ومضاد للتأكسد وللميكروبات دون أن يكون له أي آثار جانبية.

وأشار الشهابي إلى الأهمية الغذائية والصحية لأوراق التوت، وغناها بمادة (DNJ) deoxynojirimycin، وتطبيق المستخلص في منتجات المخابز، إضافة إلى ما سبق ذكر رئيس قسم الصناعات الغذائية أنهم بصدد تصنيع خبز من طحين الكينوا بعد أن نجحت زراعتها في سورية نظراً لخلو بذوره من “الغلوتين”، وبذلك تكون مصدراً جيداً وبديلاً عن القمح في تصنيع منتجات صحية، وخاصة للمرضى المصابين بحساسية الغلوتين.

بشار محي الدين المحمد