ظاهرة ثقافية أم اجتماعية
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
كنت أنظر إلى حفلات توقيع الكتب كحالة من البهرجة الاجتماعية أكثرمن كونها فعلاً ثقافياً، لكن الآن ارتبط ظهور حفلات توقيع الكتب بمعارض الكتاب التي مثلت بيئة حاضنة لها، بحيث تعمل دور النشر على تصدير منتجاتها من الكتب والتعريف بالكتّاب، لكنها الآن بدأت تأخذ بعداً آخر مختلفاً بكل تفاصيله، فبالرغم من تباين وجهات النظر حولها إلا أنها ازدهرت في السنوات الأخيرة بشكل لافت، حيث أخذت دور النشر تحتفي بإصداراتها الجديدة بحضور كتّابها ضمن حفل تقيمه، الأمر الذي يتيح للقارئ لقاء الكاتب واقتناء كتابه وتشجيع الإبداع ولقاء المؤلفين المشهورين بأصدقائهم وقرائهم وتعريف الجمهور على المؤلفين الجدد وتشجيعهم، علماً أن هذه الظاهرة بدأت في أوروبا ثم انتقلت إلى الوطن العربي عبر مصر، في وقت كانت تشهد فيه الساحة الثقافية سجالاً فكرياً وثقافياً وإقبالاً كبيراً من قبل المجتمع على القراءة والثقافة.
لاشك ما يهم الكاتب هو إيصال إصداره إلى أكبر عدد من الناس، وبالتالي تكون حفلات التوقيع مناسبة لدعوة الأصدقاء والمعارف للتعرف على كتابه بشكل لائق،وهناك من الكتاب لايحبذون هذه الحفلات انطلاقاً من فكرة أن هذه الحفلات يجب أن تكون لكبار الكتاب والمبدعين،والذين يأتي توقيعهم كنوع من ذكرى وشهادة قيّمة تكريماً لتاريخهم الأدبي، إضافة إلى أن مضمون الكتاب هو الذي يقررمصيره ويخلق الإقبال عليه وليس جمع عدد كبير من الناس قد لا يكملون قراءة إصدار ما إذا لم يجدوا ما يشدهم لقراءته حتى النهاية، ومع ذلك يلبي دعوة الدار الناشرة لكتابه من باب التزامه الأخلاقي معها.
وفي ظل تراجع الاهتمام بالكتاب بات من الضروري تشجيع هذه الظاهرة وتحويها إلى حدث اجتماعي ثقافي، خاصة وأن بعض الناس لا يُعنون بالكتاب إلّا إذا كانت له دعاية وحفلات توقيع، وهو اختيار شخصي للكاتب، وأحياناً للناشر، وغالباً ما يتم الاتّفاق بين الاثنين على اعتماد هذه الوسيلة للترويج للكتاب.
وإحدى وسائل الإشهار إلى جانب الإعلام والندوات هيحفلات التوقيع التي تتيح إجراء حواراً ثقافياً حول الكتاب وقراءة في مضمونه وتحليل لمحتواه، وكذلك الترويج له وللكاتب والناشر، وبالتالي فإن حفلات توقيع الكتاب تمثل ضرورة ثقافية لو وضعَت ضمن سياقها الثقافي لتعريف أكبر شريحة ممكنة من الناس بالكتاب، كما أنهاتمثل ظاهرة في صلب النشاط الثقافي لأنها تستقطب أشخاصاً لا يكونوا عادة على تماس مع الحالة الثقافية، فيرتادون هذه الحفلات إما لمعرفة شخصية بالكاتب أو رغبة منهم بالتعرف على الكتاب، في حين يحب البعض التواجد في ظاهرة من هذا النوع كشكل من الترفيه، ولهذا قد تكون هذه الظاهرة مفتاحاً يمكن من خلالها الوصول إلى القارئ، خاصة وأن هناك أشخاصاً يحبون أن يأخذوا توقيع الكاتب وقد لا يقرأ الكتاب مباشرةً ولكن بعد فترة من الزمن تصبح لديه مكتبة صغيرة يجد نفسه تدريجياً يقرأ منها، وأي منتَج ثقافي أو فني أو اقتصادي لا يمكن أن يكون ذا تأثير في الشارع إذا لم يسوّق، وبالتالي فإن تسويق الكتاب عملية ضرورية، ومن هنا تمثل حفلات توقيع الكتب نوع من التسويق، فعندما يبقى الكتاب في المكتبة والبيت والمستودع فإن ثمة كتاب غيره سيكون في السوق، كذلك يتم في بعض حفلات توقيع الكتب توزيع الكتاب مجاناً، وبالتالي فإنها عملية مشروعة نحو الخروج من أزمة الكتاب.
هذه الظاهرة عبارة عن حراك ثقافي واجتماعي، وباتت أمراً ضرورياً لدعم الكاتب وتشجعيه وتحفيزاً معنوياً ومادياً لتواجده ككاتب، وهي إحدى وسائل تتشيط الحركة الثقافية وشراء الكتاب في ظل عزوف حقيقي عن كل ما هو ثقافي، بحيث تُقام مع حفلات توقيع الكتاب ندوات وقراءات في هذا المنتوج الأدبي أو الفني توضّح للقارئ الذي سيقتني نسخة من الكتاب مضمونه والجديد فيه وما هي ثغراته لتقدّم للحضور مهما كانت مستوياتهم رؤية كاملة عن الكتاب.