دراساتصحيفة البعث

أهداف واشنطن التخريبية في آسيا الوسطى

سمر سامي السمارة

على خلفية التطورات الأخيرة في أوكرانيا، وفي سياق تعديل سياستها في آسيا الوسطى، عقدت الولايات المتحدة نهاية شباط الفائت اجتماعاً عاجلاً عبر الإنترنت، شارك فيه وزراء خارجية كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. وبحسب وزارات خارجية تلك الدول، جرت مناقشة القضايا الملحة على الصعيدين الدولي والإقليمي، بما في ذلك الوضع في أوكرانيا وتأثيره على منطقة آسيا الوسطى.

تُظهر مبادرة الولايات المتحدة بعقدها لهذا الاجتماع، ومشاركة وزير خارجيتها، الأهمية التي لا يمكن إنكارها لآسيا الوسطى، فالأمر لا يتعلق بسياسات هذه الدول الإقليمية فحسب، بل بالإجراءات التي تتخذها تجاه روسيا وحلفائها، وبشكل أساسي نحو منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

علاوة على ذلك، زاد اهتمام البيت الأبيض بآسيا الوسطى وتنسيق “C5+1” نفسه في الأيام الأخيرة بهدف موقف المنطقة حول القضية الأوكرانية وجعل دول آسيا الوسطى تدعم سياسة واشنطن دون قيد أو شرط.

لهذا السبب، بدأ البيت الأبيض بالاجتماع المذكور عبر الإنترنت، عشية النظر في القرار الأمريكي المناهض لروسيا بشأن أوكرانيا في الأمم المتحدة، حيث اتخذ بلنكين، بذرائع مختلفة، خطوات لكسب دعم وزراء خارجية الدول الخمس للقرار.

ومن أجل توضيح موقف دول آسيا الوسطى من العملية الخاصة لروسيا في أوكرانيا، كانت الولايات المتحدة تبحث في خيارات إعادة برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية باستثماراتها ومنحها لدول المنطقة لإقناع هذه الدول، بالإضافة لإعادة فتح مراكز العبور الجوية الأمريكية وحتى القواعد الجوية العسكرية الكاملة في آسيا الوسطى.

في الوقت نفسه، تمّ تناول قضايا تعزيز التعاون العملي في المجالات الاقتصادية والأمنية وتغيّر المناخ، بالإضافة إلى الوضع في أفغانستان، ما يؤكد أن تعزيز التعاون لم يكن الغرض الرئيسي لعقد بلنكين للاجتماع.

ومع ذلك، أظهرت دول آسيا الوسطى أنها لم تعد “مواطنة بالفطرة يمكن شراؤها بسهولة”، فقد أصبحت أهداف واشنطن التخريبية في المنطقة واضحة للجميع، كما اتضح من تدخل الولايات المتحدة في أحداث كانون الثاني الماضي في كازاخستان، ومحاولاتها لزعزعة استقرار قرغيزستان في السنوات الأخيرة والوضع على الحدود بين قيرغيزستان وطاجيكستان. لذا، فمن غير المستغرب امتناع هذه الدول عن التصويت في 3 آذار الجاري في الأمم المتحدة على القرار الذي اقترحته الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا.

وعلى العكس من ذلك، أصدر رئيس قيرغيزستان بياناً يدعم من خلاله العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا وإجراءات روسيا الحاسمة لحماية المدنيين في دونباس، وأشار أيضاً إلى مسؤولية كييف عن فشل اتفاقيات مينسك. وعرضت كازاخستان خدمات لحفظ السلام ومنصة للمحادثات بين موسكو وكييف، إذا اتفقتا.

من المؤكد أن ردّ الفعل هذا من جانب دول آسيا الوسطى على محاولات واشنطن “حشدها ضد روسيا” قد أصاب الأنغلوساكسون بخيبة أمل كبيرة. وقد تجلّى ذلك في الاقتراح الذي قدمته في الأول من آذار النائب البريطانية، مارغريت هودج، المتعلق بالنظر في فرض عقوبات على كازاخستان لدعمها بوتين.

ومع ذلك، فهذه ليست المرة الأولى التي تُسمع فيها كلمتا “عقوبات” و”كازاخستان” في البرلمان البريطاني. فبعد أحداث كانون الثاني الماضي، اقترحت مارغريت هودج نفسها عقوبات ضد “النخبة” في كازاخستان، ما يظهر بوضوح “خيبة أمل” لندن، لأن منظمة معاهدة الأمن الجماعي وموسكو قد أحبطتا الاضطرابات المنظمة مسبقاً والاحتجاجات المناهضة للحكومة في ذلك البلد.

على هذه الخلفية، تمّ استدعاء السفيرة البريطانية كاثي ليتش إلى وزارة خارجية كازاخستان في 2 آذار لطلب توضيح من بريطانيا بعد تصريحات النائب هودج لـ”معاقبة كازاخستان”.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كثّفت مؤخراً من جهودها لمحاربة التأثير الروسي في آسيا الوسطى، وخاصة من خلال استخدام المنظمات غير الحكومية وما يسمّى بوسائل الإعلام المستقلة. ففي كازاخستان وحدها، على سبيل المثال، ازداد على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، العدد الإجمالي للمنظمات غير الحكومية بصورة ملحوظة من ألفي منظمة في عام 2009 إلى 22 ألفاً الآن!. وبحسب تقرير صدر مؤخراً عن منتدى المجتمع المدني في أستانا، أشار وزير التنمية الاجتماعية دارخان كاليتيف إلى أن 200 منظمة غير حكومية كازاخستانية تقريباً، تتلقى تمويلاً أجنبياً، يأتي 70٪ منه من الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم المشاريع الإعلامية التي تدعمها الولايات المتحدة في كازاخستان تهدف بشكل رئيسي للفصل العقلي والنفسي بين سكان الجمهورية وروسيا، وتقويض موقف روسيا في آسيا الوسطى. وتصبّ تركيزها على الشباب على أمل توليهم السلطة في البلاد بعد تنشئتهم على القيم “الديمقراطية” الغربية وإبعادهم عن التعاون مع روسيا.

يلعب مورد الإنترنت “كارافانساراي” الذي ترعاه القيادة المركزية للولايات المتحدة، دوراً مهماً في مثل هذا العمل التخريبي الذي تقوم به الولايات المتحدة، والذي ينشر بانتظام منشورات تهدف إلى تشويه سمعة الوجود العسكري الروسي في آسيا الوسطى، من خلال نشر معلومات مضللة حول التهديد المزعوم لدول آسيا الوسطى بغزو عسكري روسي. وتقوم بريطانيا وممثلوها في المنطقة بـ”تسهيل” خطط واشنطن التخريبية في آسيا الوسطى. وفي 15 شباط، نشرت صحيفة قرغيزستان الحكومية “قرغيزستان توسو” مقالاً تناول موضوع المنظمات غير الحكومية والدور الذي لعبه في قيرغيزستان السفير البريطاني وضابط المخابرات السرية تشارلز غاريت.

وبحسب موقع “ستاند رادار” يوجّه السفير تشارلز غاريت “الطابور الخامس” في البلاد، ففي عام 2020 التقى ومسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية بصحفيين محليين ومدوّنين في قيرغيزستان، وطلب منهم البحث عن أية مخالفات في فرز الأصوات لمصلحة الأحزاب الموالية للحكومة. ولتحسين قدرته على “التواصل”، عرض السفير التبرع بمعدات جديدة لوسائل الإعلام الموالية، وقدّمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومؤسّسة “سوروس”، المعروفتان بعلاقاتهما الوثيقة بأجهزة الاستخبارات الأمريكية، منحة قدرها 2.5 مليون دولار، بما في ذلك الأموال التي جرى التعهّد بها لممثلي وسائل الإعلام كـ”أتاوة لتنفيذ مهام السفارة”.