الخبير الاقتصادي مايكل هدسون يحذر من إلغاء “الدولرة” من الاقتصاد العالمي
البعث الأسبوعية-هيفاء علي
مضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى أقصى درجة من العداء من خلال فرض عقوباتهما الاقتصادية ضد روسيا، وبحسب مراقبين، ربما تكون النتيجة النهائية إلغاء “الدولرة” في الاقتصاد العالمي، ونقص هائل في السلع الأساسية حول العالم برمته.
هكذا قامت مجموعة من كبار ضباط الناتو المتواجدين في غرف العمليات الخاصة بهم باستهداف البنك المركزي الروسي بعقوبات. بالمقابل، انتقلت قوات الردع الروسية إلى “نظام الخدمة الخاصة”، مما يعني أن أساطيل الشمال والمحيط الهادئ، وقيادة الطيران بعيدة المدى، والقاذفات الاستراتيجية، وكامل الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب قصوى. وسرعان ما قام جنرال في البنتاغون بإجراء الحسابات الأساسية بسرعة، وبعد دقائق تم إرسال وفد أوكراني لإجراء مفاوضات مع روسيا في مكان غير معروف في غوميل، بيلاروسيا. في هذه الأثناء، في الدول التابعة، كانت الحكومة الألمانية مشغولة بوضع قيود على بوتين، الأمر الذي يثير السخرية بالنظر إلى أن برلين لم تضع مثل هذه القيود على من قصف يوغوسلافيا أو غزا العراق أو دمر ليبيا وسورية في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
ولفهم كيف ستتجنب روسيا عقوبات الناتو هناك تحليل موجز لخبير اقتصادي مخضرم هو مايكل هدسون، مؤلف “الإستراتيجية الاقتصادية للإمبراطورية الأمريكية”، حيث أشار هدسون إلى أنه “مذهول ببساطة من التصعيد الهيستيري الأمريكي ضد روسيا، وفيما يتعلق بمصادرة الاحتياطيات الأجنبية الروسية وقطع نظام سويفت، فإن النقطة الأساسية هي أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لروسيا لإنشاء نظام جديد مع الصين، والنتيجة ستنهي الدولرة بشكل دائم.
ووفقاً لهيدسون، يقود هذا الأمر إلى سؤال كبير وهو ما إذا كان بإمكان أوروبا وكتلة الدولار شراء المواد الخام الروسية، وما إذا كانت الصين ستنضم إلى روسيا في مقاطعة المعادن. ويضيف هدسون: “يمتلك البنك المركزي الروسي بالطبع أصولاً مصرفية أجنبية للتدخل في أسواق الصرف الأجنبي للدفاع عن عملته ضد التقلبات. انخفض الروبل، وستكون هناك أسعار صرف جديدة. لكن الأمر متروك لروسيا لتقرر ما إذا كانت ستبيع قمحها إلى غرب آسيا، الذي يحتاج إليه، أو التوقف عن بيع الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا، بعد أن تتمكن الولايات المتحدة من بيعه لأوروبا بدلاً من روسيا”. وفيما يتعلق بالإدخال المحتمل لنظام دفع روسي صيني جديد يتجاوز سويفت ويجمع بين نظام “سبفس” الروسي – نظام تحويل الرسائل المالية- ونظام “سيبس” الصيني – نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك-، يؤكد هيدسون أنه سيتم تنفيذ “النظام الروسي الصيني بأسرع وقت بينما ستسعى بلدان الجنوب إلى الانضمام إلى نظام سويفت والاحتفاظ به في نفس الوقت، وتحويل احتياطياتها إلى النظام الجديد.
إلغاء الدولار
بحسب هيدسون ، هكذا تكون الولايات المتحدة نفسها قد ارتكبت خطأ استراتيجياً فادحاً آخر وسوف تسّرع إزالة الدولار، وكما قال العضو المنتدب لشركة بوكوم إنترناشونال ، لصحيفة “غلوبال تايمز”: “إن إلغاء دولرة تجارة الطاقة بين أوروبا وروسيا سيشكل بداية تفكك هيمنة الدولار”. وقد حذرت شخصيات اقتصادية غربية بارزة من خطورة هذا الأمر، وها هي “بلومبرغ” تلخص مخاوفهم الجماعية بالقول: “إن استبعاد روسيا من النظام العالمي المهم الذي يعالج 42 مليون رسالة يومياً ويعمل بمثابة شريان حياة لبعض أكبر المؤسسات المالية في العالم، يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، ويزيد التضخم، ويقرب روسيا من الصين ويحمي المعاملات المالية من التدقيق الغربي. كما يمكن أن يشجع أيضاً على تطوير بديل سويفت الذي يمكن أن يقوض في النهاية سيادة الدولار الأمريكي وبالتالي، يجب أن يكون أولئك الذين لديهم معدل ذكاء أعلى من 50 في الاتحاد الأوروبي قد أدركوا أنه ببساطة لا يمكن استبعاد روسيا تماماً من نظام سويفت ولكن فقط بعض بنوكها حيث يعتمد التجار الأوروبيون على الطاقة الروسية”.
من وجهة نظر موسكو، هذه مشكلة صغيرة، لأن عدد من البنوك الروسية يرتبط بالفعل بنظام “سيبس” الصيني. على سبيل المثال، إذا أراد شخص ما شراء النفط والغاز الروسي باستخدام نظام “سيبس”، فيجب أن يتم الدفع بالعملة الصينية، يوان. بالإضافة إلى ذلك، ربطت موسكو بالفعل نظام الدفع الخاص بها ليس فقط بالصين، ولكن أيضاً بالهند والدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والبرنامج الخاص للأمن الغذائي متصل بالفعل بحوالي 400 بنك. وهكذا، ومع المزيد من الشركات الروسية التي تستخدم نظامي “سبيس، و”سبيفس” حتى قبل اندماجهما، وغيرها من المناورات للتحايل على سويفت، مثل المقايضة -التي تستخدمها إيران على نطاق واسع في ظل العقوبات الغربية، يمكن لروسيا تعويض ما لا يقل عن 50٪ من الخسائر التجارية. والحقيقة الأساسية هي أن الهروب من النظام المالي الغربي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة أصبح الآن لا رجوع فيه عبر أوراسيا، وسوف يتكشف بالترادف مع تدويل اليوان.
روسيا ومجموعتها الخاصة
حدد مايكل هدسون سلسلة من النقاط الحاسمة، بدءاً من كيف أصبح الناتو هيئة تشكيل السياسة الخارجية الأوروبية، إلى درجة الهيمنة على المصالح الاقتصادية الوطنية، والأوليغارشيات الثلاث التي تسيطر على السياسة الخارجية للولايات المتحدة وهي المجمع الصناعي العسكري، والنفط والغاز وقطاع التعدين، والقطاع المالي والتأمين والعقارات، والذي يعرفه هدسون بأنه “نظير الطبقة الأرستقراطية الأوروبية القديمة ما بعد الإقطاعية التي تعيش على إيجار الأرض”.
أثناء وصف هذه القطاعات الريعية الثلاثة التي تهيمن تماماً على الرأسمالية المالية لما بعد الصناعة في قلب النظام الغربي، يلفت هدسون الأنظار الى كيف اندمجت “وول ستريت” بقوة مع صناعة النفط والغاز، وكيف أن الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة في مواجهة الناتو مع روسيا هو ارتفاع أسعار النفط والغاز، وبالتالي تحقيق أرباح ومكاسب في سوق الأسهم للشركات الأمريكية، وإضعاف الاقتصاد الألماني.
كما يحذر هدسون من إرتفاع أسعار المواد الغذائية وعلى رأسها القمح ، ما من شأنه أن يولد كارثة عالمية ستضغط على العديد من دول غرب وجنوب آسيا التي تعاني من نقص الغذاء، وبالتالي تدهور ميزان مدفوعاتها ويهدد بالتخلف عن سداد ديونها الخارجية. أما فيما يتعلق بمنع تصدير المواد الخام الروسية، فإن هذا يهدد بإحداث اضطرابات في سلاسل التوريد للمواد الرئيسية، بما في ذلك الكوبالت والبلاتنيوم والنيكل والألمنيوم، وهذا يقود مرة أخرى إلى جوهر الموضوع : “إن الحلم طويل الأمد لأتباع الحرب الباردة الأمريكية الجدد هو تفكيك روسيا، أو على الأقل استعادة نظام حكم الكليبتوقراطية”، وهو نظام حكم قائم على الفساد ونهب الثروات العالمية. لكن ذلك لن يحدث برأي هدسون الذي يشير الى أن أكبر نتيجة غير مقصودة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة كانت دفع روسيا والصين معاً، بالإضافة إلى إيران وآسيا الوسطى والبلدان الواقعة على طول مبادرة “الحزام والطريق” الى هذا الطريق.
مصادرة بعض التكنولوجيا
تم تحديد السلاح الفتاك في ترسانة الردود الروسية من قبل رئيس مركز البحوث الاقتصادية في معهد العولمة والحركات الاجتماعية فاسيلي كولتاشوف، الذي أشار إلى أن المفتاح هو مصادرة التكنولوجيا. وفيما يسميه “تحرير الملكية الفكرية الأمريكية”، دعا كولتاشوف إلى إصدار قانون روسي بشأن “الدول الصديقة وغير الصديقة”، وسيتطلب ذلك تغيير الدستور الروسي، والآن يمكن لروسيا أن تستخدم “الخبرة الواسعة للصين مع أحدث عمليات الإنتاج التكنولوجي لنسخ المنتجات الغربية: الإفراج عن الملكية الفكرية الأمريكية سوف يتسبب في أضرار للولايات المتحدة تصل قيمتها إلى 10 تريليون دولار، فقط في المرحلة الأولى، وستكون كارثة حقيقية بالنسبة لهم”.