كيف يتحول الاحتراف من نقمة إلى نعمة؟ الاحتراف الأعوج بات باباً للفساد والكسب غير المشروع
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
في الواقع الرياضي الذي نعيشه في الوقت الحالي لا نجد أن هناك في الأفق حلولاً مجدية تنعش رياضتنا وتخرجها من النفق المظلم الذي تقع فيه، فالمنغصات والمشاكل كبيرة وهي يوم بعد يوم تتنامى وتكبر ككرة الثلج.
ورغم كل الوعود التي تصدر من الجلسات والاجتماعات وما تتضمن من قرارات وتوصيات إلا أنها تبقى حبراً على ورق لأن التنفيذ ضعيف أو معدوم أو لنقل فإن ما يصدر هو لامتصاص طلبات الرياضيين وحاجة الرياضة ولا شيء غيره.
لذلك لم يكن اجتماع المجلس المركزي للاتحاد الرياضي العام خارجاً عما ذكرناه فقد خرج الاجتماع خالي الوفاض وخرج المجتمعون كما دخلوا، ولا ندري إن كان المجلس هذا وهو أعلى سلطة رياضية بعد المؤتمر العام عالماً بما تعانيه رياضتنا أم أن قضايا الرياضة مؤجلة لإشعار آخر لأسباب لا نعلمها.
والأغرب في الموضوع أن إذن السفر قد طاله الرفع دون أن يحل اي مشكلة، فصار ثلاثة آلاف ليرة في اليوم، وهذا الرفع بعد أن طال انتظاره لم يكن ملبياً أبداً لأنه لم يحل المشكلة التي عانى منها الرياضيون كثيراً في السنوات السابقة، وخصوصاً أن التسعيرة الجديدة لا تكفي الرياضي ليصل بها إلى مكان التمرين، فكيف إذا أراد المشاركة ببطولة خارج محافظته؟.
الاكتفاء الذاتي
الموضوع بات (مبين) من العنوان، فالمعونات التي يقدمها المكتب التنفيذي للمؤسسات الرياضية باتت لا تكفي لشيء، ومن المفترض أن تسعى المؤسسات الرياضية إلى الاكتفاء الذاتي عبر تحريك مصادر الدخل والبحث عن مشاريع جديدة لتكون قادرة على القيام بأعبائها والنهوض بالعمل الرياضي.
وربما الشعار الأسلم في هذا الاتجاه تطبيق شعار (على قد لحافك مد رجليك) فلا ينبغي للأندية أن تمتد وتتوسع دون أن تكون قادرة على ذلك، لأن الموارد ستضيع في زحمة الألعاب والنشاطات دون أن تحقق الفائدة المرجوة.
وبالتوازي يجب العمل على ترشيد الإنفاق ووضع استراتيجية عمل ضمن الإمكانيات المتاحة لهذه المؤسسة الرياضية.
وعلى سبيل المثال فإننا نضم صوتنا إلى رأي إدارة نادي الوحدة التي رأت أن تختص بلعبتي كرة القدم والسلة فقط، لكن ذلك يجب أن يسير بخطة مرسومة فلا يجوز للنادي أن ينفق مئات الملايين على الاحتراف الأعوج الذي لم يجر على النادي إلا الويلات والفشل في السنوات الماضية، فعندما يتم حصر ألعاب النادي بهاتين اللعبتين فهذا يعني أن إدارة النادي ستعمل على بناء اللعبتين من القواعد بعيداً عن (غول) الاحتراف، وهذا هو الترشيد الحقيقي للمال العام والخطوة الأولى الصحيحة في عالم الاحتراف الذي يجب أن يكون على أساس البناء لا على أساس دفع المال للمحترفين، وكلما بنى النادي قواعده بشكل جيد كلما كسب من الاحتراف المال وكسب جيلاً قوياً ومتميزاً من اللاعبين.
بلا طائل
ونحن أشرنا بمثالنا هذا إلى نادي الوحدة لأنه ما زال يعيش نعمة بيع لاعبه عمرو خريبين وقد أثرى النادي من هذا البيع، لذلك فالاتجاه نحو رعاية المواهب والخامات كفيل بتأمين الموارد المالية المطلوبة للنادي.
أنديتنا هنا تسير عكس الاتجاه فنجدها تنفق مالها في الهواء دون أن تجد الفوائد المطلوبة على صعيد البناء أو على صعيد اللاعبين ولم يحقق أغلبها أي انجاز، ومثلها كمثل التاجر الذي ينفق من رأس ماله دون أن يسلك الطريق الصحيح في العمل ليصل إلى مرحلة الإفلاس الحقيقي، وهذه المرحلة التي وصلت إليها أنديتنا كلها.
أنديتنا سلكت طريق الاحتراف الأعوج فبدل أن تستفيد منه على صعيد المكسب المالي والمستوى الفني والنتائج، وجدناها تراجعت كثيراً وأفلست ووصلت كرتنا إلى مرحلة تبحث عن لاعب هنا وهناك بعد أن قضى الاحتراف على القواعد، بعد أن حصر اهتمامه بفرق الرجال وتسويق اللاعبين وللأسف فقد شاخ أغلب لاعبي الأندية.
عقود غريبة
والخطأ بالتعامل بالاحتراف يبدأ من العقود الهشة وأغلبها غير واضحة المعالم، وأغلبها لا يصب بمصلحة الأندية، فالنادي هو الخاسر الوحيد في هذه العقود، وكم من ناد على سبيل المثال سمعنا أنه تنازل عن لاعب أو أكثر لناد عربي ضمن مبدأ الاحتراف الخارجي مقابل أن يدفع اللاعب ما قبضه من النادي على أن يعود لناديه بعد نهاية احترافه.
وسواء كان العقد بيع أو إعارة فإن حقوق الأندية ضائعة والميزان خاسر بامتياز، فكيف لاعب يرضي ناديه بكم مليون ويقبض آلاف الدولارات جراء عقده الخارجي، نحن لسنا ضد فائدة اللاعبين، لكننا ضد أن يضيع حق النادي هباء وألا يكون له نصيب من احتراف اللاعب الخارجي، وهذا متعارف عليه في كل دول العالم بل إن ميزانية الكثير من الأندية في العالم تعتمد على بيع اللاعبين وإعارتهم.
وذكرنا سابقاً أن عدداً من لاعبينا المحترفين فاق الثلاثين لاعباً غادروا أنديتنا محترفين في الدوريات العربية من أندية مختلفة كتشرين وحطين والوحدة والكرامة والاتحاد والوثبة، ولو أن هذه الأندية عملت باحتراف في قضايا الانتقال لما احتاجت هبات المحبين والداعمين ولما عجزت عن سداد التزاماتها المالية ولما وقعت في العجز والإفلاس.
لذلك إذا أردنا أن نعالج مشاكل الاحتراف فعلينا البدء بموضوع العقود والنظر بها وإصلاح بنودها لتعطي كل الأطراف حقهم بالكامل.
شروط غائبة
ومن الأخطاء القاتلة في العقود أنها لا تحفظ حق الأندية في الكثير من البنود، لذلك تلجأ إلى المساومة عند إنهاء العقود أو فسخها حتى لا تدفع حقوق اللاعبين وهذا ما يسمى فسخ عقد بالتراضي وهذا يحدث بشكل دائم بين الأندية والمدربين، وأمام حقوق المدربين المحفوظة دائماً فإننا لا نجد حقوق الأندية واضحة، فلم نجد في أي عقد أي شرط جزائي على المدرب أو اللاعب، لذلك غادر مدرب الوحدة ماهر بحري بلا إذن وتعاقد مع نادي النجمة اللبناني دون أن يحاسبه أحد لعدم وجود أي شرط جزائي يمنعه من هذا التصرف، وتكرر الأمر مع مدرب عفرين عبد القادر الرفاعي عندما غادر النادي دون استئذان، وها هو النادي يبحث عن حقه في مكاتب اتحاد كرة القدم ولو أنه قيّد حقه مع المدرب ضمن العقد لما حصل ما حصل، مع العلم أن كل المدربين والأندية يعيشون الحالة ذاتها إنما بأشكال مختلفة وتفاصيل متفاوتة.
القضية الثانية في الاحتراف الأعوج أنه يشمل اللاعبين والمدربين فقط، بينما بقية الكوادر والإداريين هواة، فكيف لرئيس ناد يعمل بالمجان ولديه فريق يعمل تحت أمرته ثمنه مليار ليرة، أليس في هذا الاحتراف حلقة مفقودة؟
لذلك لا يجتمع في ناد واحد محترفون وهواة ففي ذلك علاقة غير صحيحة وغير متناغمة وغير متوازنة، وإذا أردنا أن نحصل على تطور رياضي فعلينا أن نطبق الاحتراف على الجميع دون استثناء كل حسب اختصاصه، وهذا ضروري من أجل إغلاق ملف الشبهات وكل أبواب الفساد والكسب غير المشروع، ونحن هنا لا نريد الدخول في مسألة (العمولات) التي فاحت ريحتها كثيراً في العقود والصفقات وباتت واضحة وضوح الشمس، ولكننا من خلال إعطاء كل العاملين بالأندية حقوقهم المالية ضمن الأصول المرعية فإننا نغلق الكثير من أبواب الفساد في الأندية والرياضة والاحتراف الأعوج.
أندية الظل
إصلاح الاحتراف سهل ولكن يحتاج إلى عزيمة من القائمين عليه وسمعنا سابقاً (منذ عامين) أن هناك لجنة عملت على تعديل قانون الاحتراف لكنه لم يصدر حتى الآن وعلى ما يبدو أنهم لم يتفقوا عليه.
فمن الضرورات في الاحتراف السليم ألا يسمح للأندية بالتعاقد مع أكثر من أربعة أو خمسة لاعبين من خارج النادي، وألا تقيد على كشوفها أكثر من خمسة لاعبين تجاوزوا الثلاثين وأن تدعم فريقها بسبعة لاعبين على الأقل من اللاعبين الشباب، وأن تجد الحلول للأسعار الفضائية التي تدفعها الأندية على أشباه اللاعبين، هذه الأمور ليتم إقرارها لا تحتاج إلى لجان واجتماعات فهي مطالب محقة وسهلة التنفيذ إنما من المفترض أن ننظر إلى مصلحة كرتنا من منظار المسؤولية، وللحق فإن كرتنا شاخت ولاعبوها الشباب المواهب باتوا نادرين وعملة صعبة.
في الاحتراف تكلمنا عن الأندية الكبيرة فقط، أما عن أندية الظل فلها ترتيب آخر، وهذه الأندية من الممكن أن تكون منتجة ومصدرة للاعبين، فليس من الضروري أن تمارس كل الأندية كرة القدم في النشاطات الرسمية وأن تسعى لتجميع فرقها من هنا وهناك ممن لم يجد لهم موطئ قدم في الدرجة الممتازة أو ممن بلغ سن الاعتزال أو حتى من فرق الأحياء الشعبية، وهذا الوصف ينطبق على أغلب فرق الدرجة الأولى بل معظمها، فهذه الأندية ليس لها قواعد ودائماً تبحث عن اللاعبين هنا وهناك بل إن بعض الفرق يمثلها فرق من الأحياء الشعبية يحمل اسمها وهذا مثبت لدينا، لذلك نقول: ما فائدة كرة القدم في هذه الأندية؟.
رعاية المواهب
في كل دول العالم هناك فرق منتجة للاعبين مهمتها رعاية القواعد والمواهب وتطوير مستواها ثم بيعها للأندية الأخرى سواء خارجياً أو داخلياً، وهذه الأندية مهمتها كبيرة في عملية بناء الرياضة وميزانيتها وفيرة تمنحها القدرة على البناء والتطوير، وهذا الأمر لا يقتصر على كرة القدم بل ينطبق على الكثير من الألعاب سواء الجماعية أم الفردية.
كرة القدم باتت باباً للصرف والإنفاق غير المشروع لأنها تسير عكس التيار، ولم تحقق الفائدة المرجوة على صعيد الأندية بكل فئاتها ودرجاتها وهي انعكاس طبيعي للمنتخبات الوطنية، وبدعة المدارس الكروية والأكاديميات ليست إلا ذريعة للمكسب المالي المشروع وغير المشروع، ولكننا نسأل ماذا قدمت لنا هذه المدارس والأكاديميات بعد كل هذه السنوات الطويلة من إنشائها؟.
لذلك مع مراعاة مشروع الاحتراف علينا مراجعة عمل هذه المدارس والأكاديميات في الأندية علنا نحصل على الفائدة ونغلق الكثير من أبواب الكسب غير المشروع.
هذا جزء بسيط من قضايا الاحتراف الأعرج ولدينا المزيد لنتحدث عن أصول الاحتراف المفترض تطبيقه وهي من الأمور الممكنة وليست المستحيلة.