تلك هي الأسباب الحقيقية للتصعيد البريطاني ضد روسيا
علي اليوسف
شنّت العديد من الدول الغربية حملة غير مسبوقة ضد روسيا، سواء في مجلس الأمن أو في وسائل الإعلام المختلفة، لكن وحدها بريطانيا اختارت السير نحو مواجهة مفتوحة، حيث اتخذت موقع رأس الحربة في الهجوم، الأمر الذي لم يترك لموسكو أي خيار سوى الردّ باتخاذ إجراءات ستقوّض بلا شك المصالح البريطانية في روسيا.
لقد ذهبت بريطانيا لتشنّ حرباً إعلامية كبيرة جداً ضد روسيا، لدرجة أن هذا التصعيد يأتي في مرحلة مفصلية مع بدء ظهور ملامح النظام العالمي الجديد. ولا شك أن هذا التصعيد البريطاني يأتي في سياق المحاولة للعبث بالسياسة الروسية الدولية الضامنة للأمن والسلم العالميين، لأن روسيا نجحت وباقتدار في تثبيت حضورها على المسرح الدولي بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين.
كانت روسيا حريصة منذ بداية الأزمة على أن تكون هذه الدول في دائرة التعقل، لكنها ذهبت إلى التصعيد من خلال بريطانيا، والذي من الواضح أنه مدروس من قبل الولايات المتحدة، وهدفه التشويش على الإنجازات الاقتصادية التي تحقّقها روسيا، وعلى الإنجازات السياسية التي وضعتها القيادة الروسية للحدّ من الأحادية القطبية.
ولعلّ أحد أهم أسباب هذا التصعيد هو أن روسيا وضعت الخطوط الحمراء أمام الولايات المتحدة والغرب عموماً، بأن زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية قد ولّى، ولكن هناك أسباباً أخرى ومنها عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وبعدها فرض الغرب عقوبات اقتصادية على روسيا، ولكن بعد أزمة أوكرانيا انتقل المشهد إلى تصعيد أكبر، وتمّ تبادل للعقوبات بين روسيا وبعض الدول الغربية.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تعوّدت الولايات المتحدة على قيادة العالم من خلال القطبية الأحادية، ولكن اليوم وبعد الموقف الروسي لم تعد سياسة القطب الواحد بقيادة أمريكية سائدة، وروسيا في عقيدتها الجديدة تصرّ على أن يكون العالم متعدّد الأقطاب واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها. ومن الطبيعي أن تكون المخابرات الأمريكية بالتوافق مع المخابرات البريطانية هي التي تقود هذه الحملة ضد روسيا، وبالعودة إلى الوراء، ومنذ حوالي خمسة عشر عاماً والأزمات تتزايد وتتصاعد بين لندن وموسكو على خلفية عدة ملفات، ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى الاتهامات البريطانية الرسمية لموسكو باغتيال المعارض الروسي ألكسندر ليتفينينكو في لندن عام 2006، وقد أصدرت محكمة بريطانية قرارها بإدانة الحكومة الروسية بوقوفها خلف عملية الاغتيال.
تلت ذلك أزمة آذار 2018 التي اندلعت إثر اتهام حكومة تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، للحكومة الروسية بمحاولة اغتيال العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا بهجوم بغاز الأعصاب، وقامت الحكومة البريطانية إثر ذلك بطرد 23 دبلوماسياً روسياً من لندن، في خطوة وصفت بأنها الأعنف دبلوماسياً منذ الحرب الباردة. فأتى ردّ موسكو أكثر عنفاً، إذ طردت الحكومة الروسية خمسين دبلوماسياً بريطانياً من موسكو، مما تسبّب بخلق أزمة بين الدولتين كادت أن تتحول إلى قطيعة تامة.
وللأزمة الأوكرانية- الروسية، منذ 2014، تداعيات تُلقي بظلالها على العلاقات البريطانية الروسية، إذ دفع اشتعال الحرب بين كييف وموسكو والذي تمثل بضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، ودعمها دونباس في شرق أوكرانيا، إلى أن ترمي بريطانيا بثقلها إلى جانب التحالف الغربي الداعم لـ كييف عبر فرض مختلف العقوبات الاقتصادية على موسكو.
لطالما مثلت أوكرانيا، بموقعها الجغرافي الاستراتيجي كبرزخ فاصل بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، ساحة لنزاع الغرب مع روسيا، ومع خطوة أوكرانيا الأولى في التحرك باتجاه الارتماء في حضن الاتحاد الأوروبي، عندما أطاحت “الثورة البرتقالية” بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش، عام 2014، ردّت موسكو على ذلك بحزم في شبه جزيرة القرم، ودعمت سكان منطقتي دونيتسك ولوغانسك شرق أوكرانيا، والتي تحوّلت إلى بؤرة توتر في منطقة البحر الأسود.
ومع تزايد التوتر، اتخذت لندن خطوة تصعيدية في نيسان 2021، وذلك عبر إرسالها إلى البحر الأسود مدمرة مسلحة بصواريخ مضادة للطائرات وفرقاطة مضادة للغواصات، وذلك في مبادرة هدفها التعبير عن دعم حلف الناتو لأوكرانيا في أزمتها مع روسيا.
وحتى قبل ذلك، شهد التعاون العسكري بين المملكة المتحدة وأوكرانيا تصاعداً ملحوظاً، فقد وقع الطرفان في تشرين الأول عام 2020 مذكرة لتعزيز التعاون في المجالين العسكري والتقني بمبلغ 1.25 مليون جنيه إسترليني. كذلك تمّ توقيع مذكرة تفاهم حول التعاون بين البلدين في تصميم وبناء سفن حربية على الأراضي الأوكرانية والبريطانية بالإضافة إلى بناء قاعدتين تابعتين للقوات البحرية الأوكرانية في حزيران 2021. كما وقع سفير أوكرانيا في لندن، فاديم بريستايكو، في 13 تشرين الثاني 2021 اتفاقية إطارية تقضي بتخصيص موارد مالية لبناء 8 زوارق حاملة للصواريخ، لحساب أوكرانيا، بحسب موقع «ZN.UA» الأوكراني، وبذلك تكون المملكة المتحدة ثاني أكبر دولة بعد سويسرا من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الأوكراني، كما تعتبر لندن ثالث أكبر مستثمر بعد قبرص وهولندا من حيث الاستثمار المباشر المتراكم في أوكرانيا.