الصعوبات تفقد العسل حلاوته.. و”الزراعة” لا تزال تعالج المشكلة بالطرق التقليدية!
الحلاوة والجودة التي كان “يتباهى” بها العسل، والمكانة التي احتلها، طبياً أو غذائياً، لم يعد لها هذا الرواج في أيامنا العصيبة، والحق يقال العسل بريء مما يحدث له، إلا أن الظروف المحيطة به والمهدّدة لعرش ملكاته، سواء من ناحية التربية أو التسويق، باتت سيد الموقف، وأزاحته من روزنامة المواطن السوري كغيره من عشرات المواد الضرورية، ليبقى حبيس المخازن!.
تدهور ملحوظ
مدير الوقاية في وزارة الزراعة الدكتور إياد محمد بيّن في حديثه لـ”البعث” أن مهنة تربية النحل بدأت تشهد تدهوراً في السنوات الأخيرة، وتأثرت كغيرها من المهن بالأزمة التي تمرّ بها البلد، فبعد أن كان عدد المربين قبل الحرب /25000/ بمعدل إنتاج خلايا /4000/ طن، تدهور وبلغ عام 2020 نحو /1500/ طن بسبب نفوق أعداد كبيرة من طوائف النحل المحلي، وفقدان الكثير منها بعمليات النهب والسرقة، إضافة لتدهور السلالة السورية وانتشار الهجن نتيجة الإدخال العشوائي غير النظامي للملكات والذي أدى إلى الخلط الوراثي، كما تناقص عدد المربين إلى نحو /14000/ مربٍ لتاريخه.
الأماني لم تتحقق
ولم يخفِ محمد حجم الصعوبات التي يعاني منها المربون لجهة ارتفاع أسعار المستلزمات الثابتة (الخلايا الخشبية، الطرود، السكر، الشمع) لدى القطاع الخاص، وضعف القدرة الشرائية لدى أغلب المربين، وصعوبة التنقل والترحيل لتأمين المرعى وتكاليفه المرتفعة، إضافة لتدهور السلالة المحلية. ولم يتوانَ مدير الوقاية عن ذكر عمليات التهريب التي تحدث عبر المنافذ الحدودية غير المراقبة وإدخال ملكات أجنبية ونحل بطرق غير شرعية مجهولة المصادر والسلالات، لكنه أغفل الحديث عن الإجراءات التي اتخذتها الوزارة للحدّ من هذه الظاهرة وحماية الطوائف الأصيلة، وربما اعتقدت “الزراعة” أن قرارها الأخير في السماح باستيراد ملكات نحل من الخارج، وفقاً للقرارات المعمول بها، قد يعيق حركة التهريب، غير أن الأماني على ما يبدو لم تتحقق، بدليل عدم ورود أي طلب للاستيراد في السنوات الأخيرة، بالتوازي تحاول الوزارة إعادة تأصيل وتحسين سلالة النحل السوري عبر مشروع وطني، لكننا لم نحصل على تفاصيله وكيفية العمل فيه من قبل مدير الوقاية، مكتفياً بتأكيد عدم تسجيل أي ضبط متعلّق بتهريب السلالات الأصيلة خارج القطر.
تجاهل الريف
مدير الوقاية تحدث في سردية طويلة عن الدور الذي تلعبه وزارة الزراعة لتخفيف الأعباء عن النحالين والمربين، من دورات تدريبية تنفذها مديرية الوقاية ودوائرها في المحافظات للتعريف بآفات وأمراض النحل، وقيام الوزارة بإنتاج خلايا خشبية مع مستلزماتها وبجودة عالية وبيعها للمربين بأسعار تشجيعية أقلّ من أسعار السوق، إضافة لتأمين طرود النحل مع ملكات ملقحة بأسعار تشجيعية، وإجراء الفحص المجاني لآفات النحل ومشكلاته من خلال مخابرها الموجودة في مديريات الزراعة في المحافظات، وعمليات تحليل العسل بأسعار تشجيعية، إضافة للإشراف والاشتراك مع المنظمات الإقليمية والدولية لدعم مربي النحل علمياً وفنياً ومادياً.
بعد التواصل..؟!
كلام مدير الوقاية إلى هنا يبدو جيداً وعملياً، ولكن بعد التواصل مع بعض المربين الخاصين في منطقة الغاب “شطحة وجورين وعناب” بمحافظة حماة بدا كلامه نظرياً وبعيداً عن الواقع. فقد نفى البعض ممن تواصلنا معهم أي تواصل مع وزارة الزراعة باستثناء قيام الوحدات الإرشادية في مناطقهم بالسؤال عن إحصائية لعدد الخلايا، أما فيما يتعلق بتأمين الأدوية والطرود وتسهيلات التسويق فهي لم تحصل هناك، حيث تحدث المهندس (ح. خضرة) وهو مربي نحل عن التلوث البيئي وحرق الغابات ورش المبيدات بطريقة غير علمية، والتأثير السلبي على النحل في ظل غياب واضح للوزارة، كما أكد خضرة عدم دعوتهم لحضور أي مهرجان أو معرض للقيام ببيع منتجاتهم، وغياب أي جمعية تساهم بالتسويق على عكس مراكز المدن، وعمليات البيع التي تتمّ تحدث بشكل فردي للأصدقاء والصيادلة وبعض ميسوري الحال، وهذا يتقاطع مع حديث محمد عن آلية التسويق المتّبعة لدى مربي النحل للمنتجات (عسل، غبار طلع، غذاء ملكي، عكبر.. وغيرها)، فهي تتمّ بشكل مباشر من قبل المربي أو عبر مشاركته في معارض ومهرجانات العسل، وحتى تصنيعه على شكل سكاكر، إضافة لإدخاله في تصنيع الشامبو ومواد التجميل، لكن هذا يتمّ بكميات قليلة.
مرارة العسل
ولأن “أهل مكة أدرى بشعابها”، جاءت صعوبات النقل والترحال على لسان حامليها أكثر “ألماً” من المسؤول الذي يسردها ويقرأها عن ظهر قلب. فقد بيّن خضرة أنها قاسية جداً ومؤلمة، فعدا عن أنها تتمّ حصراً في الليل، فهي مكلفة وقد تبدأ بمليونين عند الترحال إلى محافظة أخرى، لكنها لا تقف عند هذا المبلغ لأن عمليات النقل تتمّ كل 15 يوماً أو شهر كحدّ أقصى. وأكد خضرة أن إنتاج العسل في منطقة جورين وعناب ومرداش كان “صفراً” خلال العام الماضي، نتيجة نفوق عدد كبير من النحل والذي بلغ 50% حتى تاريخه.
أما الأستاذ أحمد (مدير مدرسة متقاعد) وهو أيضاً مربي نحل فقد خسر 95 خلية نحل من بين 155، نتيجة استخدام المزارعين لمبيدات حشرية غير انتخابية تقتل الحشرة الضارة والنافعة. وتحدث أحمد عن ارتفاع تكاليف تربية النحل ابتداءً من الغذاء المعتمد فيه على السكر، وليس انتهاءً بعمليات ومراحل العلاج، فكل خلية حديثة تحتاج لكيلو سكر بسعر 3000 ليرة، في حين تحتاج الخلية البلدية نصف كيلو، بمعنى إذا كان عدد الخلايا 150 خلية حديثة فإن تكلفة التغذية من السكر وحده مليون و800 ألف ليرة شهرياً، في وقت يبلغ سعر الخلية المذكورة بين 75 ألف ليرة إلى 100 ألف، والفنية 20 ألفاً تؤمّن من مناشر خاصة في حماة. وبيّن أحمد أن المبيدات الحشرية غير المدروسة لعبت دوراً كبيراً في نفوق فراخ النحل في المنطقة، أما الأدوية ذات السعر المرتفع فهي غير فعّالة ولا تعطي النتيجة المرجوة، إلى جانب مكافحة حشرة الفاروا حالياً والتي تزيد الأعباء، أما الرياح العاتية التي تعتبر حالة تنفرد بها تلك المنطقة صيفاً، فهي تؤثر سلباً على النباتات وزهورها، وبالتالي على المراعي التي باتت منخفضة جداً، وخاصة بعد الحرب والحرائق المتكررة والعنيفة التي شهدتها الجبال، حيث التهمت 40% من مساحة الحراج في الغاب، بحسب معنين في الحراج، وهذا يتعارض مع كلام “الزراعة” وتغنيها بتنوع المراعي وكثرتها، غافلين عن النيران التي دمّرت الغطاء النباتي والذي يحتاج عشرات السنوات ليعود كما كان!.
وفي السياق نفسه نوّه المربي (علي) بصفاء النحل في الغاب، فهو جميعه سوري وأصيل، أما في منطقة الساحل فقد تتوفر ملكات إيطالية ومهجّنة باعتبار كميات النحل المرباة كبيرة جداً، وأكد -من خلال تواصلنا معهم- أن نحالي الغاب مجتمعين لم يبلغ إنتاجهم العام الماضي 10 كيلو عسل. وتمنّى المربون من وزارة الزراعة تقديم القروض والسكر كما كان يحصل سابقاً، حيث كانت تقدم لكل خلية 5 كيلو لتغذية النحل أوائل الشتاء.
نصائح
وبالعودة لمدير الوقاية فقد نصح المربين باستخدام المواد والزيوت الطبيعية والأحماض العضوية في برنامج الإدارة المتكاملة لآفات النحل، بدلاً من استخدام المواد الكيميائية، حيث إنها أكثر أماناً للنحل ولمنتجات الخلية وأقل تكلفة، ويمكن تخفيف التكاليف من خلال تطبيق الأساليب الصحيحة والتعاون ما بين المربين والمزارعين، إضافة إلى دور الجمعيات والاتحادات المعنية، ملقياً باللوم عليهم لعدم معرفتهم بتنوع سلالات النحل والهجن الناشئة عنها ومعرفة الملائم منها، ما يجعلهم عرضة لتلاعب واستغلال البعض لبيعهم نحلاً بأسماء وهمية (نحل محسن) وبأسعار عالية، واعتبر بعض المزارعين غير مدركين لأهمية النحلة كحشرة ملقحة، ودورها في زيادة كمية ونوعية المحصول دون أي تكلفة عليهم، إذ يرفض البعض دخول المناحل إلى مزارعهم لجهلهم ذلك!!.
نجوى عيدة