المغر الطبيعية في السويداء… رافد سياحي ومقصد للباحثين عن الهدوء والسكينة
البعث الاسبوعية_ رفعت الديك
تتربع المغر الأثرية في السويداء على الخارطة السياحية للمحافظة كواحدة من المعالم الهامة فيها والتي يمكن للزائر الاستمتاع بها لما تشكله من مقصداً للباحثين عن الطمأنينة والسَكينة داخل جروف هذه الكهوف ونقطة جذب لقاصدي هذه الأماكن لما تختزنه داخلها من مقومات سياحية، حيث الحرارة المعتدلة صيفاً شتاءً وبعضها أصبح يشكل بيئة مناسبة لعلاج العديد من الأمراض.
استخدامات متنوعة
ومن المغر المشهورة في السويداء مغارة الهوة ومغارة عريقة ومغارة الدلافة ومغارة قنوات والتي ولدِت من رحم الصخور منذ مئات السنين، وهذه المغر تعاقبت عليها العديد من الحقب الزمنية والتاريخية لتشكل حالياً نقطة جذبٍ سياحية لما تتمتع به من موقع جمالي يسكن الذاكرة ويستوطن القلب.
والمغارة هي مصطلح جيولوجي يدل على تكوين طبيعي في الأرض تشكل بفعل حركات قشرة الأرض وانزياحها وكذلك نشاط البراكين.
يقول الباحث الدكتور نشأت كيوان أنه يوجد في محافظة السويداء العديد من المغر الكبيرة والصغيرة، وإن كانت الصغيرة منها الأكثر عدداً ، ولا تخلو قرية من وجود هذا النوع ،ولكن تبقى بعض المغر الكبيرة مثل مغارة عريقة وأم الزيتون والهوة بأم الرمان والمغارة في موقع الضمنة في بلدة قنوات هي الأكبر والأكثر اكتمالاً والتي تشكلت بسبب اندفاع الصهارة البركانية( الحمم )و تبردها بشكل بطيء مشكلةً مغراً ممتدة لمسافات جيدة كون الغازات التي تندفع وراء الحمم وأثناء التبرد ويبقى هذا الفراغ مكان الغازات وعلى سبيل المثال كما في مغارة عريقة في منطقة اللجاة ذات الصبات البركانية الممتدة على مساحات كبيرة مشكلة منطقة اللجاة ،وبالطبيعة نفسها مغارة أم الزيتون التي اكتشفت حديثاً في المنطقة الصناعية المجاورة للقرية والتي تبين أن الإنسان على ما يبدو لم يتدخل في استخدامها ، وهذا الأمر نراه في مغارة عريقة لكن على ما يبدو أنها كانت مستخدمة من قبل الإنسان كونها تقع ضمن تجمع سكاني قديم للبلدة.
أما مغارة الهوة بأم الرمان على الأرجح لم يغير الإنسان من معالمها ، وإن كنا نظن أنها استخدمت بوقت من الأوقات كزرائب للحيوانات (حظائر) غير دائمة ،كانت تستخدم أحيانا في فصول محددة وخصوصاً الشتاء.
ومن الناحية الأثرية والتاريخية يوجد العديد من المغر الصغيرة والتي تدخل الإنسان في بنيتها وشذب جدرانها وأقام بعض الأعمدة داخلها أو نحت أجزاء متوسطة منها على شكل أعمدة لحمل سقوفها خوفاً من الانهيار ،وهذا ما نراه على سبيل المثال في المغر في قرية سهوة الخضر حيث قام الإنسان القديم بنحت الجدران وأقام معالف للحيوانات، كذلك استخدمت المغر في فترات تاريخية كأماكن للعبادة وهذا ما عثرنا عليه على سبيل المثال في مغارة في تل أحمر بالقرب من قرية مصادر حيث تشير موجودات المغارة.
أما في مقبرة صلخد والتي عثر فيها على مغر أثرية وهياكل عظمية فتشير إلى استخدام المغارة كمقبرة ، والشواهد عديدة في كثير من قرى المحافظة التي استخدمت فيها المغر كمقابر أو مدافن أو اسطبلات،حتى أن بعض المغر استخدمت كمساكن للناس ،بالإضافة إلى استخدام بعضها بنواحي دينية
والمعروف تاريخياً أن المغر كانت ملجأً للمتعبدين أو الهاربين من ملاحقة اتباع ديانة ما ، وهذا ما نراه على سبيل المثال عند انتشار المسيحية وملاحقة اتباع أنصارها حيث كانت الدعوة سرية في بدايتها وهذا الأمر نراه في أماكن متعددة من العالم .
وبالنتيجة كانت المغر الطبيعية مكاناً مجهولاً أغرت فضول الإنسان لاستكشافه ومعرفة خفاياه حتى أن بعضها تحول إلى قبلة سياحية تزورها الناس وثم تم تحويلها إلى مرفق سياحي كما حصل في مغارة عريقة.
استثمار سياحي
إضافة إلى أهميتها التاريخية تشكل المغر مقصدا سياحيا هاما ويقول مدير سياحة السويداء يعرب العربيد أن ارض المحافظة تحتضن داخلها العديد من ” المغر” منها تم استثماره ومنها مازال ينتظر من يستثمرها، ومن المغر التي تم استثمارها وباتت مقصداً للباحثين عن الراحة مغارة عريقة حيث تتألف المغارة من ثلاثة كهوف طبيعية ذات منشأ بازلتي طبيعي مقطعها بشكل نصف دائرة وارتفاعها وسطيا ستة أمتار وتفصل بينها سراديب وتشكيلات صخرية نحتتها الطبيعة لتنساب منها المياه بين الصخور وتتميز بحرارة ثابتة على مدار السنة عند درجة 17 مئوية.
وتشكل المغر فرصة للاستكشاف والاستمتاع بمناظرها وأجوائها المستوحاة من أشكال الحجارة والينابيع التي تتخللها والقصص المحكية عنها مع إمكانية الاستفادة منها للأغراض الطبية حيث أثبتت التجارب العلمية أن نقاء هوائها ونسبة الرطوبة المعتدلة تجعلها بيئة مناسبة لعلاج عدة أمراض مستعصية كالربو والتحسس والتوتر حسب العربيد.
ومن المغر المكتشفة إلا انه لم يكتب لها الاستثمار مغارة قنوات التي تقع ضمن منطقة حراجية وتعد هذه المغارة الأجمل والاوسع بين مغاور السويداء، حيث يبلغ طول هذه المغارة ١كم بينما يصل ارتفاعها إلى حوالي خمسة أمتار، وأهم ما يميز هذه المغارة هو اطلالتها الساحرة خاصة وانها تقع ضمن منطقة سياحية جميلة ، كما تتميز بوجود ركامات صخرية على امتدادها تشكل مصدر تهوية طبيعي ومجرى مائي ترك آثاره حتى هذا التاريخ.
ومن المغر الجميلة ايضاً والمطروحة للاستثمار مغارة الهوة التي تقع شمالي قرية أم الرمان حيث تتألف المغارة من تشكيل بركاني كلسي التحما معا ليصنعا لوحات تشكيلية ساحرة في تجويف ممتد داخل الأرض وهي غير معروفة البداية أو النهاية ومدخلها عبارة عن هبوط في سطح الأرض على شكل فوهة “هوة” ويظهر ممر ضيق جدا يقود نزولا إلى جسمها مع تميزها عن غيرها من المغر البركانية في العالم بأنها مركبة تتألف من مغارتين معا.
لافت العربيد إلى أنه من المغر السياحية المكتشفة والمستثمرة مغارة “الدلافة” التي تم اكتشافها من قبل أهالي القرية في القرن التاسع عشر في قرية الرشيدة، وذلك عندما سكنوا هذه القرية، وسميت بالدلافة لكون الماء يتساقط من سقفها” دلفاً صيفاً شتاءً بشكل نقطٍ متتالية لتنتهي المياه المتساقطة إلى جرنٍ كائن في أسفل المغارة، حيث لا يتغير منسوب الماء في الجرن سواءً تم ضخ المياه من قلبه أو تُرك لعدة أشهر على حاله”
و اللافت في الموضوع أن مصدر الماء المتساقط من سقف المغارة لا يزال مجهولاً لتاريخه، علماً أن الماء يخرج من بين الصخور، وهي دائمة التدفق، ما أبقى المكان ذو حرارة معتدلة.